إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } القمر49
صَدَقَ اللّهُ الْعَظِيمْ
بدأت القصة قبل سنوات .. عندما دخل طلبة كلية الطب المختبر أو " المشرحة ".. وأمسك الأستاذ بـ " جمجمة " إنسان وبدأ يشرح لنا..
وطرح سؤلاً : ماذا يوجد ورائها.. وبداخلها !؟
وأجاب بعض الطلبة متسائلين : ما وراء عظام الجمجمة أو بداخلها ، الا المخ.. !
فقام الأستاذ بفتح الجمجمة.. وأرآهم شئ من أعظم ما خلق الله في الإنسان.. وما يعرف أحد عن هذا الشئ الا قليل من الناس.. !
الجمجمة البشرية " مغلّفة " بغلافين.. أحدهما داخلي يحيط بالجمجمة مباشرة من دون اي حاجز..
هذا الغلاف اسمه العلمي : الأم الحنون Pia mater .. لا تستغربوا من الإسم.. هذا فعلا هو أسم هذا الغشاء العلمي.. المعترف به في علم التشريح
- إذن لماذا سمّوها الأم الحنون..؟
سمّوها بهذا الإسم لأنها تحيط بالمخ بشكل كامل.. مثلما يحيط الرحم بالجنين.. ولأنها غنية بالأوعية الدموية التي تغذي المخ بكل ما يحتاجه.. "
أم بالفعل حنون " !
فوق الأم الحنون.. بينها وبين الجمجمة.. يوجد غشاء أو غلاف آخر.. أسمه :
الأم الجافية.. - لماذا سمّوها بهذا الإسم (الأم الجافية Dura mater).. ؟
لأنها لا تحتوي على أي أوعية دموية تغذي المخ.. !
و أصلاً لو ترونها.. كأنها ورق سيلوفان أبيض.. لا يوجد فيها أي شريان أو وريد دموي.. يابسة.. !
ولهذا السبب سموها بـ (الأم الجافية) .. !
و أخبر الأستاذ تلاميذه عن نزيف المخ وطريقته.. ومن خلال النقاش اتضح شيئاً لم يتضح منذ سنين طويلة ماضية.. !
قال الأستاذ : " أنه لا يوجد شيء يحمي المخ من النزيف والضربات مثل " الأم الجافية ".. لأنها صلبة نوعا ما.. وتحيط بالمخ بشكل كامل وتثبته في مكانه لا يدور على نفسه ولا يتحرك.. ! "
وأضاف : " لولا الله ثم (الأم الجافية).. كان مجرد ضربة بسيطة على الرأس.. أو فلقة حصاة.. لكانت كفيلة بإحداث نزيف حاد في المخ قد ينتهي بالوفاة الفورية.. "
و بدا على الطلبة الدهشة والإستغراب مما عرفوه من معلومات كانت خافية عليهم ، وصاروا يحمدون الله على هذه النعم العظيمة .
بينما أحدهم أخذ يفكر بينه وبين نفسه.. ويقول: ياسبحان الله ويسمّونك الأم الجافية.. !
و كيف الجافية و أنتِ تقدمين للمخ هذه الخدمة الجليلة.... !
وأخذه التفكير بعيدا جداً..
فكر بـ " تطبيق واقعي " لمسألة الأم الجافية و الأم الحنون.. لاحظ ان الأم الجافية لا تقتصر على هذه الأم التي تحيط بالمخ.. الأم الجافية في كل مكان.. !
فلو تلفّتنا في صعيد حياتنا .. لسوف نجد الأم الجافية موجودة .. و الأم الحنون موجودة ايضاً.. تلفّتوا.. وسوف تجدون " أمكم الحنون "
ذاك الشخص الذي يحوز على كل المدح والثناء والتقدير والتمجيد.. على حساب غيره.. وتلفّتوا أيضاً.. و سوف تجدون " أمكم الجافية "
ذاك الشخص الذي لا نعطيه قدره وحقه من الحب والتقدير والإحترام.. يمكن لأنه لا يستطيع أن يُعبر عن حبه لنا بطريقتنا.. لكن افعاله تثبت ان محبته لنا تفوق الحدود.. !
لكن من الذي يُفكر ويُقدّر.. ؟