الأساس الروحي للحركة
لعل أهم أسس حركة فتح الله لمن يريد أن يفهمها هو الأساس الروحي الإيماني والأخلاقي، والذي يضرب بجذور أفكاره إلى قرون ما يعرف بالتراث الصوفي الأناضولي، ممثلا في مولانا جلال الدين الرومي وغيره من أئمة السالكين، والذي تجسد حيا في القيادة الروحية لفتح الله جولن وكتاباته المستفيضة في هذا الباب، والتي هي روح تسري في كتاباته، وفي تلاميذه وفي مؤسساتهم التي أنشئوها، وفي روح دعوتهم وحركتهم في العالم، ولعل هذا هو السر البسيط والصعب في آن واحد لكل ما حققته الحركة من إنجازات، فتلك الروح التي تسري فيهم هي الوقود الدائم المتجدد الذي يمدهم بالطاقة للبذل والعطاء، سواء أكان البذل والعطاء ماديا؛ بالمال أو بالجهد والوقت، أو معنويا بطاقة الحب لله والحب لجميع خلق الله، والشوق لعالم يملؤه الإيمان بالله والحب والسلام بين البشر على اختلاف أعراقهم وطبقاتهم وأوطانهم وأديانهم.
بكل هذه الطاقة من الإيمان والحب والتسامح والفناء في خدمة الحق وخدمة الخلق تسير الحركة يحدوها الإيمان بأن الإنسان لم يُخلَق من أجل هذه الدنيا، بل إن الدنيا خُلقَت من أجل الإنسان، وإنما خلق الإنسان من أجل خدمة الحق والخلق، وأن ما يؤتاه في هذه الدنيا إنما هو متاع يبلغ به مبتغاه في الدنيا والآخرة.
التعليم وبناء الروح.. على هذا الأساس الروحي المتين انطلقت الحركة لتشيد مؤسساتها التعليمية التي قاربت الـ600 على مستوى العالم، والتي قدمت من خلالها رؤيتها الخاصة في الإجابة على الأسئلة الخمسة الأساسية في صياغة العملية التعليمية:
- لماذا نتعلم؟
فحسب رؤية جولن الإنسان يتعلم حتى يلبي احتياجا طبيعيا لديه في الاكتمال والوصول إلى مصاف الإنسانية الحقيقية والوصول من ثم إلى الثبات والوضوح في التفكير والتخيل والمعتقد، وجعل المعرفة مرشدا في الحياة تضيء الطريق للإصلاح الإنساني.
- ماذا نتعلم؟
تركز مدارس الحركة على مكونين أساسيين لمحتوى التعليم، هما العلم والدين (الإيمان والأخلاق) في شكله المعاش، ومضمونه الإنساني القيمي العام، حيث إن "حياة المجتمع تعتمد على المثالية والأخلاق الحسنة، وكذلك على الوصول إلى المستوى المطلوب من التقدم العلمي والتكنولوجي".
- من الذي يتعلم؟
تنتشر المؤسسات التعليمية التي أنشأتها الحركة في ربوع تركيا وفي الكثير من بلدان العالم، مقدمة خدماتها التعليمية لطلابها من المسلمين وغير المسلمين على السواء، وكما عبر أحد الباحثين الأتراك: "تأثرا بأفكاره، أصبح تلامذة جولن نشطاء في المجال التعليمي، وفي الثمانينيات والتسعينيات تم تأسيس 150 مدرسة خاصة (داخل تركيا)، و150 مركزا (درسخانة) تعطي برامج -دراسية- إضافية. والآن توجد 250 مؤسسة تعليمية تأسست متأثرة بأفكار الحركة خارج تركيا في كل ربوع العالم تقريبا، وقد تركزت في بلدان البلقان والاتحاد السوفيتي السابق والخارجة من العهد الشيوعي".
- من الذي يعلم؟
حيث ركز جولن على أهمية ومحورية دور المعلم والمدرسة وخصائصهما الواجبة في كتاباته، حيث يقول: إن المعلم الحق هو ذلك الذي يبذر البذرة الطاهرة ويحافظ عليها، إن من واجبه أن يكون ممتلئا بكل ما هو جيد وصالح، وأن يقود ويرشد الطفل في حياته وفي وجه كل الأحداث. ويقول أيضا: المدرسة هي المكان الذي يمكن للإنسان فيه أن يتعلم كل شيء له علاقة بالحياة والآخرة، إنها يمكن أن تلقي الضوء على الأفكار والأحداث الحيوية، وتمكّن طلابها من فهم بيئتهم الطبيعية والإنسانية، وإن المدارس الجيدة التي تستحق هذا الاسم هي سرادقات للملائكة تنمي الإحساس بالفضيلة في تلاميذها وتقودهم ليحققوا نبل العقل والروح.
- كيف نعلم؟
لعل السؤال الذي يثور دائما حينما تذكر تجربة حركة فتح الله جولن التعليمية، وركائز الإيمان والأخلاق التي ترتكز عليها (إضافة إلى العلم) هو: كيف يمكن لتلك التجربة أن تنجح في توصيل المعاني التي تريد، في بلاد تتبع نهجا علمانيا متشددا يمنع من تعليم الدين في مدارسه؟
وقد نجحت تجربة جولن في الإجابة على ذلك السؤال الصعب، اقرأ له يقول: "إننا نقول بحق، إن الألسنة والكلمات ليست لديها شيء لتقوله في وجود الأفعال، فحينما تتكلم السلوكيات، فهل هناك حاجة للحديث".
أما عن العلم في مدارس الحركة والذي يلازم البناء الروحي من خلالها، فيقول عنها أحد الباحثين: "إن السمة الفريدة (في تلك المدارس) هي إذكاء روح التنافس المحمود فيما بينها، ففي كل عام يتم إعداد وتوزيع التقارير التي تقارن بين أداء طلاب مدارس الحركة العالية والمدارس الأخرى، حيث تسجل دائما الأولى نجاحات في امتحانات دخول الجامعات (...) وتشجع روح التنافس أيضا بتدريب وإرسال الطلاب إلى الأولمبياد الأكاديمية المختلفة المخصصة لطلاب المدارس العليا حول العالم، وغالبا ما يعود هؤلاء الطلاب بميداليات".