فالذي يجري الآن لقاءات واجتماعات و مؤتمرات و زيارات و خطب و مهرجانات ومفاوضات و ضربات صواريخ و ضربات جوية و إطلاق أقمار صناعية .....
أحداث متلاحقة يعجز المحلل السياسي فضلا عن الفرد ملاحقتها و سبر أغوارها ومعرفة ما وراءها و مضامينها .....و منها تصريحات خالد مشعل حول دور منظمة التحرير الفلسطينية و زيارة خالد مشعل لطهران و مؤتمر أبو ظبي و قبله مباشرة لقاء القاهرة حيث تم استدعاء محمود عباس على عجل إلى القاهرة و منها إطلاق القمر الصناعي الإيراني و قبلها و أثناءها تواصل إطلاق الصواريخ الفلسطينية و في نفس الوقت تواصل رد الفعل الإسرائيلي من القصف واستهداف المقاومة و من هذه الأحداث أيضا إغلاق معبر رفح من قبل الجانب المصري و قبلها إطلاق التحذيرات من ضربة متوقعة لإسرائيل و ليس آخرها وقيف قيادات حماس عند معبر رفح و مصادرة الأموال التي بحوزتهم .
و الذي يفسر هذه الأحداث و يحاول الربط بينها لابد له من إدراك أن المنطقة يدور فيها الآن صراع بين ثلاث إستراتيجيات: الأولى هي إستراتيجية المحور الصهيوني بشقيه الأمريكي و الإسرائيلي و المحور الثاني هو المحور الشيعي بشقيه الإيراني و السوري و المحور الثالث هو المحور العربي بقطبيه السعودي و المصري و لكل الإستراتيجية من الإستراتيجيات الثلاث أو محور من المحاور خصائصه و أدواته و أوراقه .
و ما جرى في الأيام القليلة الماضية هو جزء من الصراع المحتدم بين هذه المحاور و محاولة الاستحواذ على أكبر قدر من الأوراق التفاوضية فالمفاوضات التي تجري في القاهرة هي المرحلة الخطر من الحرب على غزة و التي جرت فصولها أكثر من عشرين يوما و لكن هذه المرحلة من الحرب أي المفاوضات هي الأخطر لأن على ضوءها سيتم تحديد الفائز من الخاسر في هذه المعركة العسكرية فهي مرحلة جني الثمار و التي يسعى كل محور و من وراءه لتجميع الأوراق و إثبات القدرات ليحسن موقعه التفاوضي و من ثم يكون أكثر قدرة على فرض مطالبه و تحقيق شروطه كلها أو بعض منها أو حسب ما يستطيع أن يأخذ .
و لنلاحظ أن المحادثات الماراثونية التي تجري في القاهرة حيث مكان المعركة الفاصلة و التي تشارك فيها إسرائيل بغير مباشر عن طريق عاموس جلعاد رئيس الهيئة السياسية والأمنية بوزارة الدفاع الإسرائيلية الذي يتوافد بصورة دورية خلال الأيام الماضية و يجري المباحثات مع الجانب المصري الذي أخذ على عاتقه تجميع الأوراق لديه بكل صورة ممكنة خاصة ما يتعلق بالحرب في غزة و المفاوضات الدائرة حول أفق الحل السياسي فهو يظن أنه بهذه الطريقة يستطيع سحب البساط من المحور الإيراني السوري و تتوقف المفاوضات الآن حول إسرائيل من جهة و الفصائل الفلسطينية المقاومة و على رأسها حماس من جهة أخرى و مدى توافر شروط جهة لقبولهما بالتهدئة فإسرائيل تشترط توقف صواريخ المقاومة التي تنطلق على ما تطلق عليه جنوب إسرائيل و إطلاق سراح الأسير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بينما تصر حماس على ربط التهدئة بفتح المعابر و ربط إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي بتحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية و تتواصل الجهود المصرية المضنية للضغط على الطرفين و خاصة الطرف الأضعف في اعتقاد القيادة المصرية و هي الفصائل الفلسطينية و حتى هذه اللحظة وصل طريق المفاوضات إلى حالة أن المقاومة الفلسطينية عل ما يبدو قد وافقت على فتح جزئي للمعابر بنسبة خمسة و سبعين في المائة و بقي تحديد المواد التي لن تدخل و هل من ضمنها الحديد و الأسمنت و الذي تقول إسرائيل أن حماس ستستخدمه لبناء الأنفاق و قواعدها في غزة بينما ترى حماس أن هذه المواد هي مواد ضرورية كالغذاء بالضبط لبناء المنازل و الأبنية المتضررة من الحرب على غزة كما يختلف الفريقان على فترة التهدئة و يبدو أن ذا الأمر قد حسم حيث أبدت حماس موافقة ضمنية على مدة لمدة عام و نصف بينما كانت إسرائيل تصر على هدنة طويلة كذلك حققت حماس انجازا بتأجيل موضوع شاليط و ربطه بالأسرى الفلسطينيين و لكن يبقى المشكل الأخير و هو يتعلق بضمانات تطلبها حماس من أجل التزام إسرائيل بالتهدئة و هو ما سيقدمه عاموس جلعاد في زيارته يوم الجمعة للقاهرة و بناء عليه سوف يعود الوفد الحماسي يوم السبت للقاهرة للإطلاع على الرد الإسرائيلي على الضمانات المطلوبة لاستمرار التهدئة .مع العلم أن فتح المعابر الكامل يشترط فيه بالإضافة إلى إطلاق سراح شاليط إشراف سلطة عباس على هذه المعابر من الجانب الفلسطيني و هذا لا تأتي إلى عبر المصالحة داخل الفلسطينيين و بالذات بين حماس و فتح .
و يبدو أن كل محور سواء الإيراني أو العربي يحاول تجميع أوراقه لممارسة الضغط في مفاوضات القاهرة و هذا ما حصل في الأيام الماضية .
فالنظام المصري وضع عدة إستراتيجيات في هذا الصعيد بعد الربط الدعائي بين حماس و بين المشروع الإيراني في المنطقة و القيادة المصرية تدرك جيدا أن التجاء حماس إلى هذا المشروع أنما أوجده تخلي العرب المعتدلين عنها و التعامل معها باستعلاء .
فهذه الإستراتيجيات المصرية تهدف إلى تصعيد الضغط على حماس و تليين موقفها من التهدئة و قطع الطريق على استثمار نتائج الحرب في غزة و من هذه الإستراتيجيات :
تجميع أكبر عدد من الدول العربية التي تؤمن بهذا الخط ممن لديهم قناعة بخطورة المشروع الإيراني على المنطقة و هذا ما لاحظناه في اللقاء الذي جرى في القاهرة بين وزير الخارجية السعودي و محمود عباس و الرئيس المصري حيث جرى استدعاء مفاجئ لمحمود عباس أثناء جولة له في أوروبا ثم سافر الثلاثي المصري و السعودي و الفلسطيني إلى أبو ظبي حيث تداعى محور الاعتدال العربي في الإمارات و قد تم اختيار أبي ظبي لتوجيه الرسالة إلى من يعنيهم الأمر أن هذا الاجتماع موجه ضد إيران و مشروعها في المنطقة حيث أقدمت طهران مؤخرا على افتتاح مكتب تمثيلي للجمارك الإيرانية في جزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة إمعانا في رفضها إعادة الجزر للإمارات ورفض التحكيم الدولي بشأن ملكية الجزر. فكان الاتفاق على أن يجتمع الوزراء في الإمارات لتوجيه الرسالة إلى مقصدها الفعلي أي طهران بشأن ضرورة وقف تدخلها في الشؤون العربية وإبداء الدعم للإمارات في نزاعها مع طهران و لكن المقصد الأساسي كان هو المفاوضات في القاهرة و خاصة أن هذا المؤتمر جاء في أثناء زيارة مشعل لطهران حيث أراد مشعل على ما يبدو إيصال رسالة إلى القاهرة أن حماس ليست وحيدة أثناء مفاوضات حماس في القاهرة و التي تمارس فيها القيادة المصرية ضغوطا شديدة على حماس للقبول بالشروط الإسرائيلية .
ثاني هذه الأدوار التي تمارسها القيادة المصرية هو إطلاق الشائعات بقرب وقوع ضربة إسرائيلية شاملة على غرار الحرب الأولى و هذا يمثل ضغطا كبيرا على شعب غزة و من ثم ضغطا جديدا على حماس و من هذه الأدوار المصرية استخدام ورقة معبر رفح و إغلاقه و الحيلولة دون وصول المساعدات إلى غزة و اعتقال كل من تسول له نفسه بالمرور و التضييق على الأنفاق و آخر مسلسل التضييق هو تفتيش قيادات حماس بعد اشتراكها في جولة المفاوضات الأخيرة في القاهرة و مصادرة الأموال التي معهم و التي كانت موجهة كمساعدات إلى الفلسطينيين المتضررين في الحرب الأخيرة .
ويلاحظ أن هذه الأدوار إنما تجري بصورة متبادلة و كأنها معركة حربية فاجتماع أطراف في محور يرد عليه باجتماع أطراف المحور الآخر و خطاب هنا يرد عليه بخطاب هناك و تصرف من طرف يرد عليه بفعل مضاد من الطرف الثاني و هكذا ليتبلور في خلال الأيام القليلة الماضية النتائج من هذه الجولة في الصراع بين المحورين و الذي ستكشف عنه نتائج المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و حماس .