إعداد: سناء ابراهيم
وغداً تأتلق الجنّة أنهاراً وظلاّ
وغداً ننسى، فلا نأسى على ماضٍ تولّى
وغداً نسمو فلا نعرف للغيب محلاّ
وغداً للحاضر الزاهر نحيا ليس إلاّ
عندما غنت أم كلثوم هذا المقطع أبدعت فيه وأعطتنا الأمل بأننا سننسى في لحظة من اللحظات ما اعترض حياتنا من ألمٍ وأسى، وسنطوي إلى الأبد صفحات من الصور السيئة التي التقطناها، وسنعيش للحاضر المفعم بالحياة والفرح فقط، لكن الحقيقة أن هذا المقطع كان مسكّناً، ما أن يمحي أوجاعنا وآلامنا حتى تطفو آلامنا على السطح شريطَ ذكرياتٍ اعتقدنا واهمين أنها باتت في عالم النسيان.
هي الذاكرة التي ما زالت تدهشنا وتحير العلماء بعملها وتركيبتها المعقدة، اكتشفنا القليل عنها وما زلنا نجهل الكثير، فحتى الآن لم يتوصل العلماء إلى معرفة سبب تذكرنا أشياء بعينها دون أخرى، لماذا نتذكر أحداث بتفاصيلها الدقيقة باللحظة والتاريخ والمكان والاسم والوجه والظروف، في حين نجهد باستدعاء أحداث أخرى لا تسعفنا ذاكرتنا باسترجاعها رغم حاجتنا الماسة لها.
إذاً ليكن هذا ممراً للعبور إلى دهاليز الذاكرة الإنسانية ومعرفة المزيد عنها، كيف نحسّنها وندرّبها؟ كيف نفرق بين ما هو واقع وهو خيال؟ هل تصبح ذاكرتنا انتقائية مع تقدم السن؟ هل هناك ذاكرة قوية وذاكرة ضعيفة، أم أن العيب فينا؟
ذاكرتنا مبعث رضانا وسخطنا
يشعر الإنسان بشيء من الرضا والسعادة لمجرد قدرته على التذكر، في حين يشعر بالاستياء وعدم السرور عندما يشعر بأن ذاكرته ضعفت أو أنها لم تعد تسعفه على الرغم من اعتقاده بحتمية امتلاكه المعلومة لكنه غير قادرٍ على تذكرها، وربما يعود ذلك إلى نوعية الأشياء التي نتذكرها، فغالباً ما نتذكر الأشياء التي نستمتع بها في حين ننسى الأشياء التي تضجرنا وتشعرنا بالملل، وهذا قد يفسر سبب تذكر طالب المدرسة نتائج مباراة رياضية بكرة القدم في حين يصعب عليه تذكر نتائج أو تواريخ مادة دراسية في منهاجه.
وفي هذا يمكن القول بأن تذكر المعلومات والأحداث لدينا يرتبط إلى حد ما بأقسام الذاكرة فيكون احتفاظنا بالمعلومة وقدرتنا على تذكرها مرتبط بمدى اهتمامنا وحاجتنا إليها، حيث يوجد تقسيم للذاكرة يقول بوجود ذاكرة نَشِطَة (عليا) تحوي المعلومات الحاضرة المهمة من وجهة نظر صاحبها والتي يرتكز عليها تعاملنا اليومي، يقابل ذلك وجود ذاكرة للمعلومات الخاملة أو المتروكة، وما بينهما ذاكرة متوسطة تحوي الأحداث والمعلومات التي تتكرر.
هل الذاكرة انتقائية؟
معظم الناس لا يعرف لماذا تمر لحظات السعادة بسرعة بينما تظل لحظات التعاسة قابعة بداخلنا، وقد يُعزى ذلك إلى أن مشاعر السعادة لا تختزن في عقولنا لكونها لا تتعلق بالمستقبل في حين تتراكم مشاعر الحزن بداخلنا ولا تغادرنا بسهولة وفي هذا قد يدعمنا قول الفيلسوف الألماني "جوته": "إن السم الذي لا يقتلني يزيدني قوة"، ربما يعطينا هذا القول نتيجة مفادها أن الذكريات السيئة والأحداث الحزينة تعطينا القوة وقد يكون تذكرها مفيداً في تعاملنا مع هموم الحياة.. وبناءً عليه يمكن القول بوجود ذاكرة انتقائية تظهر في الغالب لدى كبار السن في تذكرهم للذكريات الجميلة وعدم تذكر الذكريات السيئة كما يكون مزاجهم أكثر استقراراً وطباعهم أقل حدة ولديهم قدرة السيطرة على مشاعرهم الأمر الذي يعزّز دور الذاكرة في ذلك.
هل هناك ذاكرة ضعيفة أم العيب فينا؟
لا يمكن القول بوجود ذاكرة قوية وأخرى ضعيفة كما يظن بعضهم، إنما هناك أشخاص لا يدربون ذاكرتهم، فللوهلة الأولى يعتقد الإنسان أنه طوى صفحات من المعلومات والأحداث، لكنها عملياً اختزِنَت وما زالت موجودة في الذاكرة وما تحتاجه فقط هو استرجاع المعلومة عبر تذكرها وعلاقتها بالماضي والحاضر وظروفها المحيطة.
وهنا يمكن التفريق بين التذكر والخيال فأنت عندما تتذكر فهذا شيء حقيقي وواقع، فيما يقطع الخيال أي صلة له بالواقع الذي نعيشه، وأنت تصبح حراً في تخيّل ما تشاء من الأحداث والقصص وفي هذا يقول "كانط": "إذا تخيلت منزلاً ففي إمكاني أن أتمثل السقف في أسفله والأثاث في الهواء، لكن حين أتذكر منزلاً فأساسه دائماً أسفل وسقفه في الهواء" وهذا هو الفرق.
كيف نحّسن ذاكرتنا؟
ثمة خمس نصائح لتحسين الذاكرة:
تنظيم الأفكار:
إذا نظّمنا ما نعرفه بطريقة منطقية، وحصلنا على معلومات أوسع وأشمل حول الموضوع، ففي هذه الحالة نستطيع أن نفهم الموضوع ونستوعبه بشكل أفضل، ونضيف ذلك إلى معرفتنا بسهولة أكبر، لذلك كن أكيداً أن المعلومات واضحة في ذهنك، وإن لم تكن كذلك اسأل الأسئلة حتى تتمكن من الفهم.
استمعْ إلى موزارت:
يعتقد العديد من الخبراء بأن الاستماع إلى الموسيقا الكلاسيكية لاسيما "موزارت" يساعد الناس على تنظيم أفكارهم بشكل واضح وبالتالي تحسين ذاكرتهم وقدرتهم على التذكر.
ممارسة التمارين العقلية:
إذا لم تكن تريد أن تفقد ذاكرتك مع التقدم في السن، يمكنك ممارسة التمارين العقلية التي ينصح بها العلماء كالأحجيات والتمارين العقلية الرياضية وهذا يحافظ على ذاكرتك "رشيقة" تماماً كما تحافظ الرياضة البدنية على رشاقة جسدك، فالخيار لك إما تستخدمها أو تفقدها.
اشرب القهوة:
القهوة قد تكون جيدة لأنها تزيد من معدل ضربات القلب وترسل مزيداً من الأوكسجين إلى الدماغ.. كوبٌ من القهوة يساعدك في التركيز عندما تجلس وتحاول الدراسة، وإذا لم تكن تحب القهوة بإمكانك الاستعاضة بـ"العلكة" التي تحمل ذات التأثير والفائدة.
تناول الأشياء الصحّية:
يقول المثل القديم بأن تناول السمك يجعلك ذكياً نشيطاً، فقد اكتشف العلماء بأن الدهون الموجودة في السمك كالطون والسردين والسلمون والتي توجد كذلك في زيت الزيتون تساعد في تحسين الذاكرة