لماذا اخترت مقاتلي القسام بالذات؟...سؤال إجابته من شِقين
بعد "الحلقة الأولى" اتصلَ بي مناوئون للمقاومة وهم في حالة ذهول
مقاتلو "حزب الله" و"القسام" تجمعهم قواسم مشتركة عديدة
أكثر ما عزّ علي هو أن آتي متخفّياً ولا التقي زملائي في "الجزيرة"
أقولُ لكل من يقوم بتقريع المقاومة "اخجلوا من أنفسكم"!
حاورته من غزة/هديل عطاالله:
في هذه المرة لم يرتدِ الإعلامي التونسي المرموق غسان بن جدو "بزّته الأنيقة"، ولم يكن الضيوف يجلسون بشكلٍ عادي في الاستديو أو في أجواءٍ مفتوحة مريحة...كل ما كانَ يلزمه وهو يتخذَُ قراراً بالدخول إلى غزة –بأي طريقةٍ كانت-هو أن يدسّ في حقيبة سفره جرأةً غير عادية من أجل شىء يتجاوز بالنسبة له مجرد "المغامرة الصحفية" .
على مدار حلقتين متتابعتين من برنامجه المعروف "حوار مفتوح" في قناة الجزيرة شدّ "بن جدو" أنظار العالم العربي إلى مشاهدة "مقاتلو غزة" الذين التقاهم في أجواءٍ جمعت بين الحذر والخوفُ من مباغتة المجهول..كان هذه المرة بلباسٍ عادي..وتقاسيم وجهٍ فيها الكثيرِ من التحدي، وبعضاً من التعب كما هو حالُ سكان غزة!، أما "الكرسي" الذي كان يجلس عليه المذيع المشهور فهو "التراب" ومن حوله مقاتلون ملثّمون من كتائب القسام تحدثّوا للعالم عن حقيقة حياتهم الإنسانية والعسكرية.
معدودون على الأصابع هم الذين كانوا يعلمون بوجوده في غزة، التي خاطرَ بالوصول إليها خفيةً بعد منع السلطات المصرية له بالدخول عبر معبر رفح البري...كيف دخلَ؟.. وكم يوماً قضى هنا؟....ولماذا اختار "مقاتلي القسام" بالذات كي يكونوا عنوان حلقته؟....أسئلة عدة حتماً خطرت ببال كل المشاهدين.
غسان بن جدو (47عاماً) مدير مكتب قناة الجزيرة في بيروت منحَ صحيفة "فلسطين" في حوار مطّول أجرته معه عبر "الهاتف" الكثير من الأجوبة....بعضها كان شافياً، وقليل منها كان موارباً لأنه ليس من المناسب الحديث عنها الآن...ولكن بالتأكيد أن كل أجوبته الشيّقة كانت كفيلةً برفع جزءٍ كبير من "طاقية الإخفاء" التي اضطرَ "بن جدو" إلى استخدامها في زيارته الأولى للمدينة التي أذهلته كثيراً برجالها الأشدّاء.
وأنا أيضاً لي قراري!
بعد ترحيبه بحرارة بأول وسيلة إعلامٍ فلسطينية تتحدث إليه..بدأنا معه من حيث بدأت معاناة رحلته عندما منعته السلطات المصرية من الدخول إلى قطاع غزة، حيث أكد أن مسألة منعه من الدخول إلى غزة عبر معبر رفح لم يُثر إلا في الأيام الأخيرة، مما جعل الجميع يظن أنه مكث أربعة أيام فقط، مضيفاً:"في حقيقة الأمر أنا مكثت أسبوعين أمام المعبر، وكنت دائماً أتخذ سبيل "العناد اللطيف" إذا صح التعبير، وذلك للإصرار على الدخول ولكن لم يسمح لي، الوضع كان مؤلما جدا بالنسبة لي، حيث كنتُ أرى أن كثراً يدخلون، وفي المقابل كنت أشاهد آخرين لم يستطيعوا الدخول مثلي".
بن جدو أبدى استغرابه من عدم سماح مصر له بالدخول إلى غزة من أجل مهمة تغطية ما بعد الحرب الاسرائيلية، قائلاً بنبرة واثقة:"على كل حال السلطات المصرية لها قرارها، وأنا أيضاً كصحفي لي قراري في طريقة التعاطي مع هذه الأمور والمستجدات بالمنطق الصحفي المألوف، أنا عندما غادرت لبنان واتجهت إلى مصر كان في ظني أنه سيُسمح لي بالدخول إلى غزة بشكل يسير، لا سيما أن فريقا كبيراً من زملائي في قناة الجزيرة وزملاء آخرين من جميع القنوات والصحف العربية والعالمية دخلوا، لم يخطر ببالي أني سأمنع، وعندما ذهبت إلى مصر كنت قد حصلتُ على تصريحٍ رسمي من قبل السلطات المصرية بدخولي إلى غزة، وأنا أشهدُ بأن المعنيين في القاهرة ورفح تعاطوا معي، على مدى أسبوعين بمنتهى اللين والأخلاق، لكن على ما يبدو أن هناك قراراً أعلى منهم هو الذي منعهم، وفي اليوم الثاني من منعي قررتُ أن أدخل بأي طريقة كانت سواء من مصر أو من خارجها، وطبعاً كان صعباً علي أن أدخل من مصر حتى لو بطريقة غير مألوفة، ولكني في نهاية الأمر غادرتُها ودخلتُ غزة".
ثأرتُ لنفسي منهم!
بن جدو رفض تأكيد دخوله غزة عبر "نفق"، مؤكداً أن للصحفي أساليبه الخاصة، وخياراته المتعددة، واصفا مشاعره عندما وطأت قدمه غزة "بابتسامة حنين" لم يُخفها صوته وهو يقول:"عندما وصلت كنتُ مصاباً بنوع من الذهول الايجابي والجذاب، حتى أن المصور كان يصورني دون أن أكون منتبهاً، كان طبيعياً أن أقبل تراب غزة، فهذه المرة الأولى التي أدخل فيها إلى فلسطين، نحن هنا في لبنان على بعد أمتار قليلة من فلسطين، ولكن توجد أسلاك شائكة مُكهربة، يحيطها الجنود الاسرائيليين، لذا لم نستطع أن نلمسها، وأذكر أن أول مرةٍ شاهدت فيها أرض فلسطين عندما كنتُ في الأردن قبل عشرين سنة، وقتها كانت لحظة تاريخية بالنسبة لي، ولكن أن أدخل أرض فلسطين وعبر غزة فهذا أمر جلل، هل يعقل أن أدخلها ولا أقبّل ذلك التراب، هي عملية وجدانية طبيعية حدثت بشكل عفوي، وظني أنها ثأر لنفسي من (اسرائيل)، ومن كل من أراد أن يحاصرنا ويمنعنا، ولكنها في الوقت ذاته إجلال لهذا الشعب، لأني لا أدخلها في وقت رخاء بل بعد عدوان اسرائيلي همجي".
وأضاف :"لقد شاهدتُ ما استطعتُ من الناس، ولكن كانت من أكثر اللحظات إيلاماً عندي أني كنتُ متخفياً، هل تصدّقين بأنني بين ناس غزة الصامدين الشامخين لكني كنتُ اخفي وجهي؟!، حتى لا يلحظني أحد، لأني دخلتُ خفية وكنت مصّراً على الخروج خفية، كان أكثر وقتي في "البيّارات"، وتمشيتُ في بعض المناطق، شاهدتُ الناس في الليل والنهار وفي الصلاة".
بن جدو عبر عن أسفه البالغ بأن يزور مستشفى الشفاء "المشهور"وهو متخفٍ، متابعاً:"تصوري أن أذهب إلى هناك ولا أستطيع التحدث مع أحد، مجرد أن اكتفي بالتفرج، كنت أود الحديث مع الأطباء والمرضى، عزّ علي كثيراً أن اذهب لغزة وألا أعانق زملائي الأعزاء في قناة الجزيرة الذين كانوا فرساناً رائعين، حيث لم يعلم أحدُ منهم على الإطلاق بدخولي أو خروجي، ربما علموا بعد أيام من مغادرتي عندما أعلنت القناة عن البرنامج، وذلك لأن ضرورة الكتمان كانت تقتضي هذه السرية"، حيث اصطحبتُ معي في رحلتي اثنين من الطاقم، وثلاثتنا يجيدُ السباحة!!!".