ما أجمل إحسان الظن .. ما أريحه على قلب الواحد فينا .. به يسلم من أذى الخواطر المزعجة المقلقة .. التي تشقينا في حياتنا .. وتتعب أجسادنا .. وتؤذى نفوسنا ..
إحسان الظن الذي يؤدي إلى سلامة الصدر .. وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع .. لا سواد فى القلوب .. بل راحة وصفاء .. لا غل .. لا حقد .. لا حسد .. قال المصطفى صلى الله عليه وسلم :- ( إياكم والظن .. فإن الظن أكذب الحديث .. ولا تحسسوا ..ولا تجسسوا .. ولا تنافسوا .. ولا تحاسدوا .. ولا تباغضوا .. ولا تدابروا .. وكونوا عباد الله إخوانًا ... )
رواه مسلم .. وما أجمل ما نظمه الإمام الشافعي في ذلك :-
إقبل معاذيرَ منْ يأتيكَ معتذراً *** إن برَّ عندكَ فيما قالَ أوْ فجرا
لقدْ أطاعكَ منْ يرضيكَ ظاهرهُ *** وقدْ أجلكَ منْ يعصيكَ مستترا
من روائع إحسان الظن ..
دخل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ذات يوم السوق يريد أن يبتاع لنفسه شيئاً .. فوضع يده على رأسه كي يخرج الدراهم من عمامته فإذ بالدراهم قد سُرقـت .. نعم لقد امتدت يد سارق إلى عمامة ابن مسعود رضي الله عنه فسرقت دراهمه .. فلما رأى الناس ما حصل وهامهم هذا الأمر أن يحصل مع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذوا يدعون على السارق بقطع يده ويشتمونه .. فما كان من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلا أن وقف وقال :- اللهم إن كانت لمن أخذ الدراهم حاجة يريد قضاءها اللهم فاقض حاجته .. وإن لم تكن له بهذه الدراهم حاجة اللهم فاجعله آخر ذنب له ..
نملة تحسن الظن
وهذه نملة .. حشرة صغيرة .. لا تملك من القوة والعقل ما يمتلكه الإنسان .. انظر لحسن أدبها .. ورجاحة عقلها ..وحسن ظنها.. والتماسها العذر لما رأت نبي الله سليمان عليه السلام وجنوده .. قال الله سبحانه تعالى :- ( حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يَحطِمَنَّكُم سليمان و جنوده وهم لا يشعرون ) .. قالت : ( وهم لا يشعرون ) فقد التمست لبني الإنسان عذراً .. لتحطيمه لها .. لدقة حجمها .. واستحالة رؤيتها في حال انشغاله عنها بما هو أعظم .. بينما نرى بني البشر اليوم .. لا يلتمس لأخيه المسلم عذراً .. ويتسلط عليه بإساءة الظنون .. والتفتيش عن النوايا التي ما أُمر بها !
ما رأيك في هذه الصور ؟!
يعود الزوج إلى منزله منهكًا متعبًا قد أعيته متاعب الحياة ومتطلباتها ..فتقابله الزوجة بوجه شاحب عابس يشكو هموم الأولاد ومسؤوليات المنزل .. متذمرة من غياب زوجها الطويل عنهم .. ومن رغبات وطلبات كثيرة لم تحقق .. فلا يجد الزوج عندئذ بُدًّا من أمرين:- إما أن يصب عليها وابل همومه ومتاعبه في صورة غضب يهز كيانهما ويقضي على أنسهما لتنقلب حياتهما صحراء جرداء لا أنيس فيها ولا جليس .. ويعيش كلا الزوجين في أقصى نقطة من الخط منعزلاً عن صاحبه أيامًا بل شهورًا .. وربما أعوامًا .. لا يلتقيان بالود فيها أبدًا ! وإما أن يتمالك الزوج نفسه ويلتمس لها العذر وينسحب بكل هدوء إلى مخدعه مستسلمًا لنوم عميق .. وتبقى الزوجة تعاني الحسرة والهم والشعور بالتعاسة ! ..
هيا نتعلم إحسان الظن ..
الدعاء :- فإنه باب كل خير، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا.
إنزال النفس منزلة الغير:- فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه وضع نفسه مكانه لحمله ذلك على إحسان الظن بالآخرين .. وقد وجه الله عباده لهذا المعنى حين قال سبحانه:- ( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ) سورة النور:12 .
احمل الكلام على أحسنه :- هكذا كان دأب السلف رضي الله عنهم .. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :- ( لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا ، وأنت تجد لها في الخير محملاً ) ..
التمس العذر لغيرك :- فعند صدور قول أو فعل يسبب لك ضيقًا أو حزنًا حاول التماس الأعذار ، واستحضر حال الصالحين الذين كانوا يحسنون الظن ويلتمسون المعاذير حتى قالوا :- التمس لأخيك سبعين عذراً .. وقال ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا ، فإن لم تجد فقل :- لعل له عذرًا لا أعرفه.
إياك والحكم على النوايا :- وهذا من أعظم أسباب حسن الظن .. حيث يترك العبد السرائر إلى الذي يعلمها وحده سبحانه .. وسبحانه لم يأمرنا بشق الصدور ..
وفى الختام ..
إن إحسان الظن بالناس يحتاج إلى كثير من مجاهدة النفس لحملها على ذلك .. خاصة وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .. ولا يكل ولا يمل عن التفريق بين المؤمنين والتحريش بينهم .. وأعظم أسباب قطع الطريق على الشيطان هو إحسان الظن بالمسلمين.
رزقنا الله قلوبًا سليمة .. وأعاننا على إحسان الظن بإخواننا ..والحمد لله رب العالمين.