شعور بالدونية
حدث ذات مرة أن كانت هناك امرأة تبلغ الثلاثين من العمر تقريبا، متزوجة وأم لطفلين. ومثل أشخاص كثيرين نشأت في منز يوجِّهُ لها من فيه الانتقاد الدائم وغالبا ما تُعامل بقسوة من قبل والديها. ونتيجة لذلك، ترسخت لديها مشاعر عميقة من الدونية وعدم تقدير الذات. كانت تتسم بالسلبية والإحساس بالخوف وانعدام الثقة بالنفس، خجولة تتوارى عن أعين الاهتمام، ولا تعد نفسها تتحلى بقيمة خاصة أو جدارة ما. شعرت بأنها في الحقيقة تفتقر إلى أية موهبة.
الحادث
وذات مرة وبينما كانت تقود سيارتها في الطريق إلى المتجر عبرت سيارة أخرى الإشارة الحمراء واصطدمت بها اصطداما عنيفا.عندما استيقظت وجدت نفسها في المستشفى مصابة بارتجاج طفيف في المخ وفقدان كامل للذاكرة. كانت لا تزال قادرة على التحدث،ولكنها نسيت تفاصيل حياتها الماضية. لقد فقدت ذاكرتها تماما.
في البداية، اعتقد الأطباء أنه سيكون وضعا مؤقتا، لكن الأسابيع مرت دون أن تسترجع ذاكرتها ولو بشكل جزئي. زارها زوجها وأطفالها يوميا، لكنها لم تتعرف عليهم. كانت الحالة نادرة تماما حتى أن أطباء واختصاصيين آخرين أتوا لمعاينتها كذلك، لفحصها وطرح الأسئلة عليها بشأن حالتها.
البداية الجديدة
عادت إلى منزلها في نهاية المطاف وذاكرتها خالية تماما من أي أمر، تماما كصفحة بيضاء. ولكنها وبرغم ذلك عقدت العزم على فهم ما حدث لها، فأخذت تقرأ الكتب الطبية وتدرس جانب التخصص في فقدان الذاكرة بأنواعه. التقت بمختصين في هذا المجال وتحدثت إليهم،ثم وضعت في النهاية ورقة بحثية عن حالتها. ولم يمضِ وقت طويل، حتى دُعِيت للتحدث في مؤتمر طبي لكي تعرض بحثها، ولتجيب عنا لتساؤلاتا لخاصة بحالة فقدانا لذاكرةا لخاصة بها، وتتقاسم معا لآخرين خبراتها وأفكارها حول علم وظائفا لأعصاب.
خلال هذه الفترة حدث أمر مدهش. لقد صارت شخصا جديدا تماما. كل ذلك الاهتمام الذي حظيت به في المستشفى وفيما تلا ذلك جعلها تشعر بقيمتها وأهميتها، وبأنها محبوبة حقا من عائلتها. ثم جاء الاهتمام والترحيب الذي استقبلها به الأطباء المتخصصون الشيء الذي مدها بقدر كبير من تقدير الذات واحترامها. أصبحت إيجابية بشكل فريد، ذات ثقة بنفسها، ولطيفة المعشر،وفصيحة اللسان، ومثقفة، وكثيرا ما تُطْلَبُ كمتحدثة وحجة في الحقل الطبي.
لقد انمحت كل ذكريات طفولتها السلبية، كما اختفى كذلك شعورها بالدونية. لقد صارت شخصا جديدا، فغيرت طريقة تفكيرها وغيرت حياتها.