بعد رحلة طويلة من العمل الجاد توفي اليوم السبت 13-6-2009 الدكتور "فتحي يكن" رئيس جبهة العمل الإسلامي في لبنان عن 77 عاما، وأكدت جبهة العمل الإسلامي في بيان لها أن "يكن" توفي في مستشفي بالعاصمة بيروت بعد أزمة صحية ألمت به منذ بضعة أيام.وكانت الأنباء قد تضاربت بشأن وفاة "يكن" وذلك بعد دخوله في حالة "موت سريري"، إلا أن مصادر لبنانية أكدت نبأ وفاته وقالت "سوف يتم تشييع جثمانه في مدينة طرابلس بعد عصر غد الأحد.
اسمه "فتحي محمد عناية" أو فتحي يكن وقد ولد في التاسع من فبراير عام 1933، وكان من الرعيل الأول بين مؤسسي الحركة الإسلامية في لبنان، وكان أول مستشار "أمير" للجماعة الإسلامية في لبنان، وهو أحد أبرز رموز الحركة الإسلامية في لبنان وربما في العالم الإسلامي خلال العقود الخمس الأخيرة.
بدأ "يكن" حياته بدراسة الهندسة الكهربائية في بيروت، ثم ما لبث أن تحول إلى حقل الدراسات الإسلامية ليحصل على دكتوراه الشرف في الدراسات الإسلامية واللغة العربية، بعدها شق طريقه داخل صفوف الحركة الإسلامية، وقد تزوج يكن من د.منى حداد وهي من مؤسسي العمل النسائي الإسلامي في لبنان، وأسس معها "جامعة الجنان" اللبنانية، ولهما أربع بنات وذكر و19 حفيدا وحفيدة.
وعلى الرغم من أن "يكن" جمع بين الفكر والحركة فقد غلبت عنده النزعة الفكرية على العمل الحركي، خاصة بعد دراسته للغة العربية والدراسات الإسلامية، وتعد كتاباته في الدعوة والحركة من أهم ما شكل عقل ووعي الحركة الإسلامية في العقود الثلاثة الأخيرة، ليس في لبنان وحدها بل في معظم أنحاء العالم الإسلامي وخارجه أيضا، وساعد على ذلك أن كثيرا مما كتبه كانت الحركة تدرسه في أطرها التنظيمية والتربوية الخاصة، فضلا عن توسعها في نشره في فضاء الدعوة العام.
تعود بدايات يكن في العمل الإسلامي الحركي إلى مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، حيث غرس الجذور الأولى للعمل الإسلامي في لبنان في الخمسينيات، وتوجت جهوده بإنشاء الجماعة الإسلامية اللبنانية مطلع الستينيات، وهي إحدى فروع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وقد تولى الأمانة العامة فيها حتى العام 1992، ثم قدم استقالته منها بعد نجاحه في الانتخابات النيابية ليتفرغ للعمل البرلماني، وبقي نائبا في البرلمان النيابي حتى العام 1996، وخلال هذه الفترة أصدر ثلاثة كتب حول التجربة النيابية، (التجربة النيابية بين المبدأ والتطبيق، والتجربة النيابية عبر الإعلام، والتجربة النيابية في الميزان).
للدكتور فتحي يكن دور ملحوظ في السياسة اللبنانية والإقليمية، وبجانب ذلك فقد شارك في معظم المؤتمرات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم ودوَّن معظمها في كتابه: "فقه السياحة في الإسلام ونماذج لرحلات دعوية قي أرض الله الواسعة"، كما أنه التقى العديد من الرؤساء العرب داعيا وناصحا ومذكرا بأهمية العمل الإسلامي ودوره في نهضة الأمة.
في السنوات الأخيرة ترأس "يكن جبهة العمل الإسلامي" المؤيدة لقوى 8 آذار -أبرز أركانها حزب الله-، وجبهة العمل الإسلامي هي حزب إسلامي أسسه يكن في لبنان سنة 2005 بعد انشقاقه عن الجماعة الإسلامية، ويضم الحزب عدة جمعيات وشخصيات إسلامية وحركات إسلامية وتربوية، وخاصة في مدينة طرابلس، مثل حركة التوحيد الإسلامي والشيخ هاشم منقارة، وهو ينطوي تحت لواء 8 آذار المعارض سياسيا والمتحالف مع سوريا.
ومما يحسب ليكن أنه لعب دورا ملموسا في الوساطات من أجل إنهاء معارك مخيم نهر البارد في شمال لبنان بين الجيش اللبناني وحركة فتح الإسلام التي دارت في صيف 2007، نظرا لقربه من أوساط الحركات الإسلامية ومكانته المرموقة بين أبنائها.
أصدر فتحي يكن عدة مؤلفات، ترجم معظمها لعدد من لغات العالم، وتزيد على 35 مؤلفا، ومن أبرزها: مشكلات الدعوة والداعية، كيف ندعو إلى الإسلام؟ نحو حركة إسلامية عالمية واحدة، الموسوعة الحركية (جزءان)، ماذا يعني انتمائي للإسلام؟ حركات ومذاهب في ميزان الإسلام، الاستيعاب في حياة الدعوة والدعاة، نحو صحوة إسلامية في مستوى العصر، المناهج التغييرية الإسلامية خلال القرن العشرين، الإسلام فكرة وحركة وانقلاب، الشباب والتغيير، المتساقطون على طريق الدعوة، أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي، قطوف شائكة من حقل التجارب الإسلامية.
إن كل من انتسب للحركة أو درس تاريخها سيتوقف كثيرا أمام بعض كتبه التي تحمل بصمات منهجه، ومنها: الإسلام فكرة وحركة وانقلاب، وأبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي، وقطوف شائكة من حقل التجارب الإسلامية والمتساقطون على طريق الدعوة وماذا يعني انتمائي للإسلام، في هذه الكتب تبدو فيها روح الشهيد سيد قطب أوضح ما تكون، ويتجلى صدى أفكاره التي تدعو الحركة الإسلامية إلى القطع مع تصورات مجتمعاتها والانقلاب عليها في الروح والتصور والسلوك، كما تشرح متون قطب التي تتبنى المفاصلة مع الخصوم والاستعلاء عليهم بالإيمان بما يؤسس لعزلة الحركة الإسلامية عن مجتمعها حسبما تقول مصادر بحثية.
كان يكن يبذل جهدا في دعوة الشباب، وخصهم بكتاب سماه "الشباب والتغيير"، ويقول حول وظيفة الشباب في الحياة ودورهم في بناء الأمة: "الشباب لا بد أن يحملوا رسالة، ورسالة الإسلام رسالة حياة كاملة، ليست رسالة تربوية في المسجد وحده، وليست رسالة سياسية في البرلمان فقط، وإنما رسالة حياة، أن يعيش الإنسان هم الحياة بالإسلام، وأن ينقل هذا الإسلام إلى الواقع الاجتماعي، فلا بد أن يعيشوا الإسلام في أنفسهم وبيوتهم وأعمالهم، ثم أن ينقلوا هذا الإسلام إلى الآخر".
وفي معرض كلامه عن أسباب ظاهرة التطرف التي شغلت العالم خلال السنوات الأخيرة نراه يقول: "العالم يحكمه نظام ديكتاتوري قمعي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية.. فلا شك أن تفرد أمريكا في الحكم وما نتج عنه من ظلم بحق الشعوب يدفع الشباب إلى الانفجار، ويدفع إلى قيام حركات متطرفة مثل القاعدة وطالبان أو التنظيمات المتواجدة في الشام، فالسبب الرئيسي، أن العالم لا يعيش حالة توازن ولا يوجد هناك عدالة ومساواة، وهو الذي يحرك حركات وقوى معينة متطرفة مغالية في مواقفها لا ترى أمامها إلا أن تمتلك السلاح وتواجه خصومها بشكل أو بآخر، فالعلاج ينبغي أن نعود به إلى الأصل الذي أدى إلى نشأة التطرف".
ودعا يكن في هذا الإطار إلى "مرجعية حركية" في إمكانها أن تضبط إيقاع العمل الجهادي، مطالبا بـ"لم شعث الشباب المسلم في عمل مقاوم على امتداد العالم الإسلامي، عندئذ سيؤدي هذا إلى سحب فتائل الإرهاب وإنهائها".
وفي إطار سعيه لحسم الجدل حول ازدواجية الخطاب الإسلامي بين الدعوي والسياسي يقول الراحل: "الحقيقة أن الخطاب السياسي الإسلامي يحتاج إلى كبير عناية وإلى تطوير، وتقليدية الخطاب ورتابته وعاطفيته وعدم علميته مشكلة تعاني منها الساحة الإسلامية في كل مكان، ولقد كنت لفتُّ إلى ذلك في كتابي (نحو صحوة إسلامية في مستوى العصر) من خلال دراسة عنوانها (فقه الخطاب الإسلامي)، عرضت فيها لواقع الخطاب ولمتطلبات تطويره؛ ليكون في مستوى العصر، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الخطاب مهما كان متطورا يلامس قضايا الناس المتغيرة والمتبدلة فإنه يجب أن لا يغفل الجوانب الثابتة في الإسلام وفي المشروع الإسلامي؛ لأنها بمثابة الأصل الذي ترتبط به كل المفردات والتفصيلات وتُبنى عليه، وبذلك يكون الخطاب الإسلامي الناجح هو الخطاب الذي يوجِّه فروع القضايا والشئون في أي زمان ومكان إلى الأصل ويحتكم إليه.