جارنا أبو مخلص الفقير سابقاً

أبو مخلص جارنا موظف فقير في إحدى الدوائر الحكومية. لا أعرف هل هو في الجمارك أم المالية أم في المصالح العقارية أم في شركة الكهرباء أم في مديرية النقل .. الخ المهم موظف في أحدهم. وكان يسكن معنا في حي شعبي من مدينة دمشق وبيته بالإيجار. ‏


وأبو مخلص وعائلته له فضل كبير على الجيران في إيقاظهم صباحاً عوضاً عن الساعة المنبه لأن أصواتهم وصراخهم كان يعلو في كل الحي من أجل التفاهم مع عائلته بتأمين وجبة الغداء قبل ذهابه إلى عمله. ‏

كان ينتظرني في الشارع كل صباح أمام سيارتي حتى يركب معي من أجل توصيله إلى مكان عمله. ‏

وعند المساء من كل يوم كان يجلس أمام باب الدار ويجمع آهل الحارة و الجيران من اجل شرب المتة معه ويلقي علينا محاضرته التي يتكلم فيها عن الصدق والأمانة والإخلاص ومحاربة الفساد والرشوة وعن المثاليات بالإخلاص وحب الوطن.. وشعارات ملتهبة بالوطنية والثورية .... الخ. ‏

وفي يوم من الأيام اختفى هو وعائلته من حارتنا تاركاً عفشه القديم المتواضع إضافة إلى كرسيه القش الثابت أمام منزله .‏

ومن واجب الجيران وحق الجيرة أن نسأل ونبحث عن جارنا أبو مخلص إلى أين ذهب وفي أي مكان هو وعائلته لأن بيننا وبينه خبزاً وملحاً ومودة ووطنية خاصة عندما كنا نستمع لحديثه الشيق ومحاضراته القيمة. ‏

وبعد جهد وتعب ونحن نبحث عن جارنا وجدناه في إحدى القصور المبعثرة في بلادنا ويملك أضخم الشركات الخاصة لقد أصبح رجلاً يحسب له ألف حساب ويتصدر المجالس ويتحدث بطلاقة وله سياراته الخاصة ومزارعه التي تصل مساحاتها إلى عشرات الدونمات بما فيها من المسابح وأعظم أشكال الرفاهية التي يحلم بها كل منا في هذه الدنيا .سألني احد الجيران الجدد . من هو أبو مخلص وماذا كان يعمل ..؟ .

إنه جارنا القديم كان يعمل موظف جمارك سابقاً ؛ ويعمل الآن بعد افتضاح أمره في التجارة والمقاولات وأعمال حرة متجاوز الخطوط ..!! بعد ذلك

حدثني صديق بالأمس عن عامل عادي يعمل في إحدى الشركات الحكومية على خط اسمنت , مراقب خط .! ..واليوم يعمل بالمليارات ؛ وهو قريب لمسؤول !! وكذالك يعرف أربعة من كبار المتعهدين في إحدى المحافظات ؛ كانوا قبل سنوات مديرين عامين لمؤسسات قطاع عام ! .. اليوم يتحدثون .. ويتعاملون بمئات الملايين .

مع ذلك عندما نتكلم ونكتب عن الفساد والسرقات يتهموننا بتضخيم الأمور ويطالبوننا بأدلة ووثائق !! إذاً من هم هؤلاء الذين تحدثنا عنهم ؟ ! هم جزء وعينة من العشرات والمئات في بلادنا .

لذلك نرجو عدم مطالبتنا بإعطائكم أسماء الفاسدين ؛ أو وثائق عنهم ؛ فهم بيننا وبينكم يسرحون ويمرحون .. ومعكم يعملون كمتعهدين ؛ وتجار وصاروا أصحاب مؤسسات ورجال أعمال .! ومنهم من يزحف على القطاع العام من اجل يشتريه لأنه له الفضل الكبير في خسارته وسرقته ..!!

فقط اسألوهم كيف كانوا .؟! وكيف أصبحوا.؟! وستكتشفون فسادهم ..

اسألوهم ماذا كانوا يعملون ؟.. وماذا يعملون اليوم؟!! وستعرفون أنهم فاسدون !! وبالتالي ليس من الصعب كشف الفاسدين !! هم يدلون على أنفسهم .. ولا داعي لسؤالهم .

عن بعض موظفينا وتغيير أحوالهم ما قبل وما بعد، توليهم مقاليد الوظائف التي فيها أبواب للهبش والرشوة ومخالفة القانون والأنظمة وبغض النظر عن الأسباب التي غيرت أحوال هؤلاء الناس لأنها باتت معروفة