لماذا العميل دائماً على

مضى عام كامل منذ أن قام الرجل مُتوسِّط التعليم بافتتاح محَلّه لبيع الأحذية، في أكبر "مول" في المدينة. ولكن بعد مُضِيّ عام كامل لم يحقِّق المحل الأكبر من نوعه أرباحاً تُذكَر، ولم يشهد أيّ إقبال مُقارَنة بالمحلات المجاوِرة، على الرغم من صِغَرها وقِلّة إمكانياتها، إذا ما قِيستْ بمحَلّه الفَخْم الذي أنفق على ديكوراته الكثير.

وحاول الرجُل جاهداً أن يجد تفسيراً للنجاح الذي يحقِّقه منافسوه الأصغر منه دون جدوى، وفي جلسة مع أحد أصدقائه المثقَّفين، وكان رجلاً معروفاً بثقافته وسَعة اطِّلاعه، شكا له من هذا الوضع، فقال له صاحبه:

"إن لُغة البيْع والشِّراء في عالم اليوم قد تغيَّرتْ، وأصبحتْ معظم المحلات والشركات تُركِّز على خِدْمة المتعاملين، والتي تبدأ من حُسْن المعاملة وصولاً إلى (خِدْمة ما بعد البيْع) التي تُقدِّمها شركات السيارات مَثلاً؛ لذلك عليك أن تُركِّز على هذا المبدأ، إنْ كنتَ ترغب في النجاح وجَذْب العديد من المتعاملين، أقصد الزبائن".

إلى هنا انتهى الصديق من كلامه، وكأنّ الرجُل لم يسمع منه سوى عِبارة "خِدْمة ما بعد البيْع"، مع أن الكلام كان واضحاً وليس "كلام مُثقَّفين" مُعقَّداً أو غير مفهوم، كما هو حال "القضايا المصيرية" التي يتحدَّث فيها الصديق دائماً.. ولكن ألم تصبح مسألة "ما بعد البيْع" هذه "قضية مصيرية" بالنسبة إليه؟!

لم يَعُد الرجل إلى بيته مُباشَرة، وإنما عَرَّج إلى المكتبة المجاورة، واشترى (لأَوّل مَرّة في حياته منذُ ترك مقاعد الدَّرْس) كتاباً بعنوان "لماذا العميل دائماً على حَقّ؟".

وعاد بالكتاب إلى البيت ليقرأه على مَهَل، لكنه بعد فترة لم يجِد في نفسه -كما توقَّع- صبراً على القراءة، فنادى لابنه الطالب الجامعيّ ليقرأ له، وفي الوقت نفسه قد يفهم -وهو الجامعيّ- ما يستغِلق على أبيه.

قرأ الابن من الكتاب الذي كان لسوء الحظِّ مُترجَماً: "إنّ خدمات ما بعد البيْع هي خدمات يُقدِّمها الوكيل أو الشركة الأمّ، وفائدتها الرُّقِيّ بخدمات ما بعد البيْع، حتى يكون العميل أو المستهلك للسلعة راضياً أتمّ الرِّضا".

إلى هنا كان الكلام مفهوماً، لكن الابن تابع القراءة: "عليك أن تختار ثلاث (استراتيجيات):

الأولى: استراتيجية التوسُّع في السوق الحاليّ، وتعني زيادة الطلب الإجماليّ في السوق الكُلّية، ويكون ذلك من خلال تبنِّي ثلاث استراتيجيات فَرْعية..".

فقاطعه الأب: "قل لي، ما معنى (تستراجيات) هذه"؟

هزَّ الابن -وهو الجامعيّ- رأسه دلالة على الحيرة، غير أنه لم يشأ أن يُحمِّل نفسه وحده مسؤولية حَيْرته، فقال لأبيه: "نحن لم (نأخذها) في الجامعة، ولكنها تعني كما سمعتُها في نشرة الأخبار.. الرَّدْع الصاروخيّ"!

قال الأب بسرعة: "إذاً سأكتفي (بتستراجية) واحدة وأردع الجميع"!

وفي اليوم التالي علّق على محَلّه لافتة كبيرة تقول: (اشترِ حِذاءً واستمتِعْ بخِدْمة مَسْحه بعد البيع لمدة 3 شهور وأنت في منزلك)، وقام الرجل بتعيين ثلاثة من ماسحي الأحذية، تكون مُهِمّتهم المرور على منازل الزبائن -يقصِد المتعاملين- ومَسْح أحذِيَتهم.

وبعد مُضِيّ سِتّة أشهر تحوَّل الرجل من أكبر تاجر أحذية إلى أكبر ماسح أحذية في المدينة، فالزبون الذي اشترى حذاء لم يَعُدْ ليشتري غيره، طالما أن الحذاء يجد العناية الكافية، لذلك استمَرّ الرجل في هذا المشروع، ومن أجل زيادة أرباحه علّق لافتة أخرى تقول: (امسَحْ حِذاءك لمدة 3 شهور، واربحْ حِذاءً هَدِية)!

ولكن بعد انقضاء 6 شهور نَفِدتْ جميع الأحذية في المحَلّ، ولم تغَطّ أرباح مَسْح الأحذية التكاليف، فراح الرجل يمزِّق الكتاب إِرْباً، مُؤكِّداً أن "الزبون" دائماً على باطل، ثمّ أعلن إغلاق محَلّه لمدة أسبوع، وكَتَب عليه لافتة كبيرة تقول: (مِن فضلك اشرَحْ لي مَبْدأ خِدْمة ما بعد البيْع، وشارِكْني في المحَلّ)!

العجيب أن هذه السياسة تنهجها معضم الدول العربية مع العلم أنها تعلم مسبقا بأنها ستقضي على مقدرات دولها و تتبع سياسات خارجية قصد مسايرة التطور و الإنفتاح على الصوق العالمية و لكن دون فائدة دولنا غنية لذلك ينهبون و يسرقون بحجة الصوق العالمية و الإقتصاد العالمي و لم تنفذ خزائنها ...ياللعجب
شكرا لك قصة تعبر عن حال العام و الخاص في مجتمعنا و السبب هو الفهم و ليس التقليد

» الحمار العميل......
» لماذا يا علي صالح - لماذا يا معمر
» لماذا طرد الجار ابن جاره ...
» لماذا نقول بسم الله
» لماذا فقد المعلم احترامه؟؟