سمك السلطان إبراهيم.. أسطورة تحولت إلى طبق
حكاية مشوقة عمرها مئات السنين
تشتهر مياه البحر على شواطئ المدن السورية بوجود العديد من الأسماك التي يصطادها صيادون امتهنوا هذه المهنة في اللاذقية وجبلة وطرطوس وجزيرة أرواد. ومن الأسماك البحرية التي تعرفها السواحل السورية، اللقس والقريدس والبلاميدا والغبص وأم عين وسمنور ونايلون وبكلاي وتراخور وشكارمن وسردين، بنوعيه المبروم، وأم قشر وغزال وكربال وعصيفر وغيرها، لكن وحدها «سمكة السلطان إبراهيم أو السلطاني، كما تدعى في مناطق الساحل اختصاراً»، تحظى بكثير من التدليل والاهتمام بين السوريين مستهلكي السمك، والسبب هنا ليس لأنها الأثمن بين جميع أنواع الأسماك البحرية، وليس لأنها الألذ مذاقاً، بل لأن وجودها جاء من حكاية قديمة أسطورية عمرها مئات السنين تناقلتها الأجيال عبر القرون الماضية بكثير من التفاصيل والتشويق كحكاية من سميت باسمه «السلطان الأفغاني إبراهيم بن الأدهم، الذي لم يصبح سلطاناً بإرادته»، الذي أصبح مادة جميلة شيقة كقصص الظاهر بيبرس والملكة خاتون وصلاح الدين، لحكايا الحكواتية في مقاهي مدن الساحل السوري.
فهذا الشاب الأفغاني الأصل الذي ولد من أب فقير يدعى أدهم في مدينة بلخ الأفغانية، حيث تزوج والده من ابنة سلطان المدينة وأنجب منها إبراهيم الذي آلت إليه السلطة بعد موت جده، لكنه رفضها زاهداً وهاجر من أفغانستان ضارباً في الآفاق متنقلاً في البحر والمدن حتى أعجبته مدينة (جبلة) السورية على شاطئ المتوسط فعاش فيها فقيراً زاهداً لتلحق به أمه محاولة إعادته لسلطنته وملكه، لكنه رفض بشدة فما كان منها إلاّ أن وهبت كل ما تملك وقفاً لقبره، حيث دفن في مدينة جبلة فيما دفنت الأم في مدينة اللاذقية القريبة.
ويروي المؤرخون القصص والأساطير عن زهد إبراهيم وحكاياه المشوقة في مدينة جبلة ومنها حكاية السمكة التي أخذت اسمه منذ انتشار الحكاية (الأسطورة) وملخصها:
أن ابراهيم جلس مرة على شاطئ جبلة يرتق ثيابه فسقطت الإبرة من يده وبعد قليل خرجت سمكة وفي فمها الإبرة التي سقطت وإحدى عينيها قد فقئت فسألها السلطان إبراهيم عن سبب ذلك فروت له ماحدث في قاع البحر عندما سقطت الإبرة، حيث تصارعت مخلوقات البحر للظفر بالإبرة وأعادتها له فلما أخذتها السمكة لطمها أحد الحيتان فقلع عينها فما كان من السلطان إبراهيم إلا أن مسح بيده عين السمكة فعادت سليمة وقال لها اذهبي فلحمك حرام علي ومن يومها سمي هذا السمك باسم السلطان إبراهيم.
فيما رواية ثانية لهذه الأسطورة يرويها الحكواتية وكتاب السير الشعبية وتقول:
إن السلطان ابراهيم كان في أحد الأيام يتضور جوعاً فجلس أمام شاطئ جبلة ومع غروب الشمس فوجئ بسمكة تقفز من البحر وتتوضع أمامه فمسكها ليأخذها معه كصيد جاء لوحده، لكنه بعد برهة تركها قائلاً لها عودي إلى البحر فأنت حرة طليقة وحرام علي تناولك. وهكذا صار صيادو جبلة ينادونها منذ ذلك الوقت باسم سمكة السلطان إبراهيم.
ومن هنا جاءت شهرة هذه السمكة التي تباع في أسواق اللاذقية الخاصة بالسمك، وفي أسواق دمشق بسعر مرتفع جداً يفوق كل أنواع السمك الأخرى البحرية والنهرية، وتقوم النساء، خاصة في اللاذقية بطبخ سمك السلطان إبراهيم بعدة طرق كحال الأنواع الأخرى مقلية ومشوية، لكن أشهر وجبة تقدم فيها سمك السلطاني هي أكلة ساحلية سورية تدعى (الصيادية) وهي لذيذة المذاق وتتفنن النساء والطهاة في المطاعم بطريقة تقديمها، حيث يجتهد البعض منهم بإضافات غذائية عديدة لها لإعطائها مكانتها وهي سمكة السلطان ابراهيم المدللة!...
الصيادية
«الصيادية» تحضر من رز طويل نقوم بغسله وننقعه لمدة نصف ساعة بالماء ونضعه على النار بعدها نأتي بعظام السمك ونسلقها على النار ونضع معها حب الهال والقرنفل والبصل والليمون مع الملح، ثم نأخذ خلاصة عظام السمك المسلوق «المرقة» ونضعها على جنب، ونأتي بسمك السلطاني ونقطعه إلى قطع متنوعة تزن القطعة الواحدة ما بين 50 و70غراماً ونقوم بقليه بزيت أبيض، الذي نحتفظ به بعد استخدامه في القلي ليطهى به الرز ونضع السمك المقلي على جنب ومن ثم نأتي بجوانح بصل نقليها حتى يحمر لونها ونضعها جانباً وبعدها نطبخ الأرز الطويل، ويجب أن يكون من دون شعيرية، ومن ثم نقليه بالزيت والزبد ونضع مكعبات خواص الدجاج ونضيف الآن قسماً من مرقة السمك للارز ومن ثم نأتي بالبصل الجوانح، حيث نترك قسماً منها للزينة والقسم الآخر نخلطه مع الارز ونضيف في النهاية بهارات متنوعة من القرنفل والفلفل وغيرهما ونضعها على الارز ومن ثم نقوم بوضع شرائح السمك عليه ونقلبها بالصينية إذا كانت الوجبة في المنزل أما في المطاعم، حيث يطبخ الأرز والسمك، كلاً على حدة ومن ثم يوضع السمك فوق الارز مع البصل المقلي ومرقة عظام السمك ومن الممكن أن نحضر صلصة خاصة بـ«الصيادية»، وهي متداولة حديثاً وتحضر من مرقة السمك والزيت الذي قلينا به السمك والبصل ونضيف لهما قليلاً من الطحين ونحرك المزيج حتى يصبح لزجاً كاللبن الرائب ويقدم إلى جانب وجبة الصيادية.