وقفت العجوز وتقطب جبينها الذي تصبب عرقًا وتنهدت من بأس وفي يأس. لم تجد إلا الأرض تفترشها رغم حرارة الشمس في هذه الآونة من ظهيرة يوم من أيام مكة الملتهبة.
وقالت كأنها تحاكي نفسها أو حتى تسمع من لايريد الالتفات إليها وقد زاد ما معها من حمل لاينوء بحمله إلا رجل شاب قوي الجسم والبنية تسبقه مروءته قبل صحته حتى يرأف بحال هذه العجوز المسكين.
قالت : يا حسرتى غابت المروءة عن رجال مكة ألم يعد من رجالها من يساعدني ؟؟!! ثم مر بها من استمع إلى قولها وحسرتها وشكواها فتوقف واقترب منها ثم سألها عم تشكو فقالت : زاد حملي يا بني وبيتي بعيد، وفي طرف من مكة ولا أقوى على حمله ودون انتظار أسرع الرجل الشاب الكريم الى تلبية طلب العجوز، فحمل عنها وبدا السير الى بيتها طويلا وشاقًا غير أنه لم يشكو ولم يتضجر حتى وصل إلى البيت وفي ردفـه العجوز.
فارتاحت نفسها واطمأنت بوصولها البيت. وعلى فورها شكرته وأحبت أن تجزل العطاء إليه غير أنه رفض، ومع دهشتها قالت : لاأجد يا بني إلا أن أنصحك وأنت تبدو كريمًا ذا مروءة ورجولة.
فوقف مستمعًا لقول العجوز والتي قالت :
ـ حذاري يا بني من رجل في مكة صبئ عن دين الأباء داعيًا إلى دين جديد. لا تسمع إليه ولا تتبعه.
قال الرجل : أو رأيته يا أم.
قالت العجوز: لا .. ولا أريد أن أراه .. لكني سمعت به.
قال الرجل : أنا ذاك الصابئ يا أم!!
وعقدت الدهشة لسان العجوز فنطقت في فرح قائلة:
والله ما يفعل ذلك الا نبي .. ونطقت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
كان الرجل الشاب الكريم ذو الرجولة والمروءة هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وصدق قول الله فيه:
" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "