يا ليته بقي صامتاً!!
محمود الفطافطة
جاء في الحديث الشريف"العلماء ورثة الأنبياء". و"أن صلاح الأمة من صلاح علمائها". هذا الكلام النبوي ينطبق بالتأكيد على العلماء الصالحين الذين امتشقوا القلم والسيف معاً لمواجهة الظلم والطغيان لا على الذين تشربوا ماء الجبن،وتوطنت في قلوبهم رجس السلطان،وذابت ألسنتهم في مستنقع التخاذل،ورهنوا حياتهم لمدح ذميم نظير حفنة من دراهم أو قفزة نحو منصب لن يبقى لجالسه أو حتى لصانعه.وللأسف،فإن من يمثل هذا الصنف في عالمنا العربي والإسلامي هم كثر،وكان آخرهم المدعو مفتي عام السعودية أو ما يسمى برئيس هيئة كبار العلماء عبد العزيز آل الشيخ،الذي نعت فعاليات التضامن نصرة لشعب غزة الذي يحرق بفعل الأباتشي الصهيونية بأنها "أعمال غوغائية وضوضاء لا خير منها".
وكما يقول المثل العربي"سكت دهراً ونطق كفراً"،فإن هذا الشخص الذي أشاد بـ"حملة العاهل السعودي لإغاثة شعب غزة ـ وهذا أمر محمود ـ كان لزاماً عليه أن يثمن فعل هؤلاء الغاضبين لجرائم الدولة المارقة في غزة هاشم،وأن يدعو إلى توسيع مثل هذه الفعاليات وتجذير جذوتها لا أن يصفها بالغوغائية كما فعل ابن بلده المدعو الآخر صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى ،والذي وصف تظاهرات التأييد مع الفلسطينيين بأنها "استنكار غوغائي"، معتبرا أنها من "باب الفساد في الأرض حيث تشهد أعمال فوضى وتخريب".
وأتساءل هنا: لماذا لم يسرع مثل هؤلاء "الأشباه" من العلماء إلى إصدار فتوى تجيز دعم الفلسطينيين ومقاومتهم بكافة أشكال العون والمساعدة، وفي مقدمتها السلاح؟.ولماذا لم نرى هذا المفتي يدعو لخروج أبناء وطنه إلى الشوارع للاحتجاج والتنديد على مجزرة غزة؟.ولماذا لم يفتي المدعو آل الشيخ بتحريم إغلاق معبر رفح الذي بفعل إغلاقه تضاعفت نكبة أهل غزة،وتقاطرت عليهم كل أشكال الظلم والعذاب؟.هل فكر هذا المفتي بتلك الأسئلة وغيرها؟ أليس واجباً عليه أن يقول قولاً يناصر الحق وأهله والمقاومة وأبطالها لا أن يبوح بإضعاف الهمم ويضع نفسه في خانة المرجفين ودعاة العجز والتخاذل.
ومن مفارقات ما جاء في حديث هذا الشخص قوله:"حتى إذا لم تشهد المظاهرات أعمالاً تخريبية فهي تصد الناس عن ذكر الله".عجباً لهذا المستفتي.هل نسي أن كثيراً من العرب والمسلمين انصرفوا عن ذكر الله بسبب القنوات الإباحية الممولة من أمراء مملكته؟. وهل نسي أو تناسى هذا الرجل أن الخروج بالمظاهرات والتنديد بالمجرم والمتواطئين معه واجباً إسلاميا؟. فديننا الحنيف يطلب من كل إنسان فعل الخير على قدر ما يستطيع. فهذه الشعوب التي يرى آل الشيخ في غضبتها بأنها غوغائية تمثل مدماكاً يرتكز عليه المقاومين في غزة وغيرهم من أحرار العالم.هذه التظاهرات المدانة من قبل هذا الشخص وغيره ممن يسمون أنفسهم علماء لم تكن سهامها صوب المجرم الإسرائيلي فحسب،بل،كذلك، نحو الزعماء العرب الذين تخاذلوا عن نصرة أهل غزة،ولم يستطيعوا حتى عقد قمة ،ربما، ساهم إبرامها في رتق شيئاً من عجز وتواطؤ عدد من هؤلاء القادة .
نقول لمثل هذا المستفتي ولغيره من نظرائه أن ما يقذفه من نعوت مسمومة في جسم الغضب على إبادة غزة سترتد إليه. إن ديننا الإسلامي السمح،الواضح القواعد،والظاهر بتمام النواهي والأوامر ليس بحاجةٍ إلى هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم حماة للدين ونصوصه وهو بريء منهم براءة الذئب من دم يوسف. المقاومة في غزة وفلسطين ستتواصل ...ومناصرتها في كافة مناطق العالم وأقطاره ستتضاعف ... وستبقى الكلمات النشاز محصورة في حيز ناطقيها،ولن تؤثر سلباً في عقول ووجدان من جعلوا أنفسهم رديفاً للمقاومة وأهلها في هذا الكوكب الذي وإن تهافتت عليه قطرات الظلم إلا أن غزارة الحق ستزيل المحتل وتزهق ذيوله.