كنز المعرفة
أهلا وسهلا بك في موقع منتدى ومجموعة كنز المعرفة حيث المتعة والمعرفة ، يهتم الموقع بالقضية الفلسطينية والتنمية الشخصية وتطوير الذات من خلال مقالات وقصص ذات فائدة نرحب بمساهماتكم واقتراحاتكم
المنتدى: http://inof2200.gogoo.us
المجموعة: http://groups.google.com/group/info2200
للتواصل عبر الماسنجر : raed.2200@live.com
كنز المعرفة
أهلا وسهلا بك في موقع منتدى ومجموعة كنز المعرفة حيث المتعة والمعرفة ، يهتم الموقع بالقضية الفلسطينية والتنمية الشخصية وتطوير الذات من خلال مقالات وقصص ذات فائدة نرحب بمساهماتكم واقتراحاتكم
المنتدى: http://inof2200.gogoo.us
المجموعة: http://groups.google.com/group/info2200
للتواصل عبر الماسنجر : raed.2200@live.com
كنز المعرفة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


موقع فلسطيني ثقافي بهتم بالشباب كما يهتم بالتنمية الشخصية وتطوير الذات
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
نتشرف بدعوتكم لزيارة صفحتنا على الفيس بوك https://www.facebook.com/info2200
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
تلفزيون البيرة
المواضيع الأخيرة
» الشعر الجميل ...........................................
العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 04, 2013 7:10 am من طرف Admin

» قلبي مغلق ...............
العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 04, 2013 7:07 am من طرف Admin

» البنت الحزينة ... لوحة فنية
العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 04, 2013 7:02 am من طرف Admin

» صور مقدسية .....................
العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 04, 2013 6:50 am من طرف Admin

» صور مقدسية .....................
العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 04, 2013 6:49 am من طرف Admin

» حوار بين يهودي ومسلم ......
العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالخميس مايو 23, 2013 7:12 am من طرف محررة الاقصى

» قصة من قلب الثورة السورية ::: الشهادة لا تعرف هوية !!
العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالخميس أبريل 25, 2013 4:42 pm من طرف Admin

» نصحية غالية للوالدين ... عن تجربة ودراسة
العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالخميس أبريل 25, 2013 10:59 am من طرف Admin

» كي لا ننسى :: قرية جرش الفلسطينية
العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالخميس أبريل 25, 2013 7:40 am من طرف Admin

احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1503 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو rabah فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 4326 مساهمة في هذا المنتدى في 2059 موضوع
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 2 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 2 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 226 بتاريخ الإثنين فبراير 27, 2012 4:26 am
عدد زوار الموقع

.: عدد زوار المنتدى :.

العلوم عند العرب والمسلمين Fb110
نوفمبر 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
    123
45678910
11121314151617
18192021222324
252627282930 
اليوميةاليومية

 

 العلوم عند العرب والمسلمين

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: العلوم عند العرب والمسلمين   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 12:43 am


العلوم عند العرب والمسلمين Ououuu10

العلوم عند العرب والمسلمين. هذه المقالة دراسة في تاريخ العلوم البحتة والتطبيقية عند العرب والمسلمين، وتطمح إلى تقديم صورة أكثر وضوحًا للتفكير العلمي في الحضارة العربية الإسلامية. مع بيان أهم الروّاد والأعلام العرب والمسلمين الذين كانت لهم إنجازات مميزة في هذه المجالات. والهدف إبراز الحقائق في هذا التاريخ العلمي الحضاري العظيم لإزالة الغموض والأخطاء التي سُجلت عمدًا أو سهوًا. ولا تسرف المقالة في مقدار علم هؤلاء الروّاد والأعلام في زمانهم، لكنها في الوقت نفسه تؤكد بموضوعية الجوانب العلمية التي كان للعرب والمسلمين الفضل فيها على تطور سائر العلوم سواءً في الغرب أو الشرق.

بدأت العلوم البحتة والتطبيقية عند العرب والمسلمين بحركة الترجمة التي نشطت في أواخر القرن الأول الهجري، الثامن الميلادي، واستمرت في الازدهار والعطاء حتى بداية القرن الثامن الهجري، الرابع عشر الميلادي. ولم يكن العرب في ترجمتهم لتراث الأمم التي أخذوا عنها العلوم الطبيعية نَقَلَةً جامدين، لكنهم أضافوا إليها كثيرًا، وجعلوا ما توصل إليه غيرهم مقدمة أساسية لأبحاثهم. وقد أبدعوا في بعض العلوم. وكانت بواعث ذلك ما بثّه الدين الإسلامي من أفكار، وما أحدثه في نفوس معتنقيه من حب العلم والتأمّل في الكون، إضافة لتشجيع الحكام الذين أحبوا العلم وأكرموا العلماء على الإبداع. ثم إن الفتوحات الإسلامية كانت عامل التقاء بين الثقافة العربية وثقافات الشعوب التي دخلت الإسلام. كما أن حاجة العرب إلى علوم ليست عندهم جعلتهم يقبلون على الترجمة. وحيث إن العلم من توابع الاستقرار والحضارة، فما أن استقرت الدولة العربية الإسلامية وازدهرت سياسيًا واقتصاديًا حتى اتجهت النفوس إلى الحركة الفكرية؛ فتُرجمت الكتب الإغريقية والفارسية والسريانية والقبطية والكلدانية، ونُقلت ذخائرها في العلوم إلى العربية. وبلغت الترجمة أوجها في عهد المأمون (198ـ 218هـ، 813 ـ 833م) الذي كان يقبل الجزية كتبًا، ويدفع وزن ما يترجم ذهبًا.

كان بيت الحكمة في بغداد، والجامع الأموي في دمشق، والجامع الأزهر بمصر، وجامع القيروان في تونس، وجامع القرويين في المغرب، وجامع قرطبة في الأندلس، والجامع الكبير في صنعاء منارات للعلم يفد إليها الطلاب من كل مكان. وتخرج في هذه الصروح العلمية عدد كبير من العلماء تميزوا بغزارة الإنتاج في العلوم والفنون.

تنقسم العلوم التي اشتغل بها العرب إلى علوم أصيلة وعلوم محدثة؛ فالأولى نشأت في ظل دولة الإسلام وعلى أيدي العرب أنفسهم، أما الثانية فتلك التي نشأت خارج البيئة العربية، ثم دخلت في بلاد الإسلام وطوّرها العلماء.

عُني العرب بكل العلوم المحدثة من طب وصيدلة وكيمياء وفيزياء وعلوم رياضية وعلوم الأحياء وعلوم الأرض وفلك وجغرافيا.

ولكي يطلع العرب على هذه العلوم كان طبيعياً أن ينقلوها من لغاتها الأصلية إلى لسانهم. وكان أول نقل قد تم في عهد خالد بن يزيد بن معاوية (ت 85هـ،704م)، إلا أن حركة الترجمة لم تتسع إلا في العصر العباسي، ولا سيما في عصر المأمون. وقد أسهم المترجمون كثيرًا في تكوين المصطلح العلمي والفلسفي الذي لا يزال بعضه مستخدمًا حتى الآن. وكانت الترجمة تتم في بادئ الأمر من اللغة الأصل إلى السريانية ومنها إلى العربية، ثم في مرحلة لاحقة صارت مباشرة من اللغات الأصل إلى العربية. وكان المترجمون نوعين: سريان ومسلمون؛ فكانت أغلب نقول السريان من اللغة اليونانية أو السريانية، أما المسلمون فقد كانوا يترجمون مباشرة من الفارسية أو الهندية وغيرهما إلى العربية. ومن أبرز هؤلاء المترجمين في مجال الترجمة العلمية: ماسرجويه ويسمى أحيانًا ماسرجيس وقد نقل موسوعة طبية يونانية تسمى الكُناش، وأبو يحيى البطريق (ت 800هـ، 1397م) وقد ترجم كتاب الأربع مقالات في علم النجوم لبطليموس وكتاب النفس والحيوان لأرسطو. وآل بختيشوع ومنهم جورجيس ابن جبريل (ت 771هـ، 1369م) وقد ترجموا الكتب الطبية، وكذلك آل حنين، وفي مقدمتهم حنين بن إسحاق (ت 260هـ، 873م) الذي ترجم سبعة من كتب أبقراط ومعظم أعمال جالينوس الطبية، وآل قُرَّة، وأبرزهم ثابت بن قرة (ت 288هـ، 901م)، وقد ترجم سبعة من كتب أبولينوس الثمانية في المخروطات، ونقل كتاب جغرافية المعمور وصفة الأرض لبطليموس، وقسطا ابن لوقا البعلبكي (ت 311هـ، 923م) الذي نقل كتبًا كثيرة من أهمها كتاب الحيل وكتاب أوطولوقس، ومحمد بن إبراهيم الفزاري (ت 800هـ، 1397م) الذي ترجم أهم كتب الفلك من اللغة السنسكريتية. وسترد في المقالة أسماء كثير من هذه الأعمال وغيرها من المؤلفات.

بعد أن تمت عملية النقل واستقرت أحوال الدولة العباسية اقتصاديًا واجتماعياً وعسكريًا، برز في ظل هذا الاستقرار علماء ومفكرون أبدعوا في شتى مجالات المعرفة منطلقين مما نقل من معارف الأمم الأخرى. وجاء وقت أعمل فيه العرب أفكارهم فيما نقلوه من نظريات وغيرها ولم يتقبلوها مباشرة، بل أخذوها بحذر شديد بعد أن صارت لهم طرقهم الخاصة التي تعتمد على التجربة والملاحظة التي اعتبروها حجر الزاوية لدراسة العلوم الطبيعية. وقد كان لأسلوب الجرح والتعديل الذي اتبعه علماء الحديث في تنقية الحديث وتمييز الصحيح من الموضوع أثر كبير في توجيه منهج المسلمين في البحث العلمي؛ لذا نجد أن العلماء المسلمين في شتى ميادين المعرفة جعلوا البرهان دليلاً وشاهدًا. فالدعوة إلى الإنصاف وإلى الحق والصدق والمعرفة كانت من صميم مقدمات أعمالهم، ولم يكن تفكيرهم العلمي يختلف كثيرًا عن المنهج العلمي الحديث. فهذا جابر بن حيان (ت 200هـ، 815م) شيخ علماء الكيمياء المسلمين يدعو إلى الاهتمام بالتجربة ودقة الملاحظة فيقول: ¸إن واجب المشتغل في الكيمياء هو العمل وإجراء التجربة، وإن المعرفة لا تحصل إلا بها·. وقد سلك الحسن بن الهيثم الطريقة المثلى في إجراء البحث العلمي وقال بالأخذ بالاستقراء والقياس والتمثيل، وضرورة الاعتماد على النمط المتبع في البحوث العلمية الحديثة فيقول: "يبدأ في البحث باستقراء الموجودات وتصفّح أحوال المبصرات وتمييز خواص الجزئيات، ويلتقط باستقراء ما يخص البصر حال الإبصار، وماهو مطرد لا يتغير، وظاهر لا يشتبه في كيفية الإحساس، ثم نترقى في البحث والمقاييس على التدريج والتدريب، مع انتقال المقدمات والتحفظ في الغلط في النتائج...".

أثناء وبعد حركة الترجمة ألف المسلمون في كل ضرب من ضروب المعرفة وفي كل الفنون، ولم يكتفوا بنقل التراث العلمي للأمم الأخرى، بل أضافوا له وزادوا عليه، ثم كانت لهم ابتكاراتهم الجديدة التي سنتناول كلا منها في موضعه من هذه المقالة.

للوقوف على منجزات العرب والمسلمين في العلوم، ليس من المنطقي أن ننظر إلى منجزاتهم من خلال المكتسبات والمعطيات العلمية الحديثة، وإنما من خلال العصر الذي عاشوا فيه ومن جاورهم من أمم، وفي ضوء الإمكانات التي كانت متاحة إذ ذاك، والإسهام الذي أسدوه لجيلهم ولأجيال لحقتهم وما أضافوه لحضارة وعلم تلك الأجيال. هناك ظروف توافرت أدَّت إلى تفوّق العقلية العربية الإسلامية، كما توافرت ظروف مضادة أدّت إلى اضمحلال الفكر الإسلامي. ومن العوامل التي ساعدت على التفوق العلمي في ذلك العصر: 1- دعوة القرآن الكريم وأحاديث النبي ³ إلى طلب العلم والحثّ عليه. 2- حرية الرأي العلمي؛ فلم يتعرض عالم من علماء العلوم البحتة أو التطبيقية لمحنة بسبب رأيه العلمي و 3- رعاية الحكام والولاة للعلماء، والإنفاق عليهم بسخاء، بل كان من بين الحكام علماء و 4- اعتزاز العلماء بعلمهم فلم ينزلوا بنفوسهم إلى الاستجداء بالعلم و 5- الاستعداد الذهني والصبر والأناة في ظل الوفرة الاقتصادية. وكان من جراء ذلك أن تهيأ المناخ للعلماء لتقديم أفضل ما يمكن بما هو متاح من الوسائل.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: الطب    العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 1:11 am




العلوم عند العرب والمسلمين Ouoo10

تواريخ مهمة في الطب و الصيدلة

كانت للعرب في الجاهلية تجاربهم في الطب، وقد أضافوا إليها ما اكتسبوه من الأمم المجاورة كالفرس والهنود وغيرهم. وقد انتهجوا طريقتين للعلاج أولاهما الكهانة والعرافة، والثانية ما خبروه من عقاقير نباتية إضافة إلى الكي والحجامة والفصد. ومن أبرز أطباء الجاهلية زهير الحِمْيري، وابن حزيم، والحارث بن كلدة صاحب كتاب المحاورة في الطب، والنضر بن الحارث. أما في الإسلام، فقد بدأ الطب يتأثر رويدًا رويدًا بالطب المحدث بدءًا من العصر الأموي؛ إذ أخذ العلاج يتأثر بالطب الإغريقي، ومن أشهر الأطباء في ذلك الوقت ابن أثال والحكم الدمشقي وعبدالملك الكناني طبيب عمر بن عبدالعزيز. وقد علا شأن الطب في عهد الدولة العباسية بزيادة احتكاك العرب بالأمم الأخرى التي فتحوا بلدانها، واستقدم الخلفاء أفضل الأطباء منهم مثل جورجيس بن بختيشوع وابنه جبريل، ويوحنّا بن ماسويه، وقد اشتهروا بجانب كونهم أطباء بنبوغهم في الترجمة والتأليف. ومع تقدم الزمن ظهر نوع مما يمكن أن نسميه حاليًا بالتخصص في تناول فروع الطب المختلفة كالطب الجراحي، وطب العيون، وطب الأطفال وعلم التشريح، والطب النفسي، وما يتبع ذلك من تطور في طرق العلاج وبناء المستشفيات.

العلوم عند العرب والمسلمين Oooous10

الطب الجراحي. عُرف هذا الفرع من الطب عند الأقدمين من المسلمين بأسماء عدة منها: عمل اليد، وصناعة اليد، وعلاج الحديد لما يدخل فيه من استخدام أدوات تصنع من الحديد. وكان يطلق على من يزاول هذه المهنة اسم جرائحي أو دستكار؛ وهي كلمة فارسية الأصل أخذت من (دستكاري) وهي ترجمة للكلمة العربية التي تعني عمل اليد، أما الطبيب غير الجراح فكان يطلق عليه الطبائعي. وعلى الرغم من أن العرب ذكروا أنهم استقوا علمهم في الجراحة من الهند وبلاد فارس، فإن معظم ما نقلوه كان من اليونان، ومن ثم أبدعوا فيه. وهم أول من فرّق بين الجراحة وغيرها من الموضوعات الطبية، وألزموا الجراح أن يكون ملماً بعلم التشريح ومنافع الأعضاء ومواضعها. وكانوا يؤكدون على حاجة المشتغلين بالطب إلى تشريح الأجسام حية وميتة، وقد شرّحوا القرود كما فعل ابن ماسويه. وكانت معرفة الجراحين المسلمين بكتاب جالينوس المعروف بقاطاجانس في الجراحات والمراهم أمرًا إلزاميًا.

من إبداعات العرب في مجال الجراحة أنهم أول من تمكّن من استخراج حصى المثانة لدى النساء ـ عن طريق المهبل، كما توصلوا إلى وصف دقيق لعملية نزف الدم وقالوا بالعامل الوراثي في ذلك، حيث وجدوا أن بعض الأجسام لديها استعداد للنزف أكثر من غيرها، وتابعوا ذلك في عائلة واحدة لديها هذا الاستعداد وعالجوه بالكي، كما نجحوا في إيقاف الدم النزيف أيضًا بربط الشرايين الكبيرة. وأجروا العمليات الجراحية في كل موضع تقريبًا من البدن؛ وكتبوا عن جراحة الأسنان وتقويمها وجراحة العين. وبرعوا في قدح الماء الأزرق من العين، وكانت هذه العملية أمرًا يسيرًا ونتائجها مضمونة. وذكروا أكثر من ست طرق لاستخراج هذا الماء من العين منها طريقة الشفط. وأجروا العمليات الجراحية في القصبة الهوائية، بل إن الزهراوي (ت 427هـ، 1035م) كان أول من نجح في عملية فتح الحنجرة (القصبة الهوائية) وهي العملية التي أجراها على أحد خدمه. ويقول الرازي في هذا الصدد: "العلاج أن تشق الأغشية الواصلة بين حلق قصبة الرئة ليدخل النَّفَس منه، ويمكن بعد أن يتخلص الإنسان وتسكن تلك الأسباب المانعة من النَّفَس أن يخاط ويرجع إلى حاله، ووجه علاجه أن يمد الرأس إلى الخلف ويمد الجلد ويشق أسفل من الحنجرة ثم يمد بخيطين إلى فوق وأسفل حتى تظهر قصبة الرئة… فإذا سكن الورم، وكان النَّفَس فَلْيُخَطْ ويمسك قليلاً واجعل عليه دروزًا أصغر". كما شرحوا الطريقة التي يستطيع بها المصاب بحَصََر البول، ومن يتعذَّر عليه الإدرار؛ بأن تجرى له جراحة كي تركب له قثطرة. ولعل العرب كانوا من أوائل من أشاروا إلى ما يسمى الآن بجراحة التجميل، وقد بينوا كيفية هذه الجراحة في الشفة والأنف والأذن حينما تطرأ عليها الضخامة من نتوء بارز أو قطع، بحيث تعود هذه الأعضاء إلى حالتها الطبيعية فيرتفع القبح الناشئ عن اللحمة الزائدة. وكما أن الطب الجراحي الحديث لا يلجأ للجراحة إلا إذا كانت هي الحل الأخير، فكذلك كان يفعل الجراحون العرب؛ فما كانت الجراحة عندهم إلا كالشر الذي لابد منه. من ذلك ما نجده في قول الرازي في كتابه محنة الطبيب: "متى رأيت الطبيب يبرئ بالأدوية التي تعالج بعلاج الحديد والعملية الجراحية مثل الخراجات والدبيلات واللوزتين، والخنازير واللهاة الغليظة والسلع والغُدد… فمتى أجاد الطبيب في جميع هذه ولا يحتاج في شيء منها إلى البط والقطع إلا أن تدعو لذلك ضرورة شديدة فاحمد معرفته"، ومن ثم سار المثل: آخر الدواء الكي. كما مارس الجراحون العرب إجراء العمليات الناجحة في البطن، والمجاري البولية، والولادة القيصرية، وتجبير الكسور، والخلع، وعمليات الأنف والأذن والحنجرة، وكانوا يخيطون الجروح خياطة داخلية لا تترك أثرًا ظاهرًا من الجانب الخارجي. وخاطوا مواضع العمليات بخيط واحد باستخدام إبرتين، واستخدموا الأوتار الجلدية وخيوطًا صنعوها من أمعاء القطط وحيوانات أخرى في جراحات الأمعاء ورتق الجروح؛ إذ إن الجسم يمتصها دون أن تلحق به أذىً. وتوصلوا إلى أساليب في تطهير الجروح وطوروا أدوات الجراحة وآلاتها. وكان للجراحين العرب فضل كبير في استخدام عمليتي التخدير والإنعاش على أسس تختلف عما نقلوه من الأمم الأخرى.

أدوات الجراحة. لم يكتف الجراحون العرب بالأدوات التي نقلوها عن الأمم التي سبقتهم، بل اخترعوا آلات جديدة وطوروا تلك التي آلت إليهم من غيرهم. وذكر الكثيرون منهم ـ في ثنايا مؤلفاتهم ـ الأدوات التي استخدمت في عصرهم. ومن هذه المؤلفات، على سبيل المثال، الكتاب الذي صنفه الزهراوي التصريف لمن عجز عن التأليف، وابن القُف أبو الفرج بن يعقوب (ت685هـ، 1286م) عمدة الإصلاح في صناعة الجراح، وأبو الحسن ابن بطلان دعوة الأطباء. وقد اكتشفت بعض الآلات الجراحية أثناء الحفريات التي جرت في موقع الفسطاط التي أسسها عمرو بن العاص سنة 21هـ،641م. ومن هذه الأدوات: أولاً الدَّست وهو يشبه الحقيبة التي تحفظ فيها المباضع. وهذه المباضع أنواع تختلف أشكالها باختلاف الوظائف التي تؤديها؛ فمنها مبضع شق الجلد وهو حاد الطرفين، ويستخدم في حالة فتح مكان في الجلد فوق الشرايين حتى يتمكن الجراح من ربطها. والمبضع المعطوف؛ ويكون أحد طرفيه حادًا ويستخدم لاستئصال اللوزتين. ومن الأدوات التي استخدمت للوزتين المقطع؛ ويشبه المقص بطرفيه المعطوفين، والمباضع الشوكية؛ وهي نوعان:أحدهما يستخدم لبزل البطن في حالة الحبن (الاستسقاء، الورم) ليسمح بإدخال أنبوب دقيق لسحب الماء، وآخر يشق به الناسور. ومبضع فتح الأورام؛ لاستخراج الصديد والقيح المتجمع فيها، وهو ذو نصل مستدير. والمبضع الأملس؛ ويستخدم في قطع الظفرة (لحمة تنبت عند المآقي) من العين. ومبضع الأذن لقطع ما يسقط في الأذن من أجسام غريبة. ومبضع الشق العجاني، ويستخدم لشق العجان (وهو الدُّبر ومافوقه) لاستخراج الحصاة. ومبضع الفصد؛ وهو مبضع عريض ذو نصل يشبه ورقة نبات الآس؛ يستخدم لفصد العروق. والمبضع أملس الحافتين؛ ويستخدم لفتح الأذن التي قد تسد إما من جراء جسم خارجي، أو لزائدة تنبت فيها.

إلى جانب المباضع توجد أدوات أخرى منها الصنانير، وهي أنواع أيضًا، منها البسيط ذو المخطاف الواحد، والمركب ذو المخطافين أو الثلاثة مخاطيف، وأخرى ذات ثلاث شوكات ومقبض واحد لشد الجلد. وصنانير خاصة بخلع بقايا السن المكسورة، طرفها مثلث الشكل فيها بعض الغلظ. أما بقايا جذور الأضراس المكسورة فكانت تخلع بأداة يدخلونها في السنخ فتخلعها. وتسمى هذه الأداة العتلة وهي ذات أشكال وأحجام مختلفة تحددها الوظيفة التي تقوم بها. ومن الأدوات الخاصة بخلع الأسنان والأضراس الكلاليب، ومنها ما يشبه مناقير الطيور تخلع الأضراس من أصولها. ومن الكلاليب ما يستخدم لاستخراج ما ينشب في الحلق من أجسام غريبة، وهي ذات أطراف معقوفة خشنة كالمبرد إذا لامست الجسم قلما تتركه. ومثلها مرْوَد الحلق؛ وهو آلة يستخرج بها الشوك أو العظم وما شابههما من الحلق، وهي ذات طرف معقوف كالصنارة. وآلة كي اللهاة، وتشبه المرود وطرفها كالملعقة تملأ بمادة كاوية توضع على اللهاة.

أما الأنابيب فكانت تتخذ من الريش أو تصنع من الفضة والنحاس أو الحديد. ويعتمد ذلك على نوع الوظيفة التي يؤديها الأنبوب؛ فهناك أنبوب لقطع الثملة؛ وهي الزوائد اللحمية التي تظهر في الوجه والعنق، ويصنع من ريش الأوز أو النسور، ويوضع فوق الثملة ويشد عليها حتى يقطعها من أصلها. وهناك أنبوب هوام الأذن، وهو ذو فوهة ضيقة ونهاية واسعة يدخل إلى الأذن بمقدار يحتمله المريض ويشفط به شفطًا قويًا حتى تخرج الهوام. ومن هذا النوع أنبوب يعبأ بزيت دافئ يدفع ببطء داخل الأذن فتخرج الهوام، ويصنع من الفضة أو النحاس. وهناك نوع من الأنابيب يُبرى على هيئة القلم يصنع من الفضة أو النحاس به ثلاثة ثقوب: اثنان منها على جانب واحد تستخدم لبزل الماء في الحبن أو جذبه. وهناك نوعان من الجفت واحد لاستخراج العظام المكسورة من الفك، وآخر صغير دقيق يستخدم في استخراج الأجسام الدقيقة من الأذن. ومن الأدوات التي استخدمت للأذن أيضًا المجرفة؛ وهي آلة كالمجرد (المكشط) لرفع الأجسام الغريبة منها. كما استخدموا القثاطر لتسهيل خروج البول من المثانة وطولها نحو شبر ونصف الشبر. وتصنع من الفضة المجوفة بحجم أنبوب ريش الطير.

ومن الآلات التي كانت تستخدمها القابلات في التوليد اللوالب؛ وهي آلات تساعد في فتح فم الرحم وتصنع من الأبنوس، ويكون في طرف اللولب خشبتان عرض كل منهما نحو أصبعين وطولهما شبر ونصف، وفي وسط الخشبتين زائدتان تربطان فيهما تدخلان في المهبل ليفتح بها عند إدارة اللولب. كما استخدموا نوعًا من الصنانير ذات الشوكتين لجذب الجنين. ومنها أيضًا المشداخ وهو آلة يشدخ بها رأس الجنين ليسهل إخراجه من فم الرحم، ويشبه المقص وله أسنان كأسنان المنشار. ومنها أيضاً أداة تسمى المبخرة للتبخير بها عند احتباس دم الطمث والمشيمة، وتصنع من النحاس ويوضع طرفها الرفيع في القُبل والواسع على النار والبخور فوق الجمر. ومدفع الجنين وهو على شكل صنارة يشبك طرفه في الجنين ويدفع به إلى الأمام. واستخدموا المجارد (المكاشط)، وهي آلات تجرد بها الأضراس والأسنان لإزالة الكلس والسواد والصفرة عنها، وبعضها مصمم ليجرد به من الداخل وبعضها من الخارج وبعضها للجرد بين الأسنان والأضراس. ومن المجارد ما يستخدم لكشط العظام، وهي كالمبرد وتسمى المجارد خشنة الرأس، وكل المجارد تصنع من الحديد.




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: الطب    العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 1:23 am



العلوم عند العرب والمسلمين Oouoo10

الجراحون العرب اخترعوا أدوات جديدة، وطوروا تلك التي آلت إليهم من غيرهم.


كما استخدم الجراحون العرب المحاجم والمحاقن. والمحاجم على ثلاثة أشكال: منها الصغير والمتوسط والكبير، وتصنع من النحاس أو من الصيني مدورة أسطوانية تستخدم لقطع النزف، ولا بد أن يكون لدى الطبيب كل المقاسات. وهناك المحجمة النارية والمحجمة المائية؛ فالأولى تصنع من النحاس الأصفر، وفي منتصفها ثقب بمقدار ما يدخل الإبرة يغلقه الحاجم بإصبعه عند الاستعمال، وحالما ينتهي يرفع إصبعه عن الثقب فتنحل المحجمة في الحال. أما المحجمة المائية فليس بها ثقب، وإنما تعبأ بالماء وتوضع على العضو مباشرة، وكلما كان حجمها أكبر استوعبت كثيرًا من الماء الحار أو المخلوط بالأعشاب. أما المحاقن فنوعان؛ كبير وصغير، وتستخدم الصغيرة للأطفال. وتصنع من الفضة أو النحاس أو الصيني. وأعلى المحقن واسع على هيئة كيس توضع فيه المادة المحقونة، وطرفه الأسفل الذي يدخل في الشرج أملس رقيق مصمت. ومنها محقن المثانة وهو صغير لطيف تحقن به المثانة ويصنع من الفضة. يملأ بالسوائل المدفأة ويدخل طرف المحقن في الإحليل ويدفع السائل بالضغط على مؤخرة المحقن ضغطًا شديدًا فيندفع السائل إلى المثانة. ومن الآلات المستخدمة في جراحة المثانة أيضًا المزراقة؛ وهي أداة لتقطير الماء في جوف المثانة، وبها ثلاثة ثقوب: اثنان منها على جانب واحد والثالث على الجانب الآخر، وتستخدم في دفع السوائل أو جذبها من المثانة. وهناك المشعب وهو آلة مثلثة الطرف تصنع من الحديد الصلب ولها مقبض خشبي تستخدم لتفتيت الحصاة في القضيب أو مجرى البول.

استخدم الجراحون أدوات دقيقة لاستئصال الأورام والناسور أو لقطعها؛ من ذلك البريد، وهو أداة كالمسبار تصنع من النحاس الأصفر أو الأبيض أو الرصاص، ويختلف حجمه وشكله باختلاف موضع الورم أو الناسور أو الخراج وحجمه. كما استخدموا المدس وهو آلة كالمرود لجس واستقصاء الأورام. وأنواع المدسات ثلاثة؛ كبير ومتوسط وصغير، ووظيفة المدس أن يُدخل (يدس) في أرطب مكان، ويدار بلطف بين الأصابع ثم ينزع ويفحص ما خرج معه من أنواع الرطوبات. ومما استخدم في جراحة الأورام المشرط، وهو آلة تشق بها الأورام، وهي على ثلاثة أنواع: كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وهي عريضة ذات طرفين أحدهما حاد يستعان به في شق الورم. وهناك المكبس المجوف؛ وهو آلة تصنع من الفضة أو النحاس مسطحة، ووظيفتها كبس اللسان ليتمكن الجراح من رؤية الحلق وكشف أورامه. ومن الأدوات التي استخدموها في جراحة الناسور أيضًا المسبار المثقوب، كانوا يدخلون فيه خيطًا مفتولاً من خمسة خيوط ويربطون به أصل الناسور ويشدونه ويتركونه يومين أو ثلاثة حتى يسقط من تلقاء نفسه. ومن أدوات جراحة الأورام أيضًا الكاوية، وتشبه السكين المعوجة النصل، تكوى بها الأورام التي تنشأ في الأرجل كالفخذين والساقين والأقدام. وكذلك الكاوية المسمارية وتكوى بها بواسير الشرج والرحم. والكاوية الأنبوبية التي تكوى بها الأضراس وهي ذات أشكال متعددة، والكاوية الهلالية الطرف التي تكوى بها الفتوق، وكاوية البطن والكبد وكاويات قطع الشرايين وكاويات المفاصل. والكاوية الزيتونية ويكوى بها الفالج والصداع وعرق النَّسَا، إلى جانب كاويات تستخدم في الشقيقة وأمراض الكلى والمثانة وآلام الظهر.

أما في جراحة العيون والأنف والأذن والحنجرة، فقد استخدموا آلات عديدة. ومن ذلك أنهم استخدموا البريد وهو آلة شديدة الصلابة لثقب الملتحمة دون التعمق في الثقب، ومن ثم يستخدمون المقدح بعد إجراء الثقب. كما استخدموا القصبة في رفع جفن العين أثناء العملية. وكانت تتخذ قصبتان بطول الجفن وتشدان شدًا وثيقًا وتتركان مدة من الزمن حتى تموت الجلدة الزائدة وتسقط من تلقاء نفسها أو تقرض بالمقراض إن استغرقت مدة طويلة ولم تسقط. ومثل القصبة أيضًا مخالب التشمير، وهي آلات كالصنانير تستعمل أيضًا في رفع الأجفان. أما المقادح فهي آلات تشبه المباضع تستخدم في قدح الماء الذي يسيل من العين. كما استخدموا أنواعًا من المقصات في عمليات العيون منها الصغير الذي يستخدم لقطع ما يبقى من الجلد في عمليات الجفون ومقص التعقيم الذي تطهر به جروح العين بعد العملية. أما الشعر الذي ينبت في أشفار العين فكان يُتَخلص منه بوساطة كاوية يبلغ طولها نحو 15سم تسمى الكاوية الآسية لأن كيها على شكل ورقة نبات الآس. وكانت نواسير العين التي تنشأ في المآقي تزال بالكاوية المجوفة، أما استرخاء الجفن ومنطقة مافوق الحاجبين فكان يعالج جراحيًا بالكاوية الهلالية. كما استخدموا آلات الجراحة الرمدية؛ كالمقص ذي الشفرة العريضة والمقراض الذي يلقط السبل من الإكليل، والمنقاش لقطع الثآليل، والملقاط لأخذ الشعيرات الزائدة. ولقطع اللحم الزائد في داخل الأنف استخدموا ما يعرف بالمخرط، كما استخدموا للأنف أيضًا المسعط وهو آلة تقطر الدهن في الأنف، وكان يتخذ من الفضة أو النحاس وهو مسطح ذو مقبض في نهايته. أما ناسور الأنف فقد استخدموا له المنقب، وطرفه حاد مثلث الشكل ومقبضه خشبي مخروط.

ومن الأدوات التي استخدموها في جراحة العظام البيرم؛ وهي تشبه العتلة الصغيرة تصنع من الحديد طولها ثماني أصابع، أما عرضها فيختلف باختلاف حجم الجروح والعظام، وتستخدم لرد العظام المكسورة الناتئة على الجلد وتسويتها. ومنها خشبة الرأس؛ وكانوا يزيلون بها العظم الفاسد؛ وهي ذات رأس مدوَّر وتصنع من الحديد الصلب، وتوضع على الموضع المراد إزالته وتدار حتى يكشط الجزء الفاسد. كما استخدموا نوعًا من المثاقب لثقب العظام بحيث لا يتجاوز عظم القحف إلى الجهة الأخرى، ومن هذه المثاقب الكبير والمتوسط والصغير. ولتسوية خشونة ما يبقى من عظام استخدموا آلة تسمى المقطع العدسي. إلى جانب الأدوات السابقة استخدم الجراحون العرب أدوات أخرى كثيرة.

التخدير والإنعاش. لم تقتصر إضافات العرب في مجال الطب الجراحي على إجراء عمليات لم يُجر مثلها من قبل، واستحداث أدوات جراحية جديدة فحسب، بل إنهم طوروا ما وصل إليهم من علم التخدير والإنعاش ممن سبقهم، ثم اكتشفوا طرقًا أخرى أضافوها لهذا العلم. إن التخدير العام بالاستنشاق أو بالحقن لم يعرف إلا منذ وقت قريب نحو سنة 1260هـ، 1844م. وما انتقل إلى العرب من محاولات التخدير لا يعدو أن يكون واحدًا من ثلاثة أشياء: 1ـ السحر والشعوذة 2ـ التبريد 3ـ إعطاء جرعات من مزيج مخفف للألم عن طريق الفم. ويعود الفضل إلى العرب في اكتشاف المرقِّد (المبنج) العام. وهناك من القرائن ما يدل على أن العرب كانوا أول من استعمل التخدير عن طريق الاستنشاق. وكان ذلك يتم عن طريق الإسفنج المخدر؛ فكانت توضع قطعة من الإسفنج في عصارة من الحشيش والأفيون والزُّؤان، ثم تترك في الشمس لتجف ثم تحفظ. وقبيل بدء العملية تخرج وترطب ثانية، وتوضع فوق أنف المريض وفمه، فتمتص الأنسجة المخاطية المبنجات، فيخلد المريض إلى نوم عميق أثناء إجراء العملية الجراحية. وكان هذا الاكتشاف فتحاً في مجال الطب الجراحي وأكثر رحمةً من المشروبات المسكرة التي استخدمها الهنود والرومان والإغريق، وكانوا يجبرون مرضاهم على تناولها كلما أرادوا تخفيف آلامهم.

وإلى جانب اكتشافهم الكبير، وهو استخدام المرقِّد، جرب العرب أدوية مبنجة أو مخففة للألم لأولئك الذين يخضعون أو خضعوا للعمل الجراحي. من ذلك اللُّفَّاح؛ وهو نوع من النبات غليظ الجذر أصفر طيب الرائحة، كما استخدموا القنب الهندي (الحشيش)، والشوكران؛ وهو عشب سام ذو رائحة غير مقبولة إذا فُرك بالأصابع، والخشخاش؛ وأنواعه كثيرة، والبنج؛ وينتمي إلى الفصيلة الباذنجانية ومعروف بخواصه المبنجة، وحشيشة ست الحُسن. وعلى الرغم من أن مادة الإِثير أدخلت إلى حقل التخدير الاستنشاقي بشكل منتظم منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، فإننا لا نعرف على وجه التحديد أول من اكتشف هذه المادة. إلا أن هناك من القرائن ما يشير إلى أن الفضل في ذلك يعود إلى العرب؛ فالعرب هم الذين اكتشفوا مادة الغول، وهم الذين اكتشفوا حمـض الكبريتيك (الزَّاج الأخضر). ثم أنهم أجروا تفاعلات وعمليــات تقطير بين الغول وحمض الكبريتيك، مما يقوي احتمال أن يكون العرب أول من اكتشف هذه المادة المهمة في التخدير. ولا غرو فإنهم اكتشفوا مادة الكحول وهي المادة الرئيسية لكل المبنجات السائلة والطيّارة المستخدمة في مجال التخدير حاليًا.

أما الإنعاش وإن لم يكن للعرب فيه خبرة واسعة إلا أنهم قد عرفوا مبادئه. فكانوا يدفعون كميات من الهواء عبر الرئتين بالضغط المتناوب، واستخدموا في ذلك المنفاخ. وتدلنا على ذلك القصة التي أوردها ابن أبي أصيبعة في كتاب طبقات الأطباء؛ وذلك أنه لما جاء نعي إبراهيم بن صالح، ابن عم الرشيد، استأذن الطبيب صالح بن بهلة الدخول على إبراهيم وهو في أكفانه ثم ما لبثوا أن سمعوا صوت ضرب بدن بكف ثم تكبيرًا، ثم استدعى صالح الرشيد وأخرج إبرة فأدخلها تحت ظفر إبهام اليد اليسرى للميت فجذب إبراهيم المسجّى يده إلى بدنه، فطلب الطبيب أن يجردوه من كفنه وطلب كندسًا (نوع من الدواء) ومنفخة من الخزانة، ونفخ في أنف إبراهيم لمدة ثلث ساعة، فاضطرب بعدها بدنه وعطس ثم هبّ مستيقظًا.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: طب العيون    العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 1:29 am



العلوم عند العرب والمسلمين Oo_ouo10

صفحة من كتاب "عشر مقالات في العين" لحنين بن إسحاق الذي يعد نقطة انطلاق في علم الكحالة (طب العيون) عند العرب.

طب العيون. كان العرب يطلقون على هذا الفرع من الطب اسم الكحالة، ويسمون المشتغلين به من الأطباء باسم الكحالين. وقد قام العرب بترجمة ما وصلهم من كتب علم الكحالة من الهند واليونان والرومان. وكما فعلوا في حقل الطب الجراحي من حيث تطويره وتطوير الأدوات التي استخدمت فيه، قاموا بتطوير نوع من العمليات لم يرثوه عن أحد من الأمم الأخرى؛ فقد برعوا في قدح الماء الأزرق من العين مع الصعوبة التي تكتنف إجراء مثل هذه العملية حتى اليوم. وكانت نتائج هذه العمليات مضمونة، ويقال إنه لما أصاب الطبيب الرازي العمى، عرضوا عليه أن يجروا له عملية القدح فقال لهم إنه يفضل البقاء أعمى كيلا يرى أناس ذلك الزمان.

وإلى جانب ما توصلوا إليه من إجراء العمليات الجراحية لقدح الماء الأزرق، أجروا عمليات جراحية لقدح الماء الأبيض (الساد). وابتكروا فيها ست طرق كانت إحداها بوساطة المص، وكانوا يستخدمون في ذلك أنبوبًا زجاجيًا رقيقًا يدخلونه من مقدمة العين ويفتتون به العدسة المعتمة ثم تمتص هذه العدسة بعد ذلك. وكانت هذه العملية أحدث عملية جراحية لعلاج الساد آنذاك. وهناك شبه كبير من حيث المبدأ بين تلك العملية والعملية المتطورة التي تجرى الآن رغم الفارق في المعدات. كما ألف العرب العديد من الكتب في طب العيون وجراحتها ومداواتها. ومن أشهر كتب الكحالة كتاب عشر مقالات في العين لحنين بن إسحاق. ويعد هذا الكتاب نقطة الانطلاق في علم الكحالة عند العرب. وتطورت الكحالة على يد اثنين من أشهر الكحالين العرب هما أبو القاسم عمار بن علي الموصلي (ت 400هـ،1010م) وعلي بن عيسى الكحال (ت 430هـ،1039م). وكان الأول خبيرًا في طب العيون وإجراء العمليات الجراحية، وهو من أكثر أطباء العيون العرب ابتكارًا، وألّف كتابًا في أمراض العيون ومداواتها اسمه المنتخب في علاج أمراض العين. وقد مارس مهنته في القاهرة. أما علي بن عيسى فقد اشتهر إلى جانب حذقه مهنة الكحالة بكتابه المعروف تذكرة الكحالين، ومارس مهنته في بغداد. ويعتبره المستشرقون أكبر طبيب للعيون أنجبته العصور الوسطى، وترجموا كتابه إلى اللاتينية مرتين وإلى العبرية. وبيّن ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء أن كتاب علي بن عيسى يحتوي على ثلاث مقالات؛ الأولى في حد العين وتشريحها، وطبقاتها، ورطوباتها، وأعصابها، وعضلاتها، ومن أين نبات كل طبقة منها، ومن أين يأتي غذاؤها، وإلى أين انتهاؤها، وأين موضعها ومنفعتها. أما المقالة الثانية ففي أمراض العين الظاهرة للحس، وأسبابها وعلاماتها وعلاجاتها. والمقالة الثالثة في أمراضها الخفية عن الحس وعلاماتها وعلاجاتها ونسخ أدويتها. أما مجموع ما ألفه من كتب في طب العيون فيبلغ 32 كتابًا. وبلغ مجموع ما وصفه من أمراض العيون في تذكرة الكحالين وحده 130 مرضًا. ولعل إبداع العرب وإجادتهم في هذا المجال يعود إلى كثرة انتشار أمراض العيون في المناطق الحارة. إلى جانب ذلك مارس الكحالون العرب تشريح عيون الحيوانات؛ مما أوقفهم على معلومات قيمة، منها تعرفهم على سبب حركة المقلة والحدقة ¸...وأن حركة المقلة مسببة من انقباض عضلات العين، كما أن حركة الحدقة مسببة عن انقباض وانبساط القزحية...·. ووصف ابن سينا عضلات العين وأعصابها ووظائفها.

ومن المراجع المهمة المحيطة في أمراض العيون كتاب صلاح الدين بن يوسف الكحّال واسمه نور العيون وجامع الفنون صنفه حوالي سنة 697هـ، 1297م. وقد قسمه إلى أبواب في: وصف العين، والبصر، والأمراض، وأسبابها وأعراضها، وحفظ صحة العين، وأمراض الجفون، والملتحمة، والقرنية، والحدقة، وأمراض العين التي لا تقع تحت الحواس، وأدوية العيون. أما أفضل من كتب عن العين من حيث الجانب الفيزيائي فهو الحسن بن الهيثم (ت 430هـ، 1038م)، وامتاز وصفه للعين بالدقة. كما بحث في قضايا البصريات وفي طبيعة النظر، وقال: "إن النور يدخل العين لا يخرج منها، وأن شبكية العين هي مركز المرئيات، وأن هذه المرئيات تنتقل إلى الدماغ بوساطة عصب البصر، وأن وحدة النظر بين الباصرتين عائد إلى تماثل الصور على الشبكيتين...". ومن الكتب التي اشتهرت كتاب ألفه أحد أطباء العيون في مصر، وهو القاضي فتح الدين أبو العباس القيسي (ت 657هـ،1258م) وكان يلقب برئيس الأطباء المصرية. ويحتوى كتابه على 15 فصلاً في علم الرمد. وكذلك كتاب الكافي في الكحل لخليفة بن أبي المحاسن الحلبي وألفه بين عامي 654ـ 674هـ، 1256 ـ 1275م.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: طب الأطفال والولادة   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 1:31 am


طب الأطفال والولادة. عرف العرب الاختصاص الطبي، فكان هناك: الجراح ومجبِّر العظام، وطبيب الأسنان، والحجّام، والفصّاد، والكحّال، والمتخصص في الطب النفسي والعقلي، والبيطري، وأمراض النساء والولادة. وعلى الرغم من أننا لا نجد من اقتصر تخصصه على طب الأطفال، إلا أنهم كانوا ملمين إلمامًا طيبًا بهذا النوع من الطب إلى جانب درايتهم وتخصصاتهم الطبية الأخرى. ومنهم من اشتغل وكتب في هذا الحقل، فمنهم من بحث بطرف في علم الأجنة، والأمراض الوراثية، وهناك من وضع كتابًا خصصه للمولودين في سبعة أشهر وكيفية رعايتهم. كما بحثوا في الإرضاع والمرضع. وكان أول من كتب في طب الأطفال أبوبكر الرازي إلى جانب أنه كتب فصولاً مبتكرة في أمراض النساء والولادة، والأمراض التناسليّة. كما برعوا في دراسة أحوال العقم، وأشاروا إلى أن نوعًا منها ينشأ عن فقدان الوفاق النفسي والطبيعي بين الزوجين. وقالوا إذا انفصل الزوجان اللذان يعانيان هذا النوع من العقم، ثم تزوج كل واحد منهما زوجًا جديدًا فإنهما سينجبان.

الأطفال. اهتم الأطباء العرب بمراحل حياة الطفل منذ مولده، ولم يختلف تقسيمهم هذا كثيرًا عن تقسيم المحدثين. وتعرضوا لذكر أطوار الجنين في بطن أمه، وكيفية العناية به حالما يخرج إلى الحياة. كما حظي موضوع إرضاع الأطفال بنصيب وافر من العناية، فقد كتبوا فصولاً كثيرة في الخصائص التي ينبغي أن تتوافر في المرضع، ولبنها، وما عليها أن تتبعه من غذاء حتى يظل لبنها مغذيًا وصحيًا. وتحدثوا عن الأمراض التي تصيب الأطفال؛ كالإسهال والربو والبول في الفراش، والتشنج، والحَوَل، والقروح، والخراجات، والبثور، والتسنين، والقلاع، وأنواع الديدان، والأعصاب (شلل الأطفال)، والحُمَّيَات بأنواعها، والكزاز، وآلام الأذنين والعينين. ويعتبر كتاب الطبيب العربي أبو الحسن أحمد بن محمد الطبري (ت366هـ، 976م) أقدم مخطوط عربي موجود لدينا في طب الأطفال، نظرًا لعدم توافر نسخة عربية من مؤلف الرازي السابق، الذي توجد له ترجمات بالإيطالية والإنجليزية وقديمًا بالعبرية واللاتينية.

إلى جانب اهتمام الأطباء العرب وعنايتهم بالأطفال الذين يولدون لسبعة أشهر، اهتموا كذلك بالمواليد منذ الوهلة الأولى لمقدمهم، ولا يختلف كلام ابن سينا في هذا الصدد كثيرًا عما يستقبل به الطفل في المستشفيات الحديثة. فيذكر ابن سينا في الفصل الأول من الكتاب الأول من القانون ¸أن أول ما ينبغي على الطبيب عمله أن يبدأ بقطع السُّرة نحو أربع أصابع ويغسل جسمه، ويلبس ويقطَّر في عينيه وينظف منخره. وينبغي أن يوضع في مكان معتدل الهواء ليس ببارد ولا حار… ويجب أن يكون إحمامه بالماء المعتدل صيفًا وبالماء المائل إلى الحرارة غير اللاذعة شتاءً… ثم يقطر في أنفه الزيت العذب·. وأجمعوا على أن لبن الأم أفضل أنواع الحليب للطفل، وهذا ما يقرره الطب الحديث. وتطرقوا إلى نوع الغذاء الذي ينبغي أن تتناوله المرضع أثناء فترة الرضاعة، بحيث يكون ما تتناوله ذا قيمة غذائية متوازنة ومدرًا للبن ¸… فيجب أن يُعتنى بغذائها فيجعل من الحنطة ولحوم الخرفان والجداء والسمك·. كما نصحوا المرضع بالتوقف عن الإرضاع في أحوال معينة؛ كتعرضها لمرض مؤلم أو معد، أو إسهال شديد، أو احتباس للبول أو إمساك. كذلك تتوقف عن الرضاعة إذا أدت الضرورة أن تتناول دواء قوي المفعول حتى لا يتأثر الطفل بذلك، وهذا ما يؤيده الطب الحديث.

أما مدة الإرضاع، فقد حددوها بعامين، ولعلهم اهتدوا في ذلك بما ورد في القرآن ﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة﴾ البقرة: 233. واشترطوا أن يكون الفطام في موسم اعتدال الطقس، فلا يكون في الصيف القائظ ولا الشتاء القارس. وهذا ما يؤيده الطب الحديث أيضًا؛ إذ إن ذلك يجنب الطفل الإصابة بالنزلات المعوية، حيث تقل كفاءة الجهاز الهضمي للطفل. ويجب أن يكون الفطام تدريجًيا كما يقول ابن سينا: "إذا جعلت ثناياه تظهر، نُقِل إلى الغذاء الذي هو أقوى بالتدريج من غير أن يعطى شيئًا صلب المضغ، ثم إذا فطم نقل إلى ما هو من جنس الحساء واللحوم الخفيفة، ويجب أن يكون الفطام بالتدريج لا دفعة واحدة". كما أشاروا إلى أنه ينبغي إذا تدرّب الطفل على المشي فلا يُمَكّن من الحركات العنيفة، "ولايجوز أن يحمل على المشي والقعود قبل انبعاثه إليه بالطبع؛ فيصيب ساقيه وصلبه آفة".

النساء والولادة. تناول الأطباء المسلمون الأمراض التي تعرض للنساء تناولاً ينم عن سعة اطلاع وعمق استنتاج. فقد تحدّثوا عن اضطرابات الطمث والدورة الشهرية، والآلام المرافقة لذلك، وتشريح الرحم وأمراضه. وكتب الرازي في أمراض النساء والولادة، وضمَّن ابن سينا الجزء الثالث من قانونه الحادي والعشرين كلامًا مفصلاً عن أمراض النساء والولادة بما في ذلك مختلف الأمراض التي تعرض للرحم ومسبباتها، والحامل وما يعتريها أثناء الحمل والولادة. ونجد في الفصل الأول من المقالة الأولى وصفًا تشريحيًا دقيقًا للرحم، وأنه "آلة التوليد التي للإناث... وليس يستتم تجويفها إلا عند استتمام النُّمو... لأنه يكون قبل ذلك معطلاً ولا يحتاج إليه... وموضعها خلف المثانة... ومن قدام المعى، وطولها المعتدل في النساء ما بين ستة أصابع إلى أحد عشر إصبعًا... والرحم تغلظ وتثخن وكأنها تسمن، وذلك في وقت الطمث، ثم إذا طهرت ذبلت ويبست. ولها أيضًا ترفق مع عظم الجنين، وانبساطها بحسب انبساط جثة الجنين. ورقبة الرحم عضلية وفيها مجرى محاذية لفم الفرج... ومنها تبلغ المني، وتقذف الطمث، وتلد الجنين، وتكون في حالة العلوق في غاية الضيق" وشرح ابن سينا وغيره آلية الولادة وكيفية خروج الجنين طبيعيًا بنزول رأسه أولاً، والولادة غير الطبيعية ـ القيصرية ـ بخروج الرجلين أولاً. وقد أجرى الأطباء المسلمون عمليات قيصرية ناجحة. وكتبوا عن العقم وأسبابه، وعزوه إلى أسباب في الرجل وأسباب في المرأة. وعزاه ابن سينا إمّا لسبب "في مني الرجل أو مني المرأة، وإما في أعضاء الرحم، وإما في أعضاء القضيب وآلات المني. أو السبب في المبادئ، كالغم والخوف والفزع، وأوجاع الرأس وضعف الهضم والتخمة وإما لخلط طارئ". قالوا إن من العقم ما يعود إلى العوائق الآلية في عنق الرحم من تشنج أو تضييق أو بسبب ندب، أو انسداد، أو انقطاع الطمث، أو انقلاب الرحم، أو أمراض الرحم من ورم وقروح وزوائد لحمية. ومن هذا القبيل ما قال به ابن سينا "أما السبب في الرحم فإما سوء مزاج مفسد للمني أو مُضْعِف للقوة الجاذبة للمني ... أو مانع إياه عن الوصول لانضمام من الرحم. أو التحام من قروح أو لحم زائد ثؤلولي... أو يعرض للمني في الرحم الباردة الرطبة، ما يعرض للبذور في الأراضي النزَّة، وفي المزاج الحار اليابس ما يعرض في الأراضي التي فيها نورة مبشوشة، وإما لانقطاع المادة وهو دم الطمث... وإما لميلان فيه (أي الرحم)، أو انقلاب... أو لشدة هزال البدن... أو آفة في الرحم ومن ورم وقروح... وزوائد لحمية مانعة". أما السبب عند الرجل فقد أرجعوه إلى ضعف أوعية المني أو ضعف قوتها المولدة للمني، أو بسبب قصر القضيب نفسه، أو لاعوجاجه فلا يزرق المني في فم الرحم. والمتمعن في كل ما سبق، يجد أن معظم ما وصفه الأطباء العرب من أسباب للعقم، قال بها العلم الحديث وزاد عليها من واقع التطور.

بحث الأطباء المسلمون أيضًا في الحمل والوضع، وتطور الجنين داخل الرحم بعد الإخصاب، وشكاوى الحمل ومخاطره والتغيرات التي تطرأ على الحامل، ووجوب مكافحة الإمساك بالملينات لا المسهلات، وأنواع الأطعمة التي ينبغي أن تتناولها الحامل، والابتعاد عن اضطرابات المعدة، وبضرورة ممارسة نوع من الرياضة المعتدلة المتمثلة غالبًا في المشي دون إفراط، واجتناب الحركة المفرطة، والوثب، والضرب، ومراعاة الجانب النفسي لديهن "ولا يورد عليهن ما يغمهن ويحزنهن، ويبعد عنهن جميع أسباب الإسقاط وخصوصًا في الشهر الأول... ويجب أن تشتد العناية بمعدتهن". كما شخصوا أعراض مانسميه الآن بالحمل الكاذب (الرحا). وبينوا الصفات التشريحية المرضية له، فمثلاً يقول ابن سينا: "إنه ربما تعرض للمرأة أحوال تشبه أحوال الحبالى من التباس دم الطمث وتغيير اللون وسقوط الشهوة، وانضمام فم الرحم. ويعرض انتفاخ الثديين وامتلاؤهما وربما عرض تورمهما، وتحس في بطنها بحركة كحركة الجنين وبحجم كحجم الجنين... وربما عرض طلق ومخاض ولا يكون مع ذلك ولد؛ وربما كان السبب فيه تمددًا وانتفاخًا في عروض الطمث، ولا تضع شيئًا".

تحدث الأطباء المسلمون عن عسر الولادة، وبينوا أن ذلك يعود إلى واحد من: 1ـ الحامل، 2ـ الجنين، 3ـ الرحم، 4ـ القابلة، 5ـ أسباب أخرى. وبينوا تفاصيل مسؤولية كل واحد منها في عسر الولادة. وبحثوا في أنواع أمراض الرحم من أورام حميدة وخبيثة، وهبوط الرحم وتشوهاته وسيلاناته ونزفه. ولم تغب عنهم الأدوية التي تعالج كلاً من هذه الأمراض سواء أكانت عقاقير عشبية، أم حِمْيات غذائية أو أبخرة أو مسهلات منقية. وتكلم ابن سينا بإسهاب عن آفات وضع الرحم وأورامها. ونتوء الرحم وانقلابها وميلانها واعوجاجها، وكذلك الورم الحار في الرحم والورم البلغمي والورم الصلب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: الطب النفسي   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 1:35 am



الطب النفسي. لم يقتصر الطب عند العرب والمسلمين على العلاج العضوي فحسب، بل تعدّاه إلى العلاج النفسي. وكانوا يرون الوهم والأحداث النفسية من العلل التي تؤثر في البدن. لذا نجد أن إخوان الصفا أشاروا إلى إعطاء المريض الفرصة ليسرد أحوال علّته وأسبابها كما يشعر بها هو، ثم يشرع الطبيب بعد ذلك في محاولة إزالتها ورفع الوهم المسيطر على المريض والتقليل من شأن المرض. وقد خصص الأطباء جناحًا في كل مستشفى كبير للأمراض العصبية والعقلية. وأشار الرازي إلى أهمية العامل النفسي في العلاج، وكان أول طبيب يتوصل إلى الأصول النفسية لالتهاب المفاصل الروماتيزمي. وقد فرق بينه وبين مرض النقرس. انظر: النقرس. وقرر أنه مرض جسدي في ظاهره إلا أنه ناشئ عن الاضطرابات النفسية، وأن أكثر من تظهر عليهم هذه الأعراض من أولئك الذين يكظمون الغيط؛ وبتراكمه يتعرضون لهزات نفسية كبيرة. بل إن الرازي رأى أن بعض أنواع سوء الهضم تنشأ عن أسباب نفسية؛ فقد "يكون لسوء الهضم أسباب بخلاف رداءة الكبد والطحال، منها حال الهواء والاستحمام ونقصان الشرب، وكثرة إخراج الدم والجماع والهموم النفسانية. وينبغي للطبيب أن يوهم المريض بالصحة ويُرجّيه بها، وإن كان غير واثق بذلك. فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس". وكتب بعض الأطباء رسائل ومؤلفات في الصحة النفسية، فكتب ابن عمران كتابًا عن المالنخوليا، كما كتب ابن ميمون (ت 415هـ، 1024م) رسالة سماها الرسالة الأفضلية تبحث في الحالات النفسية المختلفة كالغضب والسرور والحزن وأثرها في الصحة، وأشار إلى أن علاجها يتم برياضة النفس وتقويتها. وتدل هذه الرسالة على أنه قد أدرك فائدة تسخير قوى النفس في علاج أمراض البدن. وقد كان المجال الذي سلكه أبوعمران موسى بن ميمون في الطب النفسي نقلة نوعية نستشفها من قول الشاعر:

أرى طب جالينوس للجسم وحده وطب أبي عمران للعقل والجسم


كما أدلى ابن الهيثم بدلوه في هذا الشأن عند حديثه عن الموسيقى، فقد كتب عن تأثير الموسيقى في الإنسان والحيوان. ومما يُسجَّل للطبيب العربي في هذا المجال سبقه في استخدام الموسيقى والإيحاء في علاج الأمراض النفسية، وليس بعيدًا أن يكون هناك أطباء عرفوا مبادئ التحليل النفسي ووقفوا من خلاله على عدد من الحقائق المرضية. فنجد أن ابن سينا قد عالج في جرجان أحد أبناء الأمراء بعد أن استعصى علاجه على جميع الأطباء. وتوصل عن طريق الاستقصاء إلى أن الفتى لم يكن به أي مرض عضوي وأنه مشغوف بإحدى فتيات حي معين. وبملاحظة اضطراب نبض الفتى توصل ابن سينا لمعرفة اسم الحي واسم الفتاة. ونظير ذلك ما تردد من قصة علاجه أحد أمراء بني بويه الذي كان قد أصيب بمرض عصبي امتنع معه عن تناول الطعام، وتوهم أنه صار بقرة وينبغي ذبحه. فلما عُرِض عليه أخذ شفرة حادة، وتقدم نحو الأمير وأضجعه موهمًا إياه أنه يريد ذبحه وهو مستسلم. وعند لحظة معينة صاح ابن سينا بصوت مرتفع "هذه بقرة نحيفة هزيلة، أعلفها أولاً حتى تسمن". وهنا بدأ الأمير في الأكل بشراهة، وكان ابن سينا يدسّ في طعامه الدواء حتى تم له الشفاء. وقد عزا ابن سينا بعض حالات العقم إلى عدم التوافق النفسي بين الزوج والزوجة. وممن اهتموا بالبحث في الأمراض النفسية أبوالبركات هبة الله ابن ملكا (ت 561هـ، 1165م). وقد حاول جادًا استحداث علاج لها، ونجح في ذلك إلى حد أدهش علماء الطب في القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، وصارت نظرياته في هذا الميدان متداولة بين أطباء العالم في زمانه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: التشريح.   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 1:40 am



العلوم عند العرب والمسلمين Ooouso10

التشريح كان عدة الطبيب الجراح. لم يقدِم الجراحون المسلمون على تشريح الجسد البشري، وإن كان بعضهم قد فعل ذلك سرًا، لكنهم شرحوا الحيوانات خاصة الخيل والظباء.

كان التشريح عُدّة الطبيب الجراح. وصرّح الأطباء المسلمون أن الجراح ينبغي أن يكون عالمًا بالتشريح، ووظائف الأعضاء ومواضعها "ليجتنب في فتح المواد قطع الأعضاء وأطراف العضل والأوتار والألياف". ولا شك أن الجراحين المسلمين اعتمدوا كثيرًا في فقههم الجراحي على ما ترجموه من اللغة اليونانية وبخاصة كتاب جالينوس الذي ترجم بعنوان قاطاجانس في الجراحات والمراهم. وكانت معرفة الجراحين بهذا الكتاب أمرًا إلزاميًا، لأن الطبيب ينبغي أن يكون واعيًا بكيفية فتح البدن والخياطة واستعمال المراهم وعيًا كاملاً. ومن الكتب الأخرى التي ترجمها المسلمون لجالينوس في التشريح: اختصار كتاب مارنيس في التشريح؛ في تشريح الحيوان الحي؛ في تشريح الحيوان الميت؛ علم أبقراط في التشريح؛ تشريح الرحم؛ تشريح العين؛ تشريح آلات الصوت. وقد ساعدت هذه الترجمات وغيرها المسلمين في علم التشريح ومنافع الأعضاء، ثم استفادوا منها في علم الجراحة. وكان على رأس الاختبارات التي يؤديها الطبيب اختبارًا في علم التشريح يسمى محنة. فعلى سبيل المثال، يقول الرازي في كتابه محنة الطبيب: "فأول ما تسأله عن التشريح ومنافع الأعضاء، وهل عنده علم بالقياس وحسن فهم ودراية في معرفة كتب القدماء، فإن لم يكن عنده ذلك، فليس بك حاجة إلى امتحانه في المرضى. وإن كان عالمًا بهذه الأشياء، فأكمل امتحانه حينئذ في المرضى". وقد برع ابن طفيل (ت 581هـ،1185م) في تشريح الأجسام الميتة والحية؛ وقد شرَّح ظبية حيّة وشق عن قلبها، وذكر أن الدم الموجود في القلب كالدم الموجود في سائر الجسد، وأنه متى سال من الجسم جمد.

شرَّح الأطباء المسلمون عيون الحيوانات، واكتسبوا من ذلك خبرة. وقد وضع ابن عيسى رسالة في تشريح العين وأمراضها الظاهرة والباطنة، ترجمت إلى اللاتينية، وكانت ذات أثر بالغ إبان ما اصطلح عليه في أوروبا القرون الوسطى.

ولم يقْدم الأطباء المسلمون على عمليات تشريح الجسد البشري، ولعل ذلك يعود إلى أسباب دينية أو إنسانية أو اجتماعية. لكن هناك من يقولون إن بعضهم قد مارس ذلك سرًّا، ويستدلون على ذلك بدليلين؛ أولهما أنهم وصفوا أجزاء الجسم البشري ـ كالعين والقلب والكبد ـ وصفًا بالغ الدقة، وثانيهما أنهم خرجوا بآراء تخالف آراء كثير من الأطباء اليونانيين، وبينوا خطأهم في بعض ما ذهبوا إليه. فعلى سبيل المثال، نجد أن ابن النفيس ينتقد آراء جالينوس في التشريح، وكذلك آراء ابن سينا الذي قال بآراء جالينوس؛ فقد وجد من خلال تشريحه للقلب والحنجرة أن هناك صلة بين التنفس والنبض، أو بين التنفس وانتقال الدم إلى القلب من الرئتين. فأظهر أخطاء جالينوس وابن سينا فيما يختص بتركيب الرئتين ووظيفتهما، وكذلك وظيفة الأوعية الشعرية التي تربط بين الشرايين والأوردة ووظيفة الحويصلات الرئوية والعروق الممتدة بين الرئة والقلب.

ويمكن إيجاز مآثر الأطباء المسلمين وعلى رأسهم ابن النفيس في مجال التشريح فيما يلي:

1ـ اكتشاف الدورة الدموية الصغرى التي تجري في الرئة ويمر الدم خلالها من الشريان الرئوي إلى القلب. وقد يكون هذا الاكتشاف هو الذي مهد الطريق لوليم هارفي ليكتشف الدورة الدموية الكبرى.

2ـ نقل مؤلفات جالينوس وحفاظهم عليها وعدم اتباعهم له في كل ما أتى به، بل درسوه بوعي وأضافوا إليه وخالفوه فيما وجدوا أنه الأصوب.

3ـ الوقوف على تركيب الرئة والأوعية الشعرية، ووصف الشريان الإكليلي ووصف الدورة الدموية فيه، وإثبات أن للقلب بطينين فقط

4ـ إثبات عدم وجود أي هواء أو رواسب مع الدم في شرايين الرئتين ـ مخالفين رأى جالينوس.

5ـ انتقدوا وصف جالينوس للهيكل العظمي؛ فقد بين عبداللطيف البغدادي (ت 619هـ، 1222م) أن الفك الأسفل قطعة واحدة وليس قطعتين بعد أن فحص أكثر من 2,000 جمجمة بشرية

6ـ اكتشف ابن القف (ت 685هـ،1286م) عدد الأغشية القلبية ووظيفتها واتجاه فتحاتها لمرور الدم

7ـ معرفتهم أن الدم يجري إلى الرئتين حيث يتجدد، ويتشبع بالهواء وليس لمدِّهما بالغذاء؛ وهذا ما أكده وليم هارفي فيما بعد.

8ـ وصف علي بن عباس المجوسيّ الدورة الدموية في الأوعية الشعرية أثناء شرحه لوظيفتي الانقباض والانبساط، وكان وصفه دقيقًا إلى حدّ كبير

9ـ تأكيدهم على وجود اتصال بين الشرايين الموجودة في الرئتين وأوردتهما حتى تتم الدورة الدموية داخل الرئة

10ـ ملاحظة أن "تشريح العروق الصغار في الجلد يعسر في الأحياء لتألمهم، وفي الموتى الذين ماتوا بسبب أمراض تقلل الدم كالإسهال والنزف، ويسهل فيمن مات بالخنق..." وهذا قريب مما يؤكده علم الأمراض (الباثولوجيا) حاليًا.

11ـ اكتشاف أن جدران أوردة الرئتين أغلظ كثيرًا من جدران شرايينها، وأنها تتألف من طبقتين

12ـ البراعة في تشريح العيون وإجراء العمليات فيها، وبيّن ابن سينا أن العضلات "المحركة للمقل ست؛ أربع منها في جوانبها الأربعة فوق وأسفل المآقي"، وقال ابن النفيس: "إن العين آلة للبصر وليست باصرة، ومنفعة هذه الآلة تتم بروح مدرك يأتي من المخ. وهذا ما أثبته العلم حاليًا؛ حيث ينقل العصب البصري الصورة إلى الدماغ الذي يقوم بدوره بتفسير المرئيات

13ـ مخالفتهم رأي جالينوس الذي يقول بوجود فتحة في جدار القلب الفاصل بين البطينين، وتوضيح أن الدم يجري في القلب ويدور فيه دورة كاملة، ويتدفق في أوردة الرئتين لينتشر فيهما ويتحد مع الهواء فيتخلص مما فيه من شوائب، ثم يجري في شريان الرئتين ليصل إلى البطين الأيسر بعد امتزاجه بالهواء.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: الأمراض والعلاج.    العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 1:45 am



العلوم عند العرب والمسلمين Ououuo10

الشقفة مرض وصفه ابن العين زربي في إحدى صفحات كتابه الكافي في القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي

الأمراض والعلاج. للمرء أن يتخيل القدر الكبير من الأمراض المستوطنة والطارئة في أمة امتدت حدودها من الصين شرقًا إلى الأندلس (أسبانيا) غربًا. هذا إلى جانب المسمَّيات العديدة للمرض الواحد وذلك باختلاف الأمصار التي حلّ بها المسلمون. فعلى سبيل المثال يذكر ابن العين زربي (ت 548هـ،1153م) في خاتمة مقالته عن الشقفة ويسمى الآن الجمرة والخزفة "اعلم أن هذا المرض الذي شاهدناه يعرض في أكثر البلاد مثل أرض الشام والعراق وخراسان ومصر وأرض المغرب، ويسمونه بالشقفة، وقد يسمونه خزفة، وقد يسمى بأرض المغرب إسفنجة، وإنما هو ورم حار... يبتدئ صغيرًا كالدُّمَّل... ثم تتفقأ تلك البثور...".عرَّف الأطباء المسلمون المرض بأنه حالة يكون فيها العضو في الجسم فاشلاً جزئيًا أو كليًا عن أداء وظيفته. وحصروا أسباب الأمراض وأعراضها. ومعظم من صنف منهم في الأمراض العامة وعلاجها، كان يبدأ من أمراض الرأس متنقلاً عبر الجسم حتى يصل القدم. أما الذين كتبوا كتابات تخصصية فكانوا يكتبون إما عن مرض بعينه وكيفية علاجه، أو عما يصيب عضوًا معينًا في الجسم كالأمراض التي تصيب الرأس، والتي تعرض للعين أو الأذن أو البطن... إلخ. فعلى سبيل المثال، كتب ابن العين زربي حول الأمراض الجلدية وتناول فيما تناول مرض الشقفة؛ وهي الآن تعد من القروح الناتجة عن إصابة الجلد بعدوى جراثيم المكورات العنقودية (نوع من البكتيريا). ومن أمثلة التصانيف المتخصصة كتاب عشر مقالات في العين لحنين بن إسحاق، ويذكر فيه الأمراض التي تصيب العين والأدوية التي تعالج هذه الأمراض وأنواعها؛ المفردة منها أو المركبة، وطريقة تحضير المراهم.

يورد الرازي في كتاب الحاوي نماذج مما ينبغي اعتماده في تشخيص الأمراض من مثل "جس النبض، ومراقبة درجة الحرارة، والرَّعشة، واحتقان الوجه، والعينين، والتنفس، والأظافر". أما ابن سينا فيولي في القانون أهمية لفحص البول وتغيُّر لونه، ومدى صفائه ورائحته، ويوصي الأطباء في المستشفى بضرورة مراقبة المريض بدقة، وتدوين الملاحظات التي تطرأ عليه، وتعليق البيانات على سريره. وفي مجال العلاج النفسي، ركزوا على ضرورة دراسة الأحوال العائلية والمادية والاجتماعية للمرضى، وكان علي ابن عيسى البغدادي يستقصي تاريخ المرض عند المريض بسؤاله عن الأمراض التي أصيب بها في حياته. ويصف الرازي مرض ذات الجنب وذات الرئة وكيفية مداواتهما، وفرّق بين الألم الذي يسببه القولنج والذي تسببه الكلى، وعالج التهاب اللوزتين. كما ميّز ابن سينا بين الشلل الناجم عن سبب مركزي في الدماغ، والآخر الناجم عن سبب محلي خارج الدماغ، وميّز بين الالتهاب السحائي الحاد والثانوي. وشخص الالتهاب الرئوي، والأمراض المختلفة التي تعرض للكبد، ووصف المغص المعوي والكلوي. كما اكتشف أبو الحسن علي بن سهل الطبري (ت 366هـ، 976م) لقاحًا ضد داء الجرب، وقد عالج الأطباء المسلمون الشلل والنزف بالأدوية المبردة وبالماء البارد. وعالجوا خلع الكتف بطريقة تشبه إلى حد كبير الطريقة الجراحية الحديثة. وكان لسان الدين بن الخطيب أول من أشار إلى أن الطاعون مرض مُعْدٍ؛ ينتقل عن طريق العدوى من شخص إلى آخر. ويتبين من مؤلفات ابن التميمي أنه "... عمل عدة معاجين ولخاخ طبية ودخنًا دافعًا للوباء..."، وكان هذا الدخن الدافع للوباء هو الذي أوحى للأطباء فيما بعد بفكرة استعمال التبخير لقتل الجراثيم. وكان للأطباء المسلمين السبق العلمي حين وصفوا الجذام، وأمراض العيون، واستعمال الماء البارد في علاج التيفوئيد.

اتبع الأطباء المسلمون إلى جانب العزل في المستشفيات أساليب متنوعة أخرى في العلاج. فكانوا يدرسون سير المريض اليومي، ويلاحظون المريض من حيث تنفسه ولون بوله ورواسبه وبرازه، ونبضه، ولون جلده وأظافره، وقياس درجة حرارته. ويراقبون تقدم حاله مع استخدام العلاج الموصوف؛ كل هذا يُعرف اليوم بالفحص السريري.

يعد الرازي أول من وصف الجدري والحصبة بوضوح، ويعتبر كتابه الحاوي بمثابة سجل دقيق لملاحظاته على مرضاه وسير المرض لديهم. كما أن ابن زهر كان أول من وصف خُرّاج الحيزوم والتهاب التامور الناشف والانسكابي، وكان دقيق الوصف للحوادث السريرية. والأطباء المسلمون أول من لفت الأنظار إلى شكل الأظافر لدى مرضى السل. وكان ابن سينا في كتابه القانون في الفصل الخاص بالديدان المعوية، أول من أشار إلى دودة الإنكلستوما والمرض الذي تسببه والذي سمَّاه الرهقان (الإنكلستوما). وقد سمى ابن سينا هذه الدودة باسم الدودة المستديرة، وهي التي أعاد دوبيني اكتشافها في إيطاليا عام 1254هـ، 1838م. ووصف ابن سينا مرض الفيل (الفيلارية) وانتشاره في الجسم، كما كان أول من وصف النار الفارسية (الجمرة الخبيثة).

يُحمد للأطباء المسلمين تمييزهم بين الأمراض ذات الأعراض المتشابهة؛ مما ساعدهم على علاجها، فقد ميزوا بين الالتهاب الرئوي والتهاب البلورة، وبين الأخير والتهاب الحجاب الحاجز، وبين الالتهاب السحائي الأولي والثانوي، وبين المغص المعوي والكلوي، وبين الشلل الناتج عن سبب مركزي والناتج عن سبب خارجي.

حافظ الأطباء المسلمون، في كتاباتهم عن الأمراض العقلية وعلاجها، على روح علمية صادقة تؤازرها الملاحظة والتجربة، فلم يعزوا ـ كما فعل أطباء الحضارات التي سبقتهم ـ تلك الأمراض إلى التأثيرات الخارجة عن النطاق الطبيعي كعمل الأرواح الشريرة التي أتت بهذه الأمراض عقابًا لآثام البشر، بل نجد استقراء وتشخيصًا ومعالجة في الحدود الطبيعية لجسم المريض وظروفه البيئية والاجتماعية التي تؤثر فيه.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: المستشفيات   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 2:19 am



العلوم عند العرب والمسلمين Uooouu10

المستشفيات. كان يطلق عليها البيمارستانات، وكانت أحد المظاهر المهمة لتقدم الرعاية الطبية لدى المسلمين. وقد عرف العالم الإسلامي هذه المستشفيات منذ عهد الرسول ³ وبالتحديد إبان غزوة الخندق (5هـ، 627م)؛ عندما أمر بضرب خيمة متنقلة للصحابية رفيدة بنت سعد الأسلمية، وكانت أول مستشفى حربيًا متنقلاً لتطبيب الجرحى. وعرف المسلمون نوعين من البيمارستانات: المتنقلة والثابتة. وكانت المتنقلة منها أسبق، وكانت تنقل من مكان إلى آخر في ضوء الحاجة إليها كانتشار الأوبئة أو بسبب الحروب كما حدث في غزوة الخندق. وكانت هذه البيمارستانات تجهز بمعظم مستلزمات المستشفى الثابت من حيث الأدوات والعقاقير والطعام والشراب والأطباء، وكانت تنقل من منطقة إلى أخرى حيث لا توجد بيمارستانات ثابتة. وبتطور شكل الدولة صارت تصحب الملوك والأمراء في رحلاتهم للقنص والحج وخلافهما. وبلغت ضخامة بعض هذه البيمارستانات أن كانت تحملها قافلة من الإبل مكونة من 40 جملاً. وكان السلطان الظاهر برقوق (ت 801هـ، 1398م) يصطحب مستشفى محمولاً كبيرًا جدًا. وظهرت فكرة المستشفيات المتنقلة بشكلها المنتظم في العهد العباسي؛ ففي عهد الخليفة المقتدر تأسس أول مستشفى مدني متنقل ليعالج المرضى في شتى مناطق الخلافة.

أما المستشفيات الثابتة بشكلها المكتمل فقد عرفت لأول مرة في عهد الوليد بن عبدالملك (88هـ، 706م) وجعل فيها الأطباء وأجرى لهم الأرزاق، وأمر ببناء مستشفى لمعالجة المجذومين وحبسهم حتى لا يمدوا أيديهم بالسؤال، وخصص لكل ضرير دليلاً ولكل مُقعد خادمًا. وباتساع رقعة الدولة الإسلامية كثرت البيمارستانات الثابتة لا سيما في المدن الكبرى مثل بيمارستان هارون الرشيد في بغداد، وكان يرأسه ماسويه الخوزي، من أطباء بيمارستان جنديسابور. وكان بها أيضًا بيمارستان البرامكة، وكان يقوم بالطبابة فيه ابن دهني، وبيمارستان ابن طولون، وهو أول مستشفى من نوعه في مصر، وكان ممنوعًا فيه علاج الجنود والمماليك، وكان أحمد بن طولون يشرف بنفسه عليه ويزوره كل يوم جمعة. ومن أهم البيمارستانات التي أنشئت في مصر: زقاق القناديل، العتيق، القشايش، السقطيين، الناصري، الإسكندرية، الكبير المنصوري، والمؤيدي. ومن أهمها في الشام البيمارستان النوري الكبير، والقيمري، وآراغون، وأنطاكية، وحماة، والقدس، وعكا. وازداد عدد هذه البيمارستانات في عهد الأيوبيين والمماليك خاصة في الشام والعراق. ويعود ذلك إلى الظروف التي طرأت بسبب الحروب الصليبية، ولم تخل بلدة آنذاك من مستشفى متنقل أو ثابت.

العمل في البيمارستانات. كانت البيمارستانات تقسم إلى قسمين منفصلين؛ أحدهما للذكور والآخر للإناث. وكان كل قسم مجهزًا بما يحتاج إليه من آلات وخدم ومشرفين من الرجال والنساء. وينقسم كل قسم من هذين القسمين إلى قاعات تخصصية؛ فهناك قاعة للأمراض العقلية، وقاعة للأمراض الباطنية، وقاعة للجراحة، وقاعة للكحالة، وقاعة لتجبير العظام وقاعة للبرص. وكانت كل قاعة مقسمة بدورها لتخصصات أدق؛ فقاعة الأمراض الباطنية، على سبيل المثال، بها قسم للحُمَّيَات، وقسم للمبرودين (المتخومين)، وقسم للإسهال… وهكذا.

وكانت هذه البيمارستانات فسيحة جيدة البناء وباحاتها الداخلية وأبهاؤها واسعة، وكانت تعتمد على الأوقاف في نفقاتها؛ سواء ما ينفق على المرضى أو الأطباء أو الطلاب. وكانوا يسجلون هذه الأوقاف في حجج مكتوبة ينقشونها على حجارة للتأكيد على توثيقها. وكان الماء فيها جاريًا بصورة مستمرة، ولكل بيمارستان رئيس يطلق عليه ساعور البيمارستان، ولكلّ قسم رئيس؛ فهناك رئيس للجرائحية (الجراحين) ورئيس للكحالين ورئيس للأمراض الباطنة.

وألحقت بكل مستشفى شرابخانة (صيدلية) سميت في عصور لاحقة أجزخانة، لها رئيس يسمى المهتار؛ أي الشيخ الصيدلي، يساعده غلمان يطلق على كل واحد منهم شراب دار. وكان لكل بيمارستان ناظر يشرف على الإدارة. ومن الوظائف المهمة في البيمارستان رئيس الأطباء، ويرأس مجموعة الأطباء، ويأذن لهم بالتطبيب، ويحدد لهم مواعيد تناوب العمل، ويحدد لكل طبيب موعدًا معلومًا لزيارة القاعة التي يعالج فيها مرضاه. وتأتي بعد وظيفة رئيس الأطباء وظيفة رئيس التخصص؛ كرئيس الكحالين الذي يرأس أطباء العيون وسلطته عليهم كسلطة رئيس الأطباء، ورئيس الجرائحية الذي يرأس الجراحين ومجبري العظام. وكان هؤلاء الأطباء مقدمين، يكرمهم الخلفاء والأمراء والوجهاء ويغدقون عليهم، ولم يمنع هذا الإكرام الكثيرين من العمل في البيمارستانات احتسابًا لوجه الله.

إلى جانب الصيدلية الملحقة بالبيمارستان، كان لكل بيمارستان حمام عام ومكتبة، ومكان يخصص لرئيس الأطباء يقوم فيه بإلقاء الدروس على الطلاب. وكانت هذه البيمارستانات تستقبل المرضى من مختلف الأجناس والطبقات من الذكور والإناث، من المسلمين وغيرهم، وتوفِّر للمريض إقامة كاملة تتضمن المأوى والطعام إلى جانب الرعاية الطبية دون مقابل. والمتَّبع في هذه البيمارستانات أنه بمجرد السماح للمريض بالدخول، تنزع ثيابه وتحفظ في مكان خاص إلى أن يخرج معافىً، ثم يمنح ثيابًا أخرى نظيفة، ويظل فيه إلى أن يبرأ تمامًا. وعلامة ذلك أن يستطيع أكل رغيف كامل من الخبز وفرُّوج (دجاجة) ثم يخرج برازًا كاملاً. بعد ذلك يعطى صدقة البيمارستان؛ ثوبًا وبعض المال، حتى يخلد إلى الراحة في فترة النقاهة ولا يضطر للعمل.

كانت البيمارستانات بمثابة مستشفيات تعليمية، يتلقّى فيها طلاب الطب علومهم. فبعد أن يتفقد الطبيب مرضاه ومعه طلابه، يأتي إلى إيوان خاص مزوّد بكل الآلات والكتب ثم يلقي عليهم دروسه أو يناقش معهم بعض الحالات التي وقفوا عليها. وكان بعض كبار الأطباء يجعل له مجلسًا عامًا في منزله أو في المدارس الخاصة لتدريس الأطباء الجدد.

كان اختيار مواقع هذه المستشفيات يتم بعد البحث والتقصي لتشييدها في أكثر الأماكن ملاءمة من حيث المناخ؛ فيذكر أن عضد الدولة لما طلب من الرازي اختيار موضع يقيم عليه البيمارستان العضدي في بغداد، أمر الرازي أن تعلّق قطع من اللحم في وقت واحد في أماكن مختلفة من المدينة فأيها أسرع إليه الفساد تركوه لسوء هوائه.



--------------------------------------------------------------------------------

أشهر البيمارستانات (المستشفيات) في العصر الإسلامي القديم


العلوم عند العرب والمسلمين Uooouu11
العلوم عند العرب والمسلمين Uooouu12
العلوم عند العرب والمسلمين Uooouu12
العلوم عند العرب والمسلمين Uooouu14
العلوم عند العرب والمسلمين Uooouu15
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: روّاد الطب وأهم مؤلفاتهم   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 4:49 am



روّاد الطب وأهم مؤلفاتهم. كان العمل في حقل الطب في بداية الأمر مهنة يزاولها كل من قرأ الطب على أحد أهل الصناعة المرموقين، إلا أنه بمرور الزمن تسلَّل إلى حقل الطب عدد كبير من الأدعياء. واتفق أن أخطأ أحد هؤلاء نحو عام 319هـ، 931م أثناء علاجه أحد العامة مما أدى إلى موت المريض، فأمر الخليفة المقتدر بالله ألا يمارس مهنة الطب إلا من يجتاز امتحانًا يشرف عليه سنان بن ثابت بن قرة. وقام سنان بعقد امتحان لنحو 900 من المتطببين؛ مما كشف عن كثير من هؤلاء الأدعياء. وصار هذا الأمر فيما بعد تقليدًا متبعًا في معظم أمصار المسلمين. ثم وُكِل إلى المحتسب، فيما بعد، أمر تنظيم اختبار الأطباء وفحص معلوماتهم، والتعرف على مقدراتهم وكفاياتهم ومدى حذقهم لصناعة الطب. وكان المحتسب يأخذ على الأطباء عهدًا على غرار قسم أبقراط يلتزم فيه كل واحد منهم "أن تكون رغبته في معالجة المريض أقوى من رغبته في الحصول على أجر العلاج، وأن تكون رغبته في معالجة الفقير أقوى من رغبته في معالجة الغني"، كما يستحلفهم ألا يعطوا أحدًا دواءًا مضرًا، وألا يذكروا للنساء الدواء الذي يؤدي إلى الإجهاض، ولا للرجال الدواء الذي يقطع النسل، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم عند دخولهم على المرضى، وألا يفشوا الأسرار ويهتكوا الأستار.

اشتهر كثير من الأطباء العرب وذاع صيتهم في صدر الإسلام، منهم الحارث بن كلدة (ت نحو 13هـ، 634م) وهو من الطائف، وابنه النضر الذي قتله الرسول ³ سنة 2هـ، 624م، ورفيدة، وكعيبة، وأم عطية الأنصارية أيام الرسول ³، وابن أبي رمثة التميمي، والحكم الدمشقي، وابن أثال طبيب معاوية بن أبي سفيان، وبتاذون طبيب الحجاج بن يوسف. وقيل إن الحجاج طلب منه نصيحة طبية فقال له: "لا تتزوج من النساء إلا شابة ولا تأكل من اللحم إلا فتيًا، ولا تأكله حتى ينعم طبخه، ولا تشربن دواء إلا من علة، ولا تأكل عليه شيئًا، ولا تحبس الغائط والبول، وإذا أكلت في النهار فنم، وإذا أكلت في الليل فتمشَّ ولو مائة خطوة". كما اشتهرت في أواخر عهد بني أمية زينب طبيبة بني أوْد؛ وكانت عارفة بالأعمال الطبية، خبيرة بالعلاج ومداواة آلام العين والجراحات.

واشتهر من الأطباء غير المسلمين في أوائل عهد الدولة العباسية، جبرائيل بن بختيشوع وابن ربن الطبري ويوحنا بن ماسويه وإسحاق بن حنين، ومنكة وشاناق وكانا من الهند. ولم يختلف طب هؤلاء، من الناحية العملية، كثيرًا عما كان عليه في نهاية العصر الأموي. ولكن في أواخر عصر الترجمة؛ أي بعد منتصف القرن الرابع الهجري، ظهرت بشائر عهد التأليف. وكان كتاب علي بن سهل الطبري فردوس الحكمة طليعة عهد جديد زاهر في الطب العربي، وصل منتهاه في عصر الشيخ الرئيس ابن سينا. في هذا العهد نبغ أطباء انتقلوا بمهنة الطب نقلة نوعية، واشتهر من الأطباء المسلمين أبوبكر الرازي، وقد تتلمذ على الطبري وكان قد تولى رئاسة بيمارستان الريِّ ثم البيمارستان المقتدري في بغداد. وقد ألف في الطب نحو 56 كتابًا، ومن أعظم مؤلفاته كتاب الحاوي في الطب والمنصوري في التشريح؛ محنة الطبيب ومنافع الأغذية؛ رسالة في الجدري والحصبة، وهو أول من فرق بينهما وأشار إلى انتقالهما بالعدوى. وأول من استخدم فتيلة الجرح المسماة بالقصاب، وأمعاء الحيوانات لخياطة الجروح وأول من استخدم الرصاص الأبيض في المراهم وأدخل الزئبق في المسهِّل. ومن نصائحه المشهورة للأطباء، والمرضى: "مهما قدرت أن تعالج بالأغذية، فلا تعالج بالأدوية، ومهما قدرت أن تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بدواء مركب" وكذلك "إذا كان الطبيب عالمًا والمريض مطيعًا فما أقل لبث العلة". "ينبغي للطبيب أن يوهم المريض بالصحة ويُرَجِّيه بها وإن كان غير واثق بذلك؛ فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس". ومن المعلوم أن الرازي توفي قبل أن يحرر الحاوي؛ فبقيت مسوداته عند أخته إلى أن أظهرها ابن العميد (ت 360هـ، 970م). وقد ترجم الحاوي إلى اللاتينية الطبيب اليهودي فرج بن سالم بطلب من كارل إنجو ملك نابولي وصقلية من 665هـ، 1266م إلى684هـ، 1285م. وأصبح من الكتب المعتمدة في دراسة الطب في أوروبا إبان القرون الوسطى. انظر: الرازي، أبو بكر محمد.

ومن أطباء تلك الحقبة (القرن الرابع الهجري) المشهورين إخوان الصفا. فقد جمعوا في رسائلهم كثيرًا من علوم عصرهم الطبية، وقد نصحوا بالاعتدال في الباءة (النكاح)، والطعام والشراب وتحدثوا عن أثر المناخ في الصحة. وقد برعوا في المعالجة بالتحليل النفسي؛ فنصحوا بأن يعطى المريض مجالاً لسرد أحواله وأسباب علته كما يشعر هو بها.

ومن الأطباء المشهورين أيضًا علي بن عباس المجوسي (ت 383هـ، 994م). وقد ألف الكتاب الملكي، أو كامل الصناعة الطبية وهو أكثر إيجازًا وتنسيقًا من كتاب الحاوي، وانتقد المجوسي فيه جهابذة الأطباء اليونانيين والعرب، وتحدث فيه عن الشرايين الشعرية وبعض الملاحظات السريرية وحركة الرحم. وترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية مرتين عام 898هـ، 1492م بفينيسيا وعام 930هـ، 1523م بمدينة ليدن، والكتاب يحتوي على 20 مقالة تناولت الأولى والثانية منها فصولاً في علم التشريح؛ كانت المرجع الرئيسي لعلم التشريح في جامعة سالرنو بإيطاليا.

ومن أطباء تلك الفترة أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي (ت 427، 1035م)، وأشهر مؤلفاته كتابه المعروف بالزهراوي والتصريف لمن عجز عن التأليف. والزهراوي أول من نبغ في الجراحة بين العرب. وكتابه التصريف كان ذا أثر عظيم في النهضة الطبية في أوروبا مدى خمسة قرون، واحتل المكانة التي كانت لكتاب بولس الإيجنطي في الجراحة. ومن المسائل التي تناولها الكتاب إلى جانب الجراحة؛ وصف الكسور والخلع والشلل الناشئ من كسر السلسلة الفقرية، والأمراض الباطنية وتعليم القوابل، وإخراج الجنين الميت وجراحة العين، وأمراض النساء وصور الكثير من أدوات الجراحة وأكثرها من ابتكاره. وترجم الكتاب إلى العبرية واللاتينية عام 901هـ، 1495م واستراسبورج عام 939هـ، 1532م، وبال عام 948هـ، 1541م.

كان ابن سينا (ت 428هـ، 1037م) أعظم أطباء عصره، وأطلق عليه لقب الشيخ الرئيس، وقد نبغ إلى جانب الطب في الأدب والفلسفة والعلوم ولما يبلغ العشرين بعد. ومن أشهر آثاره في الطب كتاب القانون في الطب وهو موسوعة طبية ضافية، ويمثل القمة العلمية التي وصلت إليها الحضارة العربية الإسلامية في فنون الطب من حيث التجربة أو النقل. اشتهر هذا الكتاب في أوروبا إبان العصور الوسطى، وكان الكتاب المدرسي المقرر في الطب في جامعتي مونبلييه ولوفان في منتصف القرن السابع عشر الميلادي. ترجمه إلى اللاتينية جيرارد الكريموني، وطبعت ترجمته 16 مرة خلال الثلاثين سنة الأخيرة من القرن الخامس عشر الميلادي، و 20 مرة في القرن السادس عشر. وطبع بالعربية مرتين أولاهما في روما عام 1593م والثانية في بولاق بمصر سنة 1294هـ، 1877م. ورغم أن لابن سينا مذهبًا خاصًا في النظر إلى الأرواح والكواكب وتأثير العالم الأعلى في العالم الأسفل، ورغم سيطرة الفلسفة على تفكيره، إلا أن شيئًا من ذلك لم يتسرب إلى مذهبه في الطب؛ فقد اتخذ منهجًا تجريبيًا بحتًا في الطب والعلاج.

أما ابن النفيس (ت 687هـ، 1288م) فهو أعظم الأطباء في الحقبة التي تلت عصر ابن سينا. وقام بدراسة آراء جالينوس وابن سينا دراسة واعية وأظهر آراء مخالفة لآرائهما في كتابه المسمى شرح قانون ابن سينا. فقد انتقد أقوالهما في وصف العروق الموصلة بين الرئة والقلب ووظائفها، ووظائف الرئتين، واعتمد التشريح المقارن أسلوبًا له في هذا العمل البحثي. ولم يتبقَّ من كتب ابن النفيس سوى الموجز في الطب وكتاب شرح قانون ابن سينا. وعند شرحه للقسم المتعلق بالتشريح في كتاب شرح قانون ابن سينا أولى عناية كبيرة بتشريح القلب، واتصال العروق به وبتشريح الحنجرة، لأنه كان يرى صلة بين التنفس والنبض وانتقال الدم من الرئة إلى القلب والعكس. ويعود له شرف اكتشاف الدورة الدموية الصغرى التي تصف مرور الدم من الشريان الرئوي إلى القلب. كما كان لابن النفيس اهتمام بطب العيون والعلاج بالغذاء والدواء والعلاج بالجراحة.


العلوم عند العرب والمسلمين 110
العلوم عند العرب والمسلمين 210
العلوم عند العرب والمسلمين 310
العلوم عند العرب والمسلمين 410
العلوم عند العرب والمسلمين 510
العلوم عند العرب والمسلمين 610
العلوم عند العرب والمسلمين 710
العلوم عند العرب والمسلمين 810
العلوم عند العرب والمسلمين 910
العلوم عند العرب والمسلمين 1010
العلوم عند العرب والمسلمين 1010
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: الصيدلة   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 4:58 am



الصيدلة علم يبحث في العقاقير وخصائصها وتركيب الأدوية وما يتعلق بها، ويتصل اتصالاً وثيقًا بعلمي النبات والحيوان؛ إذ إن معظم الأدوية ذات أصل نباتي أو حيواني، كما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعلم الكيمياء؛ لأن الأدوية تحتاج إلى معالجة ودراية بالمعادلات والقوانين الكيميائية.

كانت الصيدلة في بادئ الأمر غير مستقلة عن الطب في كل أنحاء العالم المعروف آنذاك. وكان الدواء ينتقل من يدي الطبيب إلى فم المريض مباشرة، وللطبيب أعوان يساعدونه على جمع الأعشاب، ثم يتولى بنفسه صنع الدواء وتركيبه وقبض ثمنه من المريض، وكان في ذلك حط لقدر الطبيب. وهنا انقسمت مهنة الطب إلى قسمين : تشخيصي وعلاجي؛ أي نظري وعملي، ومن ثم انفصلت صناعة الطب عن صناعة العقاقير واستقل كل منهما بذاته. وكان الرازي أول من قال باستقلال الصيدلة عن الطب، كما رأى أن جهل الطبيب بمعرفة العقاقير لا يحول دون ممارسته الطب. ويبدو ذلك جلياً في معرض حديثه عن امتحان الطبيب: "أما امتحانه بمعرفة العقاقير فأرى أنها محنة اختبار ضعيفة، وذلك أن هذه الصناعة هي بالصيدناني أولى منها بالطبيب المعالج، إلا أن تقصير معرفته بالكثير الاستعمال منها يدل على قلة علمه ومزاولته ودربته... ويمكن أن يكون طبيبًا فاضلاً مقصرًا عن كثير من خلال العقاقير".

بعد أن انفصلت الصيدلة عن الطب، ارتفع مستوى العقاقير، وأنشئت حوانيت (عطارات) لبيعها وتصريفها، وأنشئت مدارس لتعليم صناعة تركيب الأدوية، ثم توسعت هذه العطارات وتحسنت، مما تمخض عن فتح أول صيدلية في التاريخ في بغداد عام 621هـ، 1224م. وألّف العرب في هذا العلم ما أطلقوا عليه اسم الأقرباذين؛ أي الدستور المتبع في تحضير الأدوية. ولعل من أهم مآثر المسلمين في تلك الحقبة ـ في مجال الصيدلة ـ أنهم أدخلوا نظام الحسبة ومراقبة الأدوية. ونقلوا المهنة من تجارة حرة يعمل فيها من يشاء، إلى مهنة خاضعة لمراقبة الدولة. وكان ذلك في عهد المأمون، وقد دعاه إلى ذلك أن بعضًا من مزاولي مهنة الصيدلة كانوا غير أمينين ومدلّسين، ومنهم من ادّعى أن لديه كل الأدوية، ويعطون للمرضى أدوية كيفما اتفق؛ نظرًا لجهل المريض بأنواع الدواء. لذا أمر المأمون بعقد امتحان أمانة الصيادلة، ثم أمر المعتصم من بعده (221هـ، 835م) أن يمنح الصيدلاني الذي تثبت أمانته وحذقه شهادة تجيز له العمل، وبذا دخلت الصيدلة تحت النظام الشامل للحسبة، ومن العرب انتقل هذا النظام إلى أنحاء أوروبا في عهد فريدريك الثاني (607 ـ 648هـ، 1210 ـ 1250م)، ولا تزال كلمة مُحْتَسِب مستخدمة في الأسبانية بلفظها العربي حتى الوقت الراهن. وعقب الفصل بين مهنتي الطب والصيدلة، ارتقت كلتا المهنتين؛ إذ تفرغ الطبيب إلى التشخيص والبحث، وتفرغ الصيدلاني إلى تجويد عمله عن طريق البحث، ووُضع للصيادلة دستور يسيرون عليه ويلتزمونه، وينص هذا الدستور فيما ينص ـ على التمييز بين علم الطب وعلم الصيدلة، فحظر على الصيدلي التدخل في أمور الطب، كما حظر على الطبيب امتلاك صيدلية أو أن يفيد من بيع العقاقير، وبذا لا تحق ممارسة مهنة الصيدلة إلا لحامل ترخيص رسمي، ولا يحق ذلك أيضًا إلا لمن أدرجت أسماؤهم في جدول الصيادلة. وكان يناط بمفتش رسمي في كل مدينة الإشراف على الصيادلة وكيفية تحضير العقاقير. يسَّر هذا الدستور للصيدلة أن ترتقي بوضوح علمًا قائمًا بذاته، مما جعل الصيادلة ينتقلون إلى مملكة النبات التي وجدوا فيها مجالاً خصبًا للعمل؛ فزرعت النباتات الطبية بشكل منتظم وفق شروط خاصة في مزارع خاصة رعاها الحكام، وجلبوا لها البذور اللازمة من كل مكان يطلبه الصيادلة، وذلك ما فعله عبدالرحمن الأول في قرطبة. ووفق تنظيم مهنة الصيدلة، أصبح في كل مدينة كبيرة عميد للصيادلة يقوم بامتحانهم كابن البيطار في القاهرة. كما فرض الدستور الجديد على الأطباء أن يكتبوا ما يصفون من أدوية للمريض على ورقة سمّاها أهل الشام الدستور وأهل المغرب النسخة وأهل العراق الوصفة.

الصيدلة العربية. كان الصيادلة يستوردون العقاقير النباتية من الهند، فضلاً عن استيرادهم الأدوية ذات الأصل النباتي أو الحيواني من البلدان التي تتوافر فيها. ولكن عقب فصل مهنة الطب عن مهنة الصيدلة توصّل الصيادلة المسلمون إلى صنع هذه العقاقير بأنفسهم، ثم اكتشفوا عقاقير أخرى ذات خصائص علاجيّة لم تكن معروفة من قبل. واهتدوا إلى طريقة غلَّفوا بها بعض الأدوية التي تؤخذ عن طريق الفم، وبذا كفوا المرضى معاناة مرارة طعمها ونكهتها غير المستساغة. ثم توصلوا إلى تحضير المبنج الذي يزيل الآلام أو يخففها، كما حضروا الترياق المقاوم للسموم. وبالجملة فقد قدّم الصيادلة العرب للعالم أساسًا متينًا وأصيلاً لعلم الصيدلة.

تأصيل الصيدلة العربية. برع الأطباء في بادئ الأمر في تحضير الدواء حسب نسب ومقادير محددة. ولما اقتصر أمر إعداد الدواء وتركيبه على الصيادلة، حذقوا هذا الفن وارتقوا به كثيرًا. فاستخدموا موازين دقيقة لخلط هذه النسب. ولم يكن هذا الأمر سهلاً في بادئ الأمر خاصة في تحضير الأدوية ذات المصدر الأجنبي؛ إذ إن كل بلد كانت له أوزانه ومكاييله. وكانت أهم مصادر علم الصيدلة عند العرب ـ قبل أن تستقر عندهم علمًا أصيلاً ـ كُتب الهند وفارس؛ فقد عُرف عن الهنود، حتى وقتنا الحاضر، إلمامهم العميق بالأعشاب، وبراعتهم في استخراج خواصها ومعرفة آثارها في الأبدان. ولما كان المبدأ العام في كل الأمور الدنيوية هو الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها؛ فقد تلقّف العرب كل ما وصل إلى أيديهم من علم الحشائش والعقاقير. كذلك أخذوا عن اليونان ما استطاعوا، إلا أن ذلك كان في وقت مبكر نسبيًا؛ أي مع بدايات أخذ الدولة الإسلامية بأسباب العلم والحضارة. واعتنوا من بين كل الكتب اليونانية بكتاب المادة الطبية في الحشائش والأدوية المفردة الذي وضعه ديسقوريدس العين زربي (80م) وكتابه هو "المادة الطبية Materia Medica"، وترجموه عدة مرات أشهرها اثنتان: ترجمة حنين بن إسحاق في بغداد، وترجمة أبي عبداللهلله الصقلّي في قرطبة. وفي وقت لاحق قام الصيادلة المسلمون ـ بفضل خبرتهم وممارستهم ـ بالزيادة على هذا الكتاب واستدراك ما فات ديسقوريدس، ومن ثم بدأ التأليف والتصنيف بغزارة في الصيدلة وعلم النبات، ومن ذلك معجم النبات لأبي حنيفة الدينوري (282هـ، 895م)، والفلاحة النبطية لابن وحشية (318هـ، 930م) والفلاحة الأندلسية لابن العوام الأشبيلي، فقد استفاد المصنفون في علم الأدوية كثيرًا من هذه الكتب وأمثالها. وكان لابد ـ تبعًا لهذا التطور الذي شهدته صناعة الدواء ـ أن تطرأ تعديلات تؤصِّل هذه الصناعة، وتمكّن من الاستفادة من العقاقير المحلية باستبدالها بما كان يستورد، وتبسط أعمال الصيدلة، وتضع معيارًا للجودة النوعية تكتشف من خلاله الأدوية المغشوشة، والعمل على توحيد الأوزان والمكاييل لتتماشى مع نظام المقاييس الموجود والاستغناء عن المقاييس المستوردة غير الموحدة.

الاستبدال والتبسيط. لما نقل العرب أسماء الأدوية المفردة (النباتية) من كتب اليونان والهند وفارس، لم يستطيعوا التعرف على كثير منها، وحتى تلك التي تعرفوا عليها لم يقفوا على خصائصها، لذا لم يكن هناك بد من الاستعاضة عنها ببديل محلي. فلجأوا منذ وقت مبكر إلى التأليف فيما سموه أبدال الأدوية، ووضعوا مصنفات خاصة بتلك التي لم يشر إليها ديسقوريدس وجالينوس وغيرهما، واستفادوا في هذا الشأن من العقاقير الهندية والفارسية. إلا أن الحاجة للبديل المحلي كانت ضرورة اقتصادية وانتمائية، عبّر عنها البيروني في عتابه للصيادلة بقوله : "لو كان منهم ديسقوريدس في نواحينا لصرف جهده على التعرف على ما في جبالنا وبوادينا، ولكانت تصير حشائشها كلها أدوية…". واستجابة لمثل هذه الحميّة جرت بعض محاولات للاستفادة من الأعشاب المحلية؛ كان من بينها في بادئ الأمر تصنيف ما يشبه المعاجم على هيئة جداول تحتوي على أسماء النباتات المختلفة باللغات العربية واليونانية والسريانية والفارسية والبربرية بشرح أسماء الأدوية المفردة. ومن المحاولات التطبيقية في هذا المجال ما قام به رشيد الدين الصوري الذي كان يخرج إلى المواضع التي بها النباتات يرافقه رسام، فيشاهد النبات ويسجله ثم يريه للرسام في المرة الأولى وهو في طور الإنبات أو لا يزال غضًا، ثم يريه إياه في المرة الثانية بعد اكتماله وظهور بذره، وفي الثالثة بعد نضجه ويبسه، ويقوم الرسام بتصويره في جميع هذه الأطوار. وغني عن القول أن الصيادلة المسلمين بعد أن ترقوا في هذه الصناعة قاموا بالاستغناء عن كثير من العقاقير التي تستخلص من أجزاء حيوانية لاسيما المحرّمة منها أو المكروهة.

كانت الوصفات التي حصل عليها أكثر المصنفين المسلمين من البلدان المفتوحة معقدة، إما أصلاً، أو كان واصفوها يتعمدون التفنن في تعقيدها سواء فيما يتعلق بعدد العقاقير التي تتركب منها، أو شروط جنيها أو إعدادها أو الزمن اللازم انقضاؤه قبل استخدام التركيبة الجديدة. من أجل هذا توصل الصيادلة المسلمون إلى وضع صيغ معدلة للأدوية المعقدة الشهيرة، وبذا اختفت مع مرور الزمن الأعداد الكبيرة من الأدوية معقدة التركيب، وازداد عدد الأدوية البسيطة خاصة الأشربة والأدوية الغذائية والمسهلات وأدوية تخفيض الوزن والزينة وما إليها.

معايير الجودة. لما رأى الناس الأرباح الوفيرة التي تدرها الصيدلة (العطارة) على العاملين فيها، دخلها غير المتخصصين. إلا أنه بعد أن نظمت المهنة وصار للصيادلة دستور، استُبِعد المتسللون بقرار من الخليفة العباسي المقتدر. وزاد الأمر إحكامًا بتولي سنان بن ثابت الطبيب أمر الحسبة حيث تحوّل هذا النظام إلى امتحان ومحاسبة ومراقبة دورية للأوزان والمكاييل وتفتيش الصيدليات مرة كل أسبوع. ومن بين الطرق التي طبقوها لمعرفة الأدوية المفردة وفاعليتها، الإحراق بالنار أو السحق، وفحص الرائحة واللون والطعم. وقام بعض الأطباء باختبار مدى فاعلية العقاقير على الحيوانات قبل إعطائها الإنسان؛ ومن ذلك تجربة الزئبق على القرد التي قام بها الرازي. كما كان ابن سينا يذكر مع كل عقار خصائصه وأوصافه، ونجد ذلك جليًا في كتاب منهاج الدكان لكوهين العطار الذي جمع عمل ابن سينا في هذا الصدد في فصل سماه امتحان الأدوية المفردة والمركبة وذكر ما يستعمل منها وما لا يستعمل. وقد أورد كوهين العطار في هذا الفصل الطرق المستعملة في ضبط معايير جودة العقاقير، بالإضافة إلى فصل عن المدة الزمنية التي لا تعود صالحة للاستعمال بعدها. والأوصاف المميزة للأدوية وأنواعها وما تغش به وكيفية كشف هذا الغش عن طريق الأوصاف الحسية والفيزيائية للدواء.

الأوزان والمكاييل. كانت إحدى العقبات التي واجهت الصيدلاني المسلم ـ عقب حركة النقل والترجمة ـ قضية اختلاف المقاييس التي تضبط في ضوئها أوزان المركبات الدوائية؛ فقد كان لليونان أوزانهم وكذلك الفرس والهنود، فكان من الصعب عند تحضير الوصفات الأجنبية معرفة الأوزان والمكاييل المستخدمة فيها، وإن عُرف بعضها فقلّما يُضبط. لذا كان من الضروري توحيد العمل بمقاييس معلومة لديهم. واستطاع الصيادلة بعد تجارب ومران أن يتجاوزوا هذه العقبة بعدة أمور منها، تجاهل بعض الأوزان والمكاييل الدخيلة، وإدخال أوزان ومكاييل محلية بدلاً عنها، وتبسيط النسب الموجودة بين المكاييل والموازين المحلية. ودرجوا على استخدام البذور وبعض الحبوب التي تمثل الواحدة منها وزنًا معلومًا مثل؛ حبة الحمص و الخروبة و نواة التمر، وجعلوا حبة القمح الوحدة الصغرى للأوزان. وكانت أوزانهم كالتالي :


4 حبات قمح = قيراط؛ نحو 40 سنتجرامًا
8 حبات قمح = دانق؛ 1/6 درهم، 2 قيراط
48 حبة قمح = 12 قيراطًا؛ درهم واحد
1/2 1درهم = مثقال؛ 18 قيراطًا
الاُستار = 4 مثاقيل؛ 6 دراهم
الأوقية = 40 درهمًا؛ 1/12 من الرطل
الرطل = 12 أوقية؛ 480 درهمًا

المكاييل الصيدلانية
الشامونا = ملعقة صغيرة؛ مثقالان
7 شامونات = صدفة صغيرة؛ 14 مثقالاً
14 شامونًا = صدفة كبيرة؛ 28 مثقالاً
6 أساتير = سكر حبة؛ 24 مثقالاً.


العقاقير الطبية وتصنيفها. العقّار كلمة أصلها سرياني، وأطلقت في بادئ الأمر على كل ما يُتداوى به من النبات والشجر؛ إذ كان أساس الأدوية الأعشاب. وأطلق على من اشتغل بصناعة الأدوية الشجّارون و العشابون والعطّارون، إلا أن مدلول الكلمة اتسع ليشمل كل الأدوية بما فيها الحيوانية والمعدنية.

كانت معظم العقاقير التي توصف للمرضى ـ خلال الحقبة الأولى من فترة ازدهار الطب العربي ـ ذات منشأ غير عربي، والقليل منها كان ما توارثته الأجيال من البيئة المحلية أو ما يمكن أن نسميه الطب البلدي. ولكن بازدهار صناعة الصيدلة عقب انفصالها عن الطب، وجد الصيادلة المسلمون مجالاً خصبًا للإبداع الذي انتهوا فيه إلى تركيب عقاقير من البيئة المحلية ذات أوزان معلومة مبسطة وقطعوا شوطًا كبيرًا عندما استفادوا من علم الكيمياء في إيجاد أدوية جديدة ذات أثر في شفاء بعض الأمراض؛ كاستخراج الكحول، ومركبات الزئبق، وملح النشادر واختراع الأشربة والمستحلبات والخلاصات الفطرية. بالإضافة إلى ذلك قادهم البحث الجاد إلى تصنيف الأدوية استنادًا إلى منشئها وقوتها، كما قادتهم تجاربهم إلى أدوية نباتية جديدة لم تكن معروفة من قبل كالكافور والحنظل والحناء.

قادت غزارة التصنيف في كتب الصيدلة، والبحث الدؤوب الذي كشف عن عقاقير جديدة، بالإضافة إلى ما هو موجود أصلاً، إلى أهمية تقسيم هذه العقاقير وفق معايير ارتآها المؤلفون أو الصيادلة، ونجد الأمثلة على ذلك واضحة في الحاوي للرازي و الصيدنة في الطب للبيروني وكامل الصناعة لعلي بن عباس المجوسي و القانون لابن سينا.

تصنيف الرازي. وضع الرازي أسسًا صحيحة لعدة علوم صيدلانية وبيّن أوصافها وطرق تحضيرها وكشف غشها وقواها وبدائلها والمدة الزمنية التي يمكن أن تحفظ خلالها. وصنف العقاقير إلى أربعة أقسام : 1ـ مواد ترابية (معادن) 2ـ مواد نباتية 3 ـ مواد حيوانية 4ـ عقاقير مولدة (مشتقات). وذكر تحت الصِّنف الأول سبعة أنواع: أ ـ أرواح (المواد المتطايرة والمتسامية)؛ وهي الزرنيخ، والزئبق، والنشادر، والكبريت. ب ـ أحجار؛ وهي: المرقشيتا (البيريت)؛ وتستخدم في صناعة حمض الكبريتيك وصيغته الجزيئية FeS2. والتوتياء (أكسيد الخارصين)، وصيغته الجزيئية ZnO. واللازورد (كربونات النحاس القاعدية)، وصيغته الجزيئية Cu3 ((OH)2 CO3)2. والدهـنـتج (الملاخيت)، وصيغته الجزيئية Cu2(OH)2 CO3. والفـيـروزج (فوسفات الألومنيوم القاعدية المتحدة بالنحاس) وصيغته الجزيئية Cu Al6(PO4) 4(OH)8 5H2O. والــشاذنج (أكسيد الحديديك المتبلر) وصيغته الجزيئية Fe2؛ واستخدمه لوقــف الرّعاف. والشـك (بيـاض O3 الـزرنيخ) وصيغته الجزيئية As2O3. والكحل (كبريتيد الرصاص الأسود) وصيغـته الجـزيئية PbS. والطـلق أي المــايكا (سـليكــات الألومنيوم المتحدة مع فلز آخر). والجبس وصيغته الجزيئية Caso42h2o. والزجاج الأسود وهو الزجاج المعروف. ج زاجات؛ ومنها الزاج الأحمر والأصفر والأخضر والشب. د ـ بوارق؛ وتشمل بورات الصوديوم (البوراكس)، وبيكربونات الصوديوم، والنطرون، وصمغ الأكاسيا. هـ ـ أملاح؛ ومنها ملح الطعام، والملح المر (كبريتات المغنسيوم؛ الملح الإنجليزي)، والقلي (مزيج من أكسيد الصوديوم وهيدروكسيد الصوديوم وكربونات الصوديوم، والملح الصخري (كبريتات الصوديوم المتبلرة)، والجير المطفأ (هيدروكسيد الكالسيوم). و ـ أجساد؛ وهي: الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص، والخارصين والأسرب (القصدير). ز ـ إعناجاصات؛ وذكر الرازي منها جوهر البول (اليوريا).

وفي الصنف الثاني؛ أي المواد النباتية يذكر قوى الحبوب كالحنطة والشــعير والثمار، ورتب فيه الأدوية حسب حروف المعجم مبتدئًا بالأقحوان ومنتهيًا بالياسمين. وفي الصنف الثالث، أي المـواد الحيوانية يذكر البيض والمخ؛ واللبن والشعر والقحف والدم والمرارة والقرون والصدف.

أما الصنف الرابع وهو العقاقير المولدة (المشتقات) فقد ذكر منها 1ـ المرتك؛ وهي مادة سوداء تشبه الجرافيت (أول أكسيد الرصاص)، وصيغته الجزيئية PbO، و2ـ الإسرنج (أكسيد الرصاص الأحمر)، وصيغته الجزيئية (Pb3 O4)، و 3ـ الزنجار؛ وهو خلات النحاس القاعدية بها بعض كربونات النحاس، و 4ـ الزنجفر (كبريتيد الزئبق)، وصيغته الجزيئية (Hg S)، و 5ـ زعفران الحديد؛ وهي مادة صفراء تتكون من أكسيد الحديدوز يكون الحديد فيها ثنائي التكافؤ.

تصنيف البيروني. اقتبس البيروني فكرة التأليف في علم الأدوية وتسميتها من الرازي، ويبدو ذلك في كتابه المشهور الصيدنة في الطب، ولكن لم تكن له خبرة الرازي وتجربته ولا شهرته في هذا المجال. ومن الأوجه التي أفاد فيها من الرازي إشارته إلى كتابيه الحاوي و سر الأسرار وذكره أغلب المواد التي ذكرت فيهما. وصنف هذه المواد تصنيفًا مشابهًا لما فعله الرازي بفارق واحد هو أنه رتبها ترتيبًا معجميًا (ألفبائيًا) بينما كان الرازي قد رتبها ترتيبًا أبجديًا (أبجد، هوز …إلخ). يصنف البيروني العقاقير إلى ثلاثة أنواع 1ـ أدوية 2ـ أغذية 3ـ سموم؛ ومنها ما هو مفرد ومنها ما هو مركب. وهو أول من أشار إلى عمليتي التبديل والحذف في العقاقير، وجعلهما شرطًا لنجاح الصيدلاني الماهر. فقال: "الصيدلاني أعظم حاجة لأمرين أحدهما الحذف والآخر التبديل. والحذف هو نقصان عقار واحد يدخل في تركيب دواء يتألف من عقاقير كثيرة؛ فإن لم يتوافر أو توافر لكن حالت أسباب دون استخدامه فعلى الصيدلاني الاستغناء عنه وإتمام التركيبة دون ذلك العقار"؛ وعلى هذا النسق استغنى الصيادلة عن عدد كبير من العقاقير الحيوانية الكريهة نظرًا لتحريم الدين الإسلامي لها. أما التبديل فيحدث عندما تكون مكونات المركب كلها أو بعضها غير موجودة، ولكن لها بدائل أقل تأثيرًا من المكونات الأصلية، فعلى الصيدلاني في هذه الحالة أن يقْدم على صنع الدواء مما توافر لديه، على الرغم من تدني نوعية البدائل، مراعيًا في ذلك الحفاظ على مشاكلة الدواء الأصلي.

تصنيف المجوسي. عمل علي بن عباس المجوسي (ت383هـ، 993م) في كتابه كامل الصناعة على تصنيف الأدوية وفقًا لمنشئها وقواها. فصنَّفَ الأدوية المفردة بالاستناد إلى منشئها؛ فقسَّم العقاقير ذات المنشأ النباتي إلى: حشائش، وحبوب، وبذور، وأوراق، وأصول، وعصارات، وأصماغ، وأزهار، وأثمار، وأدهان. أما العقاقير ذات المنشأ المعدني فقسمها إلى: زاج، وطين، وأملاح، وأجساد وحجارة. كما قسم العقاقير ذات المنشأ الحيواني إلى: ألبان، ودماء، وبيض، وأنفحات، ومرارات، وأبوال، وأزبال، وشحوم، ولحوم. أما من حيث قواها فقد قسمها إلى ثلاثة أقسام 1- القُوى الأُول؛ وسماها الطبائع أو الأمزجة؛ وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. وتقسم كل واحدة من هذه الأمزجة إلى درجات أربع من حيث قوة تأثيرها؛ فيصنف العقار تحت قوة الدرجة الأولى إذا لم يؤثر في البدن تأثيرًا ملموسًا، ويكون من الدرجة الثانية إذا أثر لكنه لم يضر، وإذا أضرّ ولم يبلغ فهو في الدرجة الثالثة، ويكون من قوى الدرجة الرابعة إذا بلغ، وفي هذه الحالة يسمى الدواء سامًا. 2- القوى الثواني؛ وقد صنف تحتها أنواعًا كثيرة من بينها: القوى الملينة، والفتّاحة للسدد، والمنضجة، والمصلبة، والمخلخلة، والملطفة، والمفتحة لأفواه العروق والمضيقة لها، والجاذبة، والمسكنة للوجع. 3- القوى الثوالث؛ وصنف تحتها: المفتتة للحصى، والمدرَّة للبول، والمدرَّة للطمث، والمولِّدة للمني، والمولِّدة للّبن، والمعينة على نفث ما في الصدر. وللمجوسيّ تصنيف فرعي للعقاقير من حيث طعمها ويقسمها إلى حلو، ومر، وحامض، ودسم، وحريف، ومالح، وعفص (عسر) وقابض، وتفه (لاطعم له). أما الأدوية المركبة فقد صنفها إلى أنواع عدة أهمها: الترياقات، والمعاجين، والجوارشنات (هاضمات) والمطبوخات، والنقوعات، واللعوقات، والأقراص، والأدهان، والمراهم، والأشربة، والمربيات، والأكحال، والذرورات، والغراغر، والمقيئات…إلخ.

تصنيف ابن سينا. لم يختلف ابن سينا في تصنيفه للأدوية كثيرًا عمن سبقه فقد قسمها إلى معدنية، ونباتية، وحيوانية. فأفضل الأدوية المعدنية عنده ما كان من الأماكن المعروفة بها كالقلقند القبرصي والزاج الكرماني؛ وأفضل الأدوية النباتية النوع البري لأنها أقوى تأثيرًا من البستانية، والجبلية تفوق البرية، وأفضل الأدوية الحيوانية ما يؤخذ من الحيوانات الشابة في فصل الربيع. وذكر في هذا التصنيف نحو 600 عقار معظمها ذو أصل نباتي. كما أن له تصنيفًا آخر وهو ما يمكن أن يطلق عليه الآن التصنيف الفارماكولوجي (تصنيف علم العقاقير)، فصنف الأدوية حسب الأعضاء التي تعمل فيها، ووضعها في لائحة تتضمن : 1- الترياقات والمعاجين 2- الأرايج. (العطريات) 3- الجوارشنات 4- السفوفات والوجورات (مايعطى بالفم) 5- اللعوقات 6- الأشربة 7- المربيات 8- الأقراص 9ـ السلافات (خلاصات) والحبوب 10- الأدهان 11- المراهم والضمادات. وفي دراسته للسموم صنفها إلى نوعين؛ سموم فاعلة بكيفية فيها، وسموم فاعلة بصورتها. كما صنفها إلى سموم معدنية ونباتية وحيوانية.

تحضير العقاقير. استخدم الصيادلة المسلمون في عمليات تحضير العقاقير وتركيبها طرقًا مبتكرة؛ ظل بعضها معمولاً به حتى الوقت الحاضر من حيث المبدأ. فنجد أن الرازي استخدم 1- التقطير؛ لفصل السوائل 2- الملغمة؛ لمزج الزئبق بالمعادن الأخرى 3- التنقية؛ لإزالة الشوائب 4- التسامي؛ لتحويل المواد الصلبة إلى بخار ثم إلى حالة الصلابة ثانية دون المرور بحالة السيولة، 5- التصعيد؛ لتكثيف المواد المتصاعدة، 6- التشوية؛ لتحضير بعض المعادن من خاماتها، 7- التشميع؛ لصهر بعض المواد بإضافة مواد أخرى إليها، 8- التكليس؛ لإزالة ماء التبلُّر وتحويل المواد المتبلرة إلى مساحيق غير متبلرة، 9- التبلر؛ لفصل بلورات المواد المذابة، 10- الترشيح؛ لفصل الشوائب والحصول على محلول نقي. وسوف تأتي على هذه العمليات بشيء من التفصيل عند حديثنا عن العمليات الكيميائية التي استخدمها العرب في تحضير المواد.

أما علي بن عباس المجوسي فقد أبان القوانين التي ينبغي حذقها للوصول إلى الأوزان الصحيحة للأدوية المفردة الداخلة في تركيب الأدوية المركبة، ووضح أن مقادير هذه الأدوية تكون كالتالي : يُؤخذ منه مقدار كبير إذا كان متعدد المنافع. وتؤخذ منه كميات أقل إذا كان في استعماله بعض الضرر، وكذلك إذا دخلت في الدواء المركب عدة عقاقير لها نفس التأثير. وعلى الصيدلاني قبل سكب الدواء المفرد اتباع الخطوات التالية 1- يحسن اختبار الدواء المفرد 2- يسحقه وينخله 3- يعالج الصموغ 4- ينتخب العسل ويفحصه 5ـ يقوم بحرق ما لابد من حرقه فيما يختص ببعض المركبات المعدنية والحيوانية 6- يأخذ مقادير العسل بمقادير متناسبة مع الأدوية المدقوقة لصنع المعاجين الدوائية، ويضيف الصموغ المحلولة ويخفقها حتى تستوي ثم تحفظ التركيبة في إناء من الفضة أو الخزف الصيني دون أن يحكم غلقه، حتى يتمكن الدواء من التنفس 7- لعمل الأقراص يمزج الدواء المسحوق مع الماء أو الشراب في الهون (المدق) ويدق دقًا جيدًا حتى ينعم ويستوي ومن ثم تقرَّص الكتلة التي عجنت ثم تجفف في الظل.

ذكر ابن سينا في تحضير الأدوية المفردة أربع طرق: 1- الطبخ؛ ويكون على درجات: الطبخ العنيف كأصل الكبر والزرواند والزرنباد. والطبخ المعتدل كالأدوية المدرة للبول. والطبخ الهادئ مثل الأفتيمون الذي إذا زيدت درجة طبخه تحللت قوته. 2ـ السحق؛ وهناك من الأدوية ما يفسد السحق الشديد قوتها كالسقمونيا، وأكثر الصموغ لها هذه الخاصية، وتحليلها بالرطوبة أوفق. ومن هذه الأدوية ما ينقلب تأثيرها الدوائي أو يتغير عند الإفراط في السحق، كالدواء الكموني الذي ينقلب تأثيره من مسهل إلى مدر للبول. 3ـ الحرق؛ وتحضر بعض الأدوية بحرق الدواء لتحقيق واحد من خمسة أهداف: لكسر حدته؛ مثل الزاج أو لإكسابه حدة؛ مثل النورة، أو لتخفيفه؛ مثل قرون الأيل، أو لتهيئته للسحق؛ مثل الإبريسم، أو لإبطال رداءة في جوهره؛ مثل العقرب. 4ـ الغسل؛ والهدف منه إما إزالة الخاصة المحرقة فيه؛ كالنورة، أو تصغير أجزائه وصقلها كالتوتياء، أو استبعاد قوة غير مرغوب فيها كالحجر الأرمني. وقد مزج ابن سينا وصيادلة آخرون الأدوية بالعسل تارة وبالسكر والعصير تارة أخرى ليصبح طعمها مستساغًا، وكثيرًا ما جعلوها على هيئة أقراص وغلّفوها لإخفاء رائحتها. وكان ابن سينا أول من استعمل طريقة تغليف الحبوب بالذهب والفضة. كما أن الزهراوي كان أول من حضر الأقراص بالكبس في قوالب خاصة.

عقاقير استخدمها العرب. اعتمد المسلمون في بادئ الأمر على الأدوية المستجلبة من البلدان التي سبقتهم في هذا المجال، إلا أنه بعد أن صارت لهم خبرة في الطب والصيدلة شرعوا في اكتشاف أو استنباط أنواع كثيرة من العقاقير، تدلنا على ذلك أسماؤها التي وضعها العرب ولا يزال بعضها مستخدمًا في لغات أخرى بصورة أو بأخرى. فمن الأدوية النباتية التي اكتشفوها : السنامكة، والصندل، والكرنب مع السكر، والكافور، والرواند، والمسك، والتمر الهندي، والقرنفل، والحنظل، وحب العروس، والعنبر، وجوز الطيب، والمر، والجوز المقيئ، والقرفة، وخانق الذئب (الألونيت)، والبلسم، والمنّ، والعسل، والصمغ العربي.

كما ركّبوا مستحضرات طبية كثيرة؛ ساعدهم في ذلك نبوغهم في الكيمياء، ومن هذه المستحضرات؛ المعاجين المختلفة، والمراهم، والمساحيق، واللزوق، والدهانات، والكحل والسعوط، والحقن الملينة، والأشربة، والماء المقطر، كما اخترعوا الكحول والمستحلبات وأدوية القيء، واللعوقات، والسفوفات، والذرورات والخلاصات العطرية. واستخدم الرازي الزئبق في تركيب المراهم لأول مرة وجرب مفعوله على القردة. كما أن الأطباء المسلمين أول من وصف بذور شجرة البن دواء للقلب، ووصفوا حبوب البن القهوة المطحونة علاجًا لالتهاب اللوزتين والدوسنتاريا (الزحار) والجروح الملتهبة، ووصفوا الكافور لإنعاش القلب. كما خففوا من قوة بعض العقاقير بإضافة عصير الليمون والبرتقال بالإضافة إلى القرفة أو القرنفل. كما توصَّلوا إلى عمل الترياقات التي يتم تركيبها من عشرات أو أحيانًا من مئات العقاقير، وحسنوا تركيب الأفيون والزئبق واستخدموا الحشيش والأفيون وغيرهما في التخدير



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: رُوَّاد الصيدلة وأهم مؤلفاتهم.   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 5:04 am


رُوَّاد الصيدلة وأهم مؤلفاتهم. كان أول من أُطْلِق عليه لقب صيدلاني في العصر العباسي أبا قريش عيسى المتطبب، فقد كان صيدلانيًا في الحملة التي بعث بها المنصور لمحاربة سنقار. وقد نال حظوة في بلاد بني العباس. ثم بتطور مهنة الصيدلة ظهر أول طبيب غلبت عليه صفة الصيادلة وهو يوحنا بن ماسويه الخوزي الذي كان أحد معلمي حنين بن إسحاق. ثم ظهر أول كتاب صيدلاني بالعربية اسمه الأقرباذين الكبير في أواخر القرن التاسع الميلادي ألفه سابور بن سهل الكوسج (ت 255هـ، 869م). على أن صناعة الصيدلة والطب قفزت قفزة نوعية ليس في العالم الإسلامي فحسب، وإنما في كل العالم خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين؛ بظهور خمس موسوعات طبية صيدلانية كتبت بالعربية هي: فردوس الحكمة لعلي بن سهل الطبري، و الحاوي للرازي، و كامل الصناعة لعلي بن عباس المجوسي، و القانون لابن سينا، والتصريف لمن عجز عن التأليف للزهراوي. وختمت هذه الطفرة في القرن الثالث عشر الميلادي بكتابي الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، لابن البيطار (ت 646هـ، 1249م)، و منهاج الدكان ودستور الأعيان لداود العطار (ت بعد 658هـ،1260م). وقد ساهم هؤلاء العلماء وغيرهم بقسط وافر في تقدم الصناعة الطبية والصيدلانية. وفيما يلي وقفة على إسهام بعضهم.

إسهام الطبري. كان أبو الحسن علي بن سهل الطبري أستاذًا للرازي الذي أثنى على إسهاماته. وكان حقل الطب على عهد الطبري يجمع بين الطب والصيدلة؛ لذا نجد أن كتابه فردوس الحكمة صورة صادقة لمزج الطب بالصيدلة. وهذا الكتاب أقدم مُؤَلّف باللغة العربية جامع لفنون الطب والصيدلة. وقد مهّد الطريق لمن جاء بعده واقتفى أثره من أمثال الرازي والمجوسي وابن سينا. واحتوى على سبعة أبواب، تضمّن الباب الواحد 30 مقالة مفصلة إلى 360 فصلاً. أفرد الباب السادس للصيدلة، وبه ست مقالات عن المادة الطبية والسموم؛ تحدث فيها عن الأدوية المفردة والمركبة، والصموغ والأشياء المتجلية من الأرض، والأصداف والمعادن والدخان والرماد والزجاج، وقوى الأرض والطين المختوم، وتحضير الأدوية وحفظها، والسموم والترياقات والأقراص والجوارشنات والربوب والأشربة والأدهان، والمراهم.

إسهام الرازي. عرف الرازي طبيبًا وكيميائيًا أكثر من نسبته إلى أي علم آخر، لكنه نبغ في الصيدلة أيضًا، ساعده في ذلك نبوغه في الطب والكيمياء. وهو أول من نادى باستقلال الصيدلة عن الطب، وكان يقول لأطباء عصره : إن علم الصيدلة هو العلم الوحيد الذي سيكون العامل المشترك بين الطب والكيمياء، ومن هذا المنطلق كان أول من أدخل المركبات الكيميائية في الصيدلة. ومع أن انفصال الصيدلة عن الطب حدث بعده بفترة كبيرة، إلا أن الفضل يعود له أولاً في الإشارة إلى ذلك. وكتابه الحاوي أضخم موسوعة في علم الأمراض والمداواة كتبت بالعربية حتى عصرنا الحاضر. وقد خصص الأجزاء الأخيرة من هذا الكتاب للصيدلة؛ وفيها تناول قوى الأدوية المفردة، وأحصى فيها نحو 900 عقار. وكان عنوان الجزء قبل الأخير في هذه الموسوعة صيدلة الطب وقدَّم له بقوله: "المعرفة بالأدوية وتمييزها، جيدها ورديها، خالصها ومغشوشها، وإن كان ليس بلازم للطبيب ضرورة ـ كما يحسبه جهال الناس ـ فهو أحرى وأزين به. ولذلك رأيت أن أجمع هذا الفن، وإن لم يكن جزءًا من الطب ضروريًا في كتاب يخصه". وتناول الرازي في باب صيدلة الطب الأدوية المفردة والمركبة وطرق تحضيرها وكشف غشها كما تناول الأوزان والمكاييل. وفي آخر أجزاء الكتاب تحدث عن قوانين استعمال الأطعمة والأشربة، وأدوية الزينة. وصنّف الرازي إلى جانب الحاوي كتبًا كثيرة بلغت نحو 200 كتاب، إلا أنه في المنصوري و الجامع تدارك ما فاته ذكره في الطب والصيدلة. ووضع الأسس الصحيحة لعلم العقاقير وبين صفاتها وطرق تحضيرها، وكذلك علم الكيمياء الصيدلية، وهو أول من أدخل الزئبق في المراهم، وابتكر طريقة لتحضير الكحول من المواد النشوية والسكرية المتخمرة، واستخدمه في تطهير الجروح. وهناك قول بأن الفضل في اكتشاف دواء مضاد للجراثيم (مضاد حيوي) يعود للرازي، فقد أضاف عفن الخبز والعشب الفطري في أدويته التي تعالج الجروح المتعفنة. وحضر بعض الأحماض مثل حمض الكبريتيك وسمّاه الزاج الأخضر أو زيت الزاج. كما كان أول من استخدم الفحم الحيواني في قصر الألوان؛ ولا يزال هذا الفحم مستخدمًا لإزالة الألوان والروائح من المواد العضوية. وهو أول من فرّق بين كربونات الصوديوم وكربونات البوتاسيوم على الرغم من التشابه الكبير في خصائصهما. وكان أول من قاس الوزن النوعي لعدد من السوائل مستخدمًا ميزانًا أطلق عليه الميزان الطبيعي.

إسهام المجوسي. اشتهر علي بن عباس المجوسي بكتابه كامل الصناعة الطبية، الذي ظل المرجع الوحيد في الطب والصيدلة فترة طويلة إلى أن ظهر كتاب القانون لابن سينا فانصرف إليه الناس وتركوا كامل الصناعة جزئيًا. وتذكر بعض التراجم أن كامل الصناعة في العمل أبلغ، والقانون في العلم أثبت. وهناك من المُحْدَثين ـ ممن قارن بين الكتابين ـ من رجّح الكامل على القانون. وأخذ هذا الكتاب طريقه إلى أوروبا عندما ترجمه قسطنطين الإفريقي (ت 471هـ، 1078م) عميد مدرسة الطب في جامعة سالرنو ونسبه إلى نفسه. ولم يكتشف هذا السطو إلا بعد أن قام أسطفان الأنطاكي بترجمته ثانية عام 625هـ، 1227م ومن ثم أثبت عليه اسم المؤلِّف. ويحتوي الكتاب على قسمين؛ نظري وعملي يتضمنان 20 مقالة. وما يختص بالصيدلة ورد في القسم العملي في المقالتين الثانية والعاشرة، وعنواناهما الأدوية المفردة وامتحانها ومنافعها والأدوية المركبة على التوالي. ويُورد تحت الأدوية المفردة خمسة وخمسين بابًا أهمها: امتحان الدواء (اختباره)، وأنواعه مثل الأدوية الملينة والمذيبة، والمسكنة، والمفتتة للحصى، والمدرّة للبول، وأنواع العقاقير التي تؤخذ من النباتات كالأوراق، والبذور، والثمار، والصموغ، وما يؤخذ من المعادن، وما يؤخذ من الحيوان والأدوية المسهلة والمقيئة…إلخ.

ويورد تحت الأدوية المركبة ثلاثين بابًا أهمها الترياقات والمعجونات والمطبوخات، والمنقوعات، والسفوفات، والأضمدة، واللعوقات، والأكحال، والأدهان، والربوب، والأقراص، والجوارشنات، والذرورات، وأدوية الرعاف والسمنة والكلف والبهق والبرص والجرب ونحوها. وكان مثل الرازي ينصح المريض أولاً بالعلاج بالأغذية متى أمكن ذلك وإلا فبالأدوية المفردة. وكان يلجأ للأدوية المركبة إذا تعذَّر العلاج بالأغذية والأدوية المفردة.

إسهام ابن سينا. تأتي أهمية ابن سينا في حقلي الطب والصيدلة من أنه العالم الذي حدّد النظريات والتطبيقات في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية التي تقابل العصور المظلمة في أوروبا. وإذا كان علي بن سهل الطبري طليعة عهد النهضة العلمية الإسلامية، فإن قمة هذه النهضة كانت في عهد الشيخ الرئيس ابن سينا. فقد تناول علم الصيدلة في موسوعة القانون ـ التي تتكون من خمسة كتب ـ في الكتابين الثاني والخامس. يحتوي الكتاب الثاني على الأدوية المفردة وذكر فيه عددًا كبيرًا من النباتات الطبية العربية المنشأ وكذلك الهندية والفارسية والصينية واليونانية. أما الكتاب الخامس فقد تناول فيه الأدوية المركَّبة وطرق تحضيرها سواءً كانت ذات مصدر حيواني أو معدني أو نباتي. وحضّر ما يربو على 800 دواء مُركَّب استخدمها المسلمون ثم أهل أوروبا من بعدهم زمنًا طويلاً.

والكتاب الثاني ينقسم إلى قسمين؛ يتناول القسم الأول أبحاثًا في ماهية الدواء واختياره وصفاته ومفعوله وطرق حفظه. وشرح في هذا الكتاب تأثير بعض الأعمال الصيدلانية في عمل الأدوية المفردة التي قد تفسد مفعولها أو تقلله إذا لم تُراع مواصفات كل دواء. وذكر من ذلك الطبخ العنيف والمعتدل والخفيف، والسحق الشديد والمفرط، و الإحراق الذي يكسر الحدّة، أو الذي يكسب الحدّة، أو الذي يلطِّف الحدة، أو الذي يزيل القوة غير المرغوبة. وأضاف إلى هذا الجزء جداول أطلق عليها اسم الألواح بيّن فيها أثر كل دواء على كل عضو، وجعلها اثني عشر لوحًا؛ وهو تصنيف يمكن أن نطلق عليه في لغة صيادلة العصر التصنيف الفارماكولوجي (تصنيف علم العقاقير). أما القسم الثاني من الكتاب الثاني فيحتوي على الأدوية المفردة ذاتها، وقام بترتيبها ترتيبًا ألفبائيًا وتعّرض بالتفصيل لنحو 600 عقار وذكر أمام كل عقار المعلومات الست التالية: 1- ما هيته 2- اختياره 3- طبعه 4- فعله 5- بديله 6- سمّيته، وقد يضيف إلى بعضها مصدره الجغرافي.

والكتاب الخامس يتناول فيه الأدوية المركبة، ويقسمها تبعًا لخواصها إلى: حارة وباردة، ورطبة ويابسة؛ وذلك لأن نظريته في العلاج مُستمدة من أن تركيب جميع الكائنات يقوم على أربعة إسطقسات (عناصر) وأربع كيفيات متضادة. وأن بلوغ الصحة يتأتى من تعادل الأخلاط الأربعة في جسم الإنسان؛ وهي الدم والبلغم والمرة السوداء والصفراء وأطلق عليها اسم المزاج. وعلى الرغم من أن نظرية القوى والأمزجة والأخلاط التي عوّل عليها ابن سينا ومن سبقه من أطباء في شرح آلية تأثير الأدوية، تعد غير مقبولة علميًا في الوقت الراهن،إلا أنه ذكر وصفًا لعشرين فعلاً دوائياً أكثر مما ذكره المجوسي في كامل الصناعة، ولكل منها أهميته في علم الطب الحديث. كما يورد في مقالتي الكتاب الخامس عددًا من المركبات الراتبة في الأقرباذينات، وعددًا من الأدوية المركبة المجربة بالإضافة إلى أصول علم تركيب الأدوية، ولا يفوته ذكر الأوزان والمكاييل المستخدمة في العالم الإسلامي آنذاك بالإضافة إلى ما عند الروم.

إسهام الزهراوي. اشتهر أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي بأنه أبو الجراحة في عصر ازدهار العلم الإسلامي ـ العصور المظلمة في أوروبا. وكان خبيرًا بالأدوية المفردة والمركبة. وأشهر مؤلفاته التصريف لمن عجز عن التأليف. ويعد هذا المؤلف دائرة معارف طبية أفادت منه أوروبا على مدى خمسة قرون، واحتل المكانة التي كان يحتلها كتاب بولس الإيجنطي في الجراحة. وقد خص الزهراوي الصيدلة في هذا الكتاب بنصيب كبير، إذ أفرد لها سبعة وعشرين بابًا من بين الثلاثين مقالة التي ضمها الكتاب. تناول الزهراوي في هذه الأبواب الأشكال الصيدلانية، ودراسات عن أدوية تخص معالجة أمراض معينة؛ مثل أدوية القلب وأدوية السمنة والباءة وأمراض النساء. وأفضل ما كتبه في الكتاب عن الصيدلة المقالتين 28 و29. وقد ترجمت الأولى إلى اللاتينية وطبعت في البندقية عام 876هـ، 1471م. وكانت أشهر مقالة صيدلانية، تناول فيها كيفية تحضير العقاقير المعدنية والنباتية والحيوانية وتنقيتها، وذكر أسماء العقاقير بأربع لغات إلى جانب العربية هي: اليونانية والفارسية والسريانية والبربرية. وهو عمل يمكن أن يطلق عليه الآن معجم مصطلحات الصيدلة المتعدد اللغات. كما أورد أسماء الأدوات والأجهزة الكيميائية والصيدلانية، وأبدال الأدوية المفردة وذكر مصادرها ـ إن وجدت ـ وأعمار الأدوية المركبة والمفردة؛ أي تاريخ صلاحية الدواء. وكما فعل من سبقه أتى في النهاية على ذكر الأوزان والمكاييل ورتبها ترتيبًا ألفبائيًا. وكان الزهراوي أول من استخدم الفحم في ترويق شراب العسل البسيط وأول من استخدم قوالب الكبس لصنع الأقراص الدوائية.

إسهام الغافقي. نال أبو جعفر أحمد بن محمد الغافقي (ت 560هـ، 1165م) شهرة عظيمة بعد أن صنف كتابه الأدوية المفردة. وقد جمع فيه نحوًا من 1000 دواء من الأدوية المفردة ووصفها وصفًا دقيقًا وشرح طرق تحضير بعضها واستخدامها، وأورد من بينها النباتات الأسبانية والإفريقية ووضع مقابلاتها العربية واللاتينية والبربرية. كما استقصى في هذا الكتاب كل ما ذكره ديسقوريدس وجالينوس. وكان يرى أن على الطبيب أن يكون ملمًا تمامًا بالدواء الذي يصفه لمرضاه، لكنه لا ينبغي أن يتدخل في صنع هذا الدواء، بل يترك ذلك للصيدلاني الذي ينبغي أن يكون مطّلعًا على استعمال الأدوية وطرق تحضيرها. وإلى جانب الأدوية المفردة له مصنف آخر اسمه كتاب الأعشاب يحتوي على 380 صورة ملونة لنباتات وعقاقير رسمت رسمًا دقيقًا.

إسهام ابن البيطار. يُعّد أبو محمد عبدالله بن أحمد بن البيطار (ت 646هـ، 1248م) أكثر علماء النبات المسلمين إنتاجًا وأدقهم في فحص النباتات في مختلف البيئات والبلدان؛ فقد تجوّل في كثير من أقطار العالم المعروف آنذاك رغبة في جمع الحشائش والنباتات، وعني بدراسة كل نبات في زمانه وبيئته. وقد ألّف كتبًا كثيرة أهمها الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، وكان أوسع وأهم كتاب في الصيدلة وعلم النبات طوال الحقبة الممتدة من ديسقوريدس إلى القرن السادس عشر الميلادي. وقد ذكر في هذا الكتاب نحوًا من 1500 صنف من الأدوية الحيوانية والنباتية والمعدنية، من بينها 300 صنف جديد اكتشفها بنفسه. ولعلّ أهم ما يميز هذا الكتاب منهجه العلمي. وكان يرى أن المتقدمين وقعوا في أخطاء "لاعتماد أكثرهم على الصحف والنقل" أما هو فكما يقول عن نفسه: "واعتمادي على التجربة والمشاهدة". عندما وصل إلى مصر عينه صلاح الدين الأيوبي رئيسًا للعشابين (علماء النبات وتحضير الأدوية). ولما وصل إلى دمشق عينه الملك الكامل بن العادل رئيسًا للعشابين أيضًا. ورتّب ابن البيطار مفردات كتابه ترتيبًا ألفبائيًا، وضع لكل مفردة مقابلها باللغات السائدة آنذاك. وتُرجم هذا الكتاب إلى اللاتينية والتركية والألمانية والفرنسية.

يقع هذا المؤلّف الموسوعي في أربعة أجزاء يذكر فيها ماهيات الأدوية، وقوامها ومنافعها ومضارها، وإصلاح ضررها والمقدار المستعمل منها ومن عصارتها أو طبخها، وبدائلها إذا انعدمت. وذكر أسماء النباتات والحيوانات والمعادن التي يتخذ منها العقار، ويصف أجزاءه وصفًا دقيقًا، ومواطن نموه، وطريقة تحضير الدواء منه، ثم طريقة الاستعمال. وعلى الرغم من أنه ضمّن كتابه بعض معتقدات العامة إلا أن مفرداته بصورة عامة يغلب عليها الطابع العلمي من حيث الجمع والترتيب والتبويب وسلامة العرض وأمانة النقل.

إسهام داود العطار. ختم أبو المنى داود المعروف بكوهين العطار (ت نحو 658هـ، 1259م) قمة حقبة المجد الصيدلاني في الدولة الإسلامية خلال الفترة التي تبدأ بالقرن الثامن الميلادي وتنتهي بنهاية القرن الثالث عشر منه، واهتم بدراسة العقاقير فألف كتابه المشهور منهاج الدكّان ودستور الأعيان في تركيب الأدوية النافعة للأبدان. وقد جمع هذا الكتاب كما يقول في مقدمته: "…مختارًا من عدة أقرباذينات… كالإرشاد الملكي، والمناهج وأقرباذين ابن التلميذ والدستور… ومما نقلته عن ثقات العشابين ومما امتحنته وجربته بيدي".

ذكر داود العطار نحوًا من 24 شكلاً صيدلانياً عرف في عصره، وطرق تحضيرها، بالإضافة إلى دراسة وافية مفصلة لأعمار الأدوية. وتناول الأدوية النباتية المفردة وقوتها. ووصف طرق فحص الأدوية المغشوشة من الأصيلة وهو ما كان يسمى آنذاك بامتحان الأدوية ومن أهم الأدوية التي ورد ذكرها في دستور الدكان: الأشربة وطبخها، والمربيات، والمعاجين والجوارشنات، والسفوفات، والأقراص، واللعوقات، والحبوب، والمراهم، والأدهان، والأدوية المسهلة والقابضة، والأكحال.

تميز داود العطار عن غيره بالنزاهة التي عرفت لابن البيطار والرازي وغيرهما من علماء العرب والمسلمين؛ فقد اعترف أنه جمع معظم مادته من خبرته وتجربته الشخصية بالإضافة إلى أخذه من عدة مصادر أخرى كالإرشاد لابن جميع، و كامل الصناعة للمجوسي و المنهاج لابن جزلة البغدادي و أقرباذين ابن التلميذ و الدستور البيمارستاني للشيخ السديد.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: منجزات طبية وصيدلانية.   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 5:06 am


منجزات طبية وصيدلانية. أسهم العرب كثيرًا في حقلي الطب والصيدلة؛ ومن أهم إسهاماتهم؛ إدخال طرق جديدة للتشخيص المباشر والتشخيص السريري، وعلاج أمراض القلب، واكتشاف طرق مستحدثة للعلاج النفسي، وتطوير عمليتي التخدير والإنعاش بإدخال مواد جديدة إلى هذا الحقل، واكتشاف طرق جديدة لتفتيت الحصى في المثانة للرجال، واستئصال حصى المثانة عند النساء عن طريق المهبل، وفي جراحة القضيب الهوائية، كما اكتشفوا الدورة الدموية الصغرى (الدورة الرئوية). ومن منجزاتهم أنهم أسسوا علم الطب التجريبي. وقد حفظوا التراث الطبي للأمم التي سبقتهم من الضياع وأهملوا ما يتنافى فيه مع العلم والتجربة، وصححوا الأخطاء الواردة فيه وأضافوا معارف جديدة. ومن ذلك إقامة المدارس الطبية الملحقة بالبيمارستانات، بما في ذلك نظام الإعاشة لطلابها على غرار المدارس الداخلية في وقتنا الراهن، ويتلقى فيها الطلاب دروسهم النظرية والتطبيقية، ويتقدمون في نهاية الدراسة إلى امتحان كفاية يُقْسِم بعده من ينجحون يمين المهنة، ويتسلمون براءة ممارستها تحت رقابة الدولة. ومن هذه المدارس : مدرسة دمشق، ومدرسة بغداد، ومدرسة قرطبة. كما أدخلوا نظام الفحص اليومي على المرضى بالمستشفيات، وتدوين خلاصة الفحص على لوحة سرير المريض، وابتكار نظام الحمْيات (الوجبات الخاصة) للمرضى، ووضع القواعد في طب العيون، وابتكار أدوات جراحية مختلفة كالمكاشط، والكلاليب والحقن المعدنية لاستخراج حصاة المثانة والمشارط. كما أجروا نظام اختبار كفاية للأطباء وهم في الخدمة، وكان مبدأ ذلك في عهد الخليفة المقتدر بإشراف الطبيب سنان بن ثابت بن قُرة.

وهم أول من اعتمد طريقة التشخيص السريري على المرضى، وكذلك العزل (الحجر) الصحي، كما ابتكروا طرقًا أخرى في التشخيص تعرفوا بها على أعراض كثير من الأمراض، وتوصلوا إلى سبل لمعالجتها. من ذلك؛ العقم وأسبابه، والتخنث وحالاته وعالجوا بعض حالاته جراحيًا. ومن هذه الأمراض داء الجمرة والفيلارية والأورام الخبيثة التي عالجوا بعضها جراحياً وهي في أطوارها الأولى، والجذام وقد عزلوا المصابين به في مستشفيات خاصة، والسُّل الذي اكتشفوا أعراضه في لون أظافر المرضى. والشلل وأنواعه وعالجوه بأدوية مخالفة للأدوية التي استخدمها من قبلهم، وكذلك البواسير وقد درسوا أسبابه. وأجروا عمليات جراحية مستعصية في العين مثل قدح الماء الأزرق، كما شقّوا القصبة الهوائية والمريء والمستقيم للتوصل إلى التغذية الاصطناعية. وربطوا الشرايين أثناء العمليات الجراحية وفي حالات النزف.كما كانوا أول من استخدم فتيلة الجرح وأمعاء الحيوانات في العمليات الجراحية، وأول من استخدم الرصاص الأبيض في المراهم والزئبق في تركيب المسهلات. وكانوا أول من فرّق بين الجراحة وغيرها من الحقول الطبية وجعلوها قائمة على أساس دراسة تشريح الأجسام. وفصلوا بين الصيدلة والطب وأسسوا علم الصيدلة وفق أساليب علمية منظمة كما كانوا أول من أدخل استعمال السكر في تركيب الأدوية لتحل الأشربة الحلوة المستساغة للمرضى محل الأشربة المرّة. وصنفوا النباتات الطبية ووصفوها واستخدموها في المجالات الطبية وصناعة العقاقير. وقد برعوا في التمييز بين الأمراض ذات الأعراض المتشابهة كالحصبة والجدري، ومرض النقرس والرثية، والالتهاب الرئوي والالتهاب البلوري، وحصى الكلية وحصى المثانة، والمغص المعوي والمغص الكلوي، والسدر والدوار، والشلل النصفي واللقوة (شلل الوجه). وميّزوا بين ما هو ناتج عن سبب موضعي وما ينتج عن سبب مركزي في الدماغ، وألّفوا في هذا المجال بعض التصانيف منها كتاب ابن الجزار الفرق بين العلل التي تشتبه أسبابها وتختلف أعراضها. واكتشفوا مرض الإنكلستوما و الدودة التي تسببه. واكتشفوا الطفيليات المسببة للجرب.

والعلماء المسلمون أول من استفاد من الكيمياء في حقل الصيدلة. ولما اعتمد علمهم التجربة والمشاهدة والقياس؛ فقد أجروا التجارب على الحيوانات كالقرود قبل تجربتها على بني البشر. وبيّنوا علاقة بعض الأمراض بالخمر، كما وصفوا داء الفيل وانتشاره في الجسم. ولاحظوا أن لكل مرحلة من العمر معدّلاً معينًا في النبض، وبيّنوا أثر العوامل النفسية في اضطرابه. واستخدموا الأنابيب القصديرية المجوّفة لتغذية المصابين بعسر البلع. والأطباء المسلمون أول من استخدم الإسفنجة المبنجة (المخدِّرة) التي كانت توضع في عصير من الحشيش والأفيون والزؤان وست الحسن (الهيوسيامين). كما برعوا في تشريح العيون وجراحتها وعرفوا ما يطلق عليه اليوم التشريح المقارن. وعرفوا كيفية خياطة الجروح بشكل داخلي لا يترك أثرًا ظاهرًا من الخارج والتدريز في جراحات البطن، وكيفية الخياطة بإبرتين وخيط واحد مثبت بهما. وهناك إسهامات أخرى للعلماء المسلمين في حقلي الطب والصيدلة يضيق المجال عن ذكرها.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: الكيمياء   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 5:13 am



العلوم عند العرب والمسلمين Uusuus10

يقصد بالكيمياء الدراسة العلمية لخصائص المادة وتركيبها وبنيتها، والتغيرات التي تحدث في بنية المادة وتكوينها، والتغيرات المصاحبة في الطاقة. اختلف مؤرخو العلوم حول أصل هذه الكلمة فمنهم من ردها إلى أصل مصري ومنهم من ردها إلى أصل يوناني ومنهم من قال إنّ أصلها عبريّ، بينما أكَّد كثيرون أن أصلها عربي اشتق من كَمى يَكْمي بمعنى أخفى أو ستر؛ وفي ذلك إشارة لما كان يكتنف الكيمياء من غموض وسرّية. وكان المبدأ في ذلك كما نقل عن الجلدكي؛ أنه من المفترض على المشتغلين بالكيمياء "كتمان هذا العلم وتحريم إذاعته لغير المستحق… لأن في إذاعته خراب العالم".

كان العرب يطلقون على هذا العلم أسماء كثيرة بعضها يشير إلى طبيعة العلم، والآخر يشير إلى منهج البحث لديهم، ومن ذلك علم الصنعة، وعلم التدبير، و علم الحجر، وعلم الميزان. وهناك رأي يقول : إن الكيمياء كانت نقلة تلت الصنعة، وحدث ذلك لأن الكيمياء العربية تأثرت في طورها المبكر بالخيمياء اليونانية والسريانية التي لم تكن ذات قيمة.

حيث اعتمد الإغريق والسريان آنذاك على الفرضيات والتحليلات الفكرية، إذ إن الخيمياء تلجأ إلى الرؤية الوجدانية في تعليل الظواهر والخوارق في التفسير، وترتبط بالسحر وهو ما سمّاه العرب علم الصنعة الذي كان يسعى منذ قديم الزمن إلى بلوغ هدفين بعيدين: أولاً تحويل المعادن الخسيسة كالحديد والنحاس والرصاص والقصدير إلى معادن نفيسة كالذهب والفضة من خلال التوصل إلى حجر الفلاسفة. وثانيًا: تحضير إكسير الحياة ليكون بمثابة علاج يقضي على متاعب الإنسان وما يصيبه من آفات وأمراض، ويطيل حياته وحياة الكائنات الحية الأخرى. ولذلك نستطيع القول إن الكيمياء بدأت مع علوم السحر والوهميات المبهمة لارتباط ذلك بالتنجيم؛ فعلى سبيل المثال كانت الشمس تمثل الذهب، والفضة تمثل القمر، والزئبق عطارد، والحديد المريخ، والقصدير هرميز، والنحاس الزهرة. وكان هذا هو الاعتقاد السائد في أوروبا إبان القرون الوسطى، حيث كان علماؤها يدَّعون أن علم الكيمياء جزء لا يتجزأ من علم السحر.

وصلت الصنعة إلى العرب بوساطة الإسكندرانيين عندما استقدم خالد بن يزيد بن معاوية (ت 85هـ، 704م) بعض الأقباط المتحدثين بالعربية مثل مريانوس، وشمعون، وإصطفان الإسكندري، وطلب إليهم نقل علوم الصنعة إلى العربية. وتعلم خالد بن يزيد هذه الصنعة بهدف تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب، وبذا يكون أول من نقل الكيمياء واشتغل بها. وهكذا نجد أن هذه الصنعة وصلت إلى العرب. وقد تخلل ما كُتب فيها كثير من الأضاليل والطلاسم والأوهام، وكان هدفها تحقيق غايات وهمية لا تمت إلى الكيمياء الحقيقية بصلة؛ إذ إن الأخيرة ترتكز على قواعد وقوانين علمية.

الكيمياء العربية. في بادئ الأمر انتقلت الخيمياء بمفهومها الخاطئ إلى العلم العربي، فاعتقد المشتغلون بها من العلماء المسلمين مثل اعتقاد اليونان والسريان النسطوريين أن أصل جميع المعادن واحد: الماء، والهواء والنّار، والتراب. وأن طبائعها قابلة للتحويل ويعود سبب اختلافها فيما بينها إلى اختلاف نسب العناصر المكونة لها، وما على من يرغب في الحصول على الذهب مثلاً إلا أن يعيد تركيب هذه العناصر من جديد بنسب صحيحة بعد تحليل المعدن إلى عناصره الأساسية. وعلى الرغم من أنه لم يتوصل أحد لذلك، سواء من العرب أو من سبقهم، إلا أن سعي العلماء المسلمين للوصول إلى هذا الهدف جعلهم يكتشفون مواد جديدة ـ عن طريق المصادفة ـ ويتوصلون إلى قوانين جديدة عديدة؛ مما مكنهم في النهاية من الانتقال من الخيمياء إلى الكيمياء.

بعد أن نقل العرب والمسلمون ما لدى الآخرين من علم الخيمياء، وبعد أن تعمقوا في الصنعة وتوصلوا رويدًا رويدًا إلى اكتشافات جديدة، نجد أنه بحلول أواخر القرن الثالث للهجرة وأوائل الرابع قام عالَمٌ كيميائي عربي يختلف في رؤيته للتفصيلات والجزئيات عما سبقه نصًا وروحاً. فبإدخال التجربة العلمية والمشاهدات الدقيقة أضفى العلماء المسلمون على هذا العلم أصالة البحث العلمي التجريبي؛ لذا يوجد شبه إجماع لدى كثير من الباحثين على أن العرب هم مؤسسو علم الكيمياء التجريبي. وهم الذين أظهروا دراساته من السّريّة والغموض والطلاسم، التي عرفها بها الآخرون، واختطوا لها منهجًا استقرائيًا سليمًا يقوم على الملاحظة الحسيّة والتجربة العلمّية التي أطلقوا عليها في كتاباتهم اسم الدّربة والتجربة.

وعن طريق التجارب وصلوا إلى مركبات وأحماض لم تكن معروفة من قبل واستفادوا منها في حقلي الطب والصيدلة على وجه الخصوص. كما استطاعوا أن يوظِّفوا هذه المعارف في الصناعات المختلفة أو ما يمكن أن نطلق عليه في العصر الحديث الكيمياء الصناعية. وتوصل العلماء المسلمون إلى كثير من العمليات الأساسية في الكيمياء ووصفوها وصفًا دقيقًا وبينوا الهدف من إجرائها.

وكان منهجهم العلمي وتعبيرهم عن التغيرات التي تطرأ على المادة واضحين؛ ومثال ذلك نهج الكندي (ت 260هـ، 873م) في تحضير الفولاذ بمزج الحديد المطاوع بالحديد الصلب وصهرهما للحصول على حديد يحتوي على نسبة لا تقل عن 0,5% من الكربون ولا تزيد على 1,5%، وهي طريقة لا تختلف كثيرًا عما كان يُحضَّر من الفولاذ حتى مطلع القرن العشرين.

كما عمد الكيميائيون العرب إلى تصنيف الأجسام الكيميائية مراعين تشابه الخواص فيها، فصنفوها إلى معدنية ونباتية وحيوانية ومولَّدة (مشتقة). ولم يقف تصنيفهم عند هذا الحد، بل تعداه إلى تقسيمات فرعية أخرى أصغر لهذه الأجسام. فعلى سبيل المثال، قسموا الأجسام المعدنية إلى ست فئات أخرى هي 1ـ الأرواح؛ كالزئبق، 2ـ الأجساد (العناصر الفلزية)؛ كالذهب، 3ـ الأحجار؛ كالتوتياء، 4 ـ الزاج؛ كالزاج الأحمر والشب، 5ـ البورق؛ كالنطرون، 6 ـ الملح؛ كالملح المر (كبريتات المغنسيوم). واستخدموا في التجارب أدوات لم تعرف عند غيرهم وكانت النواة لبعض الأدوات البسيطة الحالية ومنها: القرعة، والإبريق، والقارورة، والمدق (الهون)، والملعقة، والمقراض، والمرجل، والمبرد، والحوض، والمكسر، وأجهزة التقطير، وكرة السحق، والأنبوب، والقرن، والصفارة، والكلاب، والمثقب، والكور، والقالب، والمثقال، والموقد ، والفرن، والماشق (الماسك)، والقمع، والمنجل، والراووق، وآلة التكليس، والميزان، والقطارة، والصَّدَفة، والمنفخ، والبوطقة، والبرنية (إناء فخاري)، والقدح، والإنبيق، وقد وصف الرازي وحده في سر الأسرار أكثر من 20 جهازًا استخدمها في تجاربه منها الزجاجي والمعدني والفخاري.

المنهج العلمي الجديد. انتقلت الكيمياء إلى العرب من خلال مدرسة الإسكندرية التي كانت تقول بإمكان تحويل العناصر. وانتقل إليهم مع هذه الكيمياء فيض من الفلسفة الهيلينية والآراء النظرية؛ نظرية أرسطو في تكوين الفلزات، وهي فرع عن نظريته الأساسية في العناصر الأربعة الماء والهواء والتراب والنار. إلا أن العلماء المسلمين ـ بعد أن توطدت أقدامهم في العلم ـ انتقدوا ما ذهب إليه أرسطو من إمكان إيجاد عنصرين آخرين دخاني ينتج عن تحويل التراب إلى النار ومائي ينتج عن تحويل الماء إلى الهواء وباتحادهما تحدث الفلزات في باطن الأرض.

وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي للعلماء المسلمين كان في بادئ الأمر ذات الهدف الذي شغل الكيميائيين الذين سبقوهم؛ أي تحوُّل ماهية معدن إلى معدن آخر، إلا أن هذا السبب نفسه هو الذي قادهم إلى إخضاع هذا العلم ليكون علمًا قائمًا على التجربة والملاحظة؛ إذ إنهم لم يجدوا إلى معرفة ماهيات المعادن من سبيل، إنما كان الممكن وزنها وقياسها فحسب. وتناسب المواد إلى بعضها لا يكون إلا بنسبة عددية، وليس من سبيل للوصول إلى ذلك إلا عن طريق التجربة. كما صرَّح بذلك جابر بن حيان: "إن كمال الصنعة العمل والتجربة، فمن لم يعمل ولم يجرب لم يظفر بشيء أبدًا" و "الدربة تخرج ذلك. فمن كان دربًا كان عالمًا حقًا… وحسبك بالدربة (التجربة) في جميع الصنائع".

وكان إخضاع الكيمياء للعلم أهم محاولة قامت في القرون المزدهرة للمسلمين لدراسة الطبيعة دراسة علمية تطبيقية فاحصة. وقد أخضع كل من أتوا بعد عصر ابن حيان من الكيميائيين العرب أبحاثهم للتجربة. وباختصار نجد أن الكيمياء لم تصبح علمًا حقيقيًا إلا بعد أن آل أمرها للمسلمين، وقد خرجوا بها من إطار النظرية التي نقلوها عن اليونان إلى التجربة والملاحظة والاستنتاج؛ وكان نتاج ذلك ذخيرة قيمة لم يحجبوها عن العالم، بل قدَّموها لمن خلفهم في العلم فبنوا على أساسها صرح الكيمياء الحديثة وكان العرب دعامة ذلك الصّرح وركيزته.

لم يمنع تقدم العرب في هذا المجال أن يقعوا في بعض الأخطاء التي صححها من أتى بعدهم، فهذه سنة العلم تمامًا كما صحح العرب من قبل نظريات من نقلوا عنهم من الإغريق. من ذلك نظرية جابر بن حيان في تكوين العناصر، حيث قال بأن جميع المواد المشتعلة تحتوي على عنصر الاشتعال الذي هو صورة من صور الكبريت. إلا أن شتال (ت 1144هـ، 1731م) نقض ما قاله جابر بما سُمّي بنظرية الفلوجستون. وعلى الرغم من أن لافوزيه قد دحض بدوره نظرية الفلوجستون عام 1188هـ، 1774م وأبان خطأها، إلا أنها كانت مفتاحًا للتعدين والحصول على بعض الفلزات من أكاسيدها. ويُعزى اعتقاد جابر إلى أسباب عدة منها: 1ـ إن أغلب العناصر التي عرفت حتى ذلك الوقت كان يتم الحصول عليها من كبريتاتها عن طريق التشوية (التحميص) كما ذكر جابر ذلك بنفسه، وينبعث غاز ثاني أكسيد الكبريت وغيره أثناء التعدين. 2ـ إن السبب الرئيسي الذي يتبادر إلى الذهن هو الاعتقاد بأن الكبريت موجود في كل العناصر. وقد قام بدراسة صور الكبريت كلها 3 ـ إن وضعه الزئبق كأحد عنصرين رئيسيين في تكوين المعادن، يعود إلى أنه يتحد مع كل العناصر تقريبًا من خلال تكوين الآصرة المعدنية التي لم تعرف إلا في القرن العشرين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: مواد كيميائية جديدة.   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 5:18 am


مواد كيميائية جديدة. بعد أن استقر لدى العلماء العرب والمسلمين منهج واضح، قوامه التجربة العلمية، توصلوا من خلال العمليات التي مارسوها إلى مواد كيميائية جديدة عديدة، اكتشفوها أو حضروها. من ذلك:
1ـ زيت الزاج (حمض الكبريتيك) H2SO4، وهو حمض قوي يستخدم في صناعات كثيرة وقد حضروه من تقطير الزاج الأزرق (كبريتات النحاس المائية)، ومنه الزاج الأبيض الذي كان يُسمّى القـلقيدس، واستخدموا محلــوله المــائي المخفف قطرة للعين؛ وهـو كبـريتات الخـارصـين المتـبلّـرة Zn SO4.7H2O، ومنه الزاج الأخضر وأطلقوا عليه اسم القلقند، والزاج الأصفر وأسموه القلقطار، والزاج الأحمر السوري، والشب وصيغته الجزيئية
K2 SO4 Al2 (SO4)3 24H2O ، 2ـ ماء الفضة (حمض النتريك) HNO3، وهو حمض قوي يستخدم في الصناعة،
3 ـ روح الملح (حمض الهيدروكلوريك) HCL، وهو حمض يؤثر في المعادن،
4ـ الماء الملكي (حمض النتروهيدروكلوريك) (HCL + HNO3)؛ وهو مزيج من كميات متعادلة حجمًا من حمض النتريك وحمض الهيدروكلوريك، ويطلق عليه أيضًا ماء الذهب لأنه الوحيد من بين الأحماض الذي يتفاعل مع الذهب،
5ـ حمض الطرطير (HOOC-CH2-CH2-CH2-CH2-COOH)، وهو مادة تترسب على الأسنان، وفي براميل الخمور،
6ـ النطرون (الصودا الكاوية) NaOH وتستخدم في صناعة الصابون والحرير الصناعي،
7ـ الراسب الأحمر (أكسيد الزئبق)
Hg2O، 8- السليماني (كلوريد الزئبق )
HgCl2، 9ـ ملح البارود (كربونات البوتاسيوم)
K2CO3 10 - كربونات الصوديوم
Na2CO3، 11 - كربونات الرصاص القاعدية
PbCO3(OH)2، 12ـ حجر جهنم (نترات الفضة )
AgNO3، 13ـ النشادر
NH3، 14ـ الأثمد Sb، ويستخدم الآن في مزج المعادن،
15ـ الكحول الميثيلي
CH3OH، 16ـ ثاني أكسيد المنجنيز
MnO2، 17ـ الأسرنج الأحمر (ثاني أكسيد الرصاص الأحمر Pb3O4) ويسـتخدم فـي الــصباغة
18ـ أول أكسيد الرصاص
19ـ الزنجفر (كبريتيد الزئبق)
HgS 20 ـ الرهج (كبريتيد الزرنيخ)
21 ـ الشك؛ بياض الزرنيخ (ثلاثي أكسيد الزرنيخ)
As2O3، 22 ـ الفيروزج (فوسفات الألومنيوم القاعدية المتحدة مع النحاس)
Cu Al6 (PO4)4(OH)8.5H2O، 23 ـ الساذنج أو حجر الدم (أكسيد الحديد المتبلر) واستعمل لوقف الرِّعاف.
24 ـ المرتك (كبريتيد المولبدنوم)
MoS2، 25ـ زعــفــران الحديد (أكـسيد الحديد)
FeO، 26ـ الدهننج (كربونات النحاس القاعدية)
Cu2CO3 (OH)2 ،27ـ الكحل (كبريتيد الرصاص) (PbS) واستخدم لغرض جمالي،
28 - والطلق، التلك،
29ـ الجبسين؛ ويشبه الشب من حيث المظهر CaSO4.2H2O ، وكان يستخدم في تجبير العظام.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: العمليات الكيميائية   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 5:27 am


العمليات الكيميائية

استخدم العلماء المسلمون عمليات كيميائية متعددة سواء في تحضير الأدوية المركّبة أو في بعض الصناعات، واختبروا من خلال هذه العمليات خصائص العناصر التي تدخل في هذه العمليات، كما حضروا أنواعًا مختلفة من المواد أو طوّروها لتناسب أغراضهم سواء لفصل السوائل عن بعضها، أو لتحضير بعض المعادن من خاماتها، أو لإزاحة الشوائب، أو تحويل المواد من حالة إلى أخرى. كما استعملوا الميزان استعمالاً فنيًا في ضبط مقادير الشوائب في المعادن، وهو أمر لم يعرفه العالم إلا بعد سبعة قرون من استخدام المسلمين له.

أهم العمليات التي مارسها الكيميائيون العرب لتحضير المواد وتنقيتها هي:

1- التشوية؛ واستخدمت هذه الطريقة ـ ولا زالت تستخدم حتى اليوم ـ في تحضير بعض المعادن من خاماتها، واستخدموا فيها الهواء الساخن؛ حيث توضع المادة في صلاية بعد غمسها في الماء ثم تنقل إلى قارورة تعلَّق داخل قارورة أخرى أكبر منها، ثم تسخّن الأخيرة مدة طويلة إلى أن تزول الرطوبة، ثم تُسد فوهة القارورة الداخلية التي تحتوي على المادة.

2- التقطير؛ ويتم بغليان السائل في وعاء خاص ليتحول بوساطة الحرارة إلى بخار، ثم يكثف البخار ليتحول إلى سائل بوساطة الإنبيق ويتجمع السائل المتكاثف في دورق خاص، وتستخدم هذه الطريقة لتخليص السائل من المواد العالقة والمنحلة به، ولفصل السوائل المتطايرة من غير المتطايرة.

3- التنقية؛ ويتم في هذه العملية إزالة الشوائب عن المادة المطلوبة، ولتحقيق هذا الهدف تستخدم عمليات مساندة أخرى كالتقطير، والغسيل، والتذويب في مذيبات مختلفة، والتبلّر الجزئي.

4- التسامي؛ وهو تحويل المواد الصلبة إلى بخار ثم إلى الصلابة مرة أخرى دون المرور بمرحلة السيولة كاليود والكافور.

5ـ التصعيد؛ وهو تسخين المادة السائلة ـ خاصة الزيوت العطرية وغيرها ـ بسوائل أو مواد صلبة درجة غليانها عالية. وعند تسخين هذه المادة في حمام مائي بحيث لا تزيد درجة حرارته عن 100°م تتصاعد الأجزاء المتطايرة، وتبقى الأجزاء الثابتة. وأول من استخدم هذه الطريقة الكندي وسماها في كتابه تصعيد العطور، وكان يقوم بهذه العملية مستخدمًا التصعيد البخاري.

6- التكليس، ويشبه عملية التشوية، إلا أنه في التكليس يتم تسخين المادة تسخينًا مباشرًا إلى أن تتحول إلى مسحوق، واستخدم التكليس كثيرًا في إزالة ماء التبلر، وتحويل المادة المتبلرة إلى مسحوق غير متبلر.

7- التشميع؛ وهو تغليف المادة بالشمع لعزلها وحمايتها من عوامل معينة كالتلوث أو لتسهيل بعض العمليات. ويتم التشميع بإضافة مواد تساعد على انصهار المواد الأخرى؛ فبإضافة البورق أو النطرون (كربونات الصوديوم) إلى الرمل تسهل عملية صهر الرمل لصنع الزجاج.

8- الملغمة؛ وهي اتحاد الزئبق بالمعادن الأخرى. وعلى الرغم من أن العرب لم يكونوا أول من استخدم هذه العملية، إلا أنهم أول من استخدمها في التمهيد لعمليتي التكليس والتصعيد

9- التخمير؛ وهو تفاعل المواد النشوية مع الطفيليات الفطرية. وقد هدتهم التجربة إلى ابتكار طريقة لتحضير الكحول الجيد من المواد النشوية والسكرية المتخمرة. ومن المعلوم أنهم أول من استخدم عفن الخبز والعشب الفطري في تركيب أدويتهم لعلاج الجروح المتعفنة.

10- التبلر؛ وفيه تتخذ بعض الأجسام أشكالاً هندسية ثابتة تتنوع بتنوع هذه الأجسام، ويتم ذلك بإذابة المادة في أحد المذيبات في درجة حرارة عالية حتى يتشبع المحلول، وعندما يبرد المحلول تنفصل بلورات المادة المذابة عن المحلول على هيئة بلورات نقية، وتظل الشوائب مذابة في المحلول المتبقي، ثم يرشح المحلول للحصول على المادة المتبلرة.

11- التبخير؛ وهو تحويل الأجسام الصلبة والسوائل إلى بخار بتأثير الحرارة.

12- الترشيح؛ ويستخدم للحصول على المواد المتبلرة أو النقية، واستخدموا فيه أقماعًا تشبه الأقماع المستخدمة حاليًا، واستعاضوا عن ورق الترشيح بأقمشة مصنوعة من الشعر أو الكتان تتناسب دقة نسجها وخيوطها مع المحلول المراد ترشيحه.


نظريات وآراء.

على الرغم من أن العلماء العرب والمسلمين كانوا تلاميذ للحضارة اليونانية في مجال الكيمياء، إلا أنهم سرعان مانبغوا في هذا العلم وصارت لهم نظريات وآراء جديدة تختلف كل الاختلاف عن نظريات أساتذتهم، حتى عُدت الكيمياء علمًا عربيًا بحتًا. ومن خلال تطويرهم هذا العلم خرجوا بكثير من الآراء وحضّروا الكثير من المستحضرات من ذلك:

1- اعتبار التجربة في الكيمياء أساسًا للتثبت من صحة التفاعلات الكيميائية، وإقرار التجربة المخبرية لأول مرة في منهج البحث العلمي،

2- وصف التجارب العلمية بدقة، وتفصيل التفاعلات الكيميائية الناتجة خلال هذه التجارب،

3- قياس الوزن النوعي للسوائل بوساطة موازين خاصة كالتي استخدمها الرازي وأطلق عليها اسم الميزان الطبيعي؛ وقد سموا ذلك علم الميزان وهو ما يطلق عليه حاليًا اسم قانون الأوزان المتكافئة،

4- نظرية تكوين المعادن،

5- نظرية تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب وفضة ـ على ما فيها من أخطاء،

6- نظرية الاتحاد الكيميائي،

7- قانون بقاء المادة،

8- تحديدهم أن قوة المغنطيس تضعف بمرور الزمن؛ وكان جابر بن حيان أول من توصل إلى ذلك عندما لاحظ أن حجرًا مغنطيسيًا يحمل كتلة من الحديد وزنها 100 درهم، وبعد مدة لم يستطع أن يحمل سوى 80 درهمًا فقط.

9- ملاحظة تباين درجة غليان السوائل،

10- تطبيق نتائج المستحضرات الكيميائية في حقل الطب والصيدلة والاستعانة به في علاج المرضى ومزاولة ما يسمى اليوم بالكيمياء الصيدلية،

11ـ تحضير بعض المواد من خلال مواد أخرى؛ كالحصول على الكحول بتقطير المواد السكرية وتحضير حمض الكبريتيك بتقطير الزاج الأزرق، وقد نقل الغرب ذلك عن الرازي وسموه كبريت الفلاسفة،

12 ـ فصل المعادن بوساطة بعض الأحماض؛ مثل فصلهم الذهب عن الفضة بوساطة حمض النتريك،

13ـ نظرية انطفاء النار عند انعدام الهواء، وهو ما يعرف حديثًا؛ بانعدام الأكسجين،

14ـ ملاحظة إكساب اللون الأزرق لمركبات النحاس عند تعريضها إلى اللهب.





عدل سابقا من قبل Admin في السبت يوليو 03, 2010 6:24 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: الكيمياء الصناعية   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 5:55 am

الكيمياء الصناعية

اشتهر العلماء المسلمون بالكيمياء التطبيقية، بينما كان الإغريق يركِّزون على الجانب النظري. ولعل اهتمام العلماء المسلمين بالكيمياء التطبيقية يعود إلى اعتقادهم بأهميتها في صنع الأدوية المركبة، وساعدهم على ذلك استعمالهم الفائق الدقة للموازين والمكاييل والآلات؛ مما مكنهم من تطبيق النتائج التي كانوا يخرجون بها في الصناعات القائمة آنذاك؛ وهو ما يمكن أن نطلق عليه الآن الكيمياء الصناعية. ومن بين الصناعات التي برعوا فيها، وورّثوها للأمم الأخرى، صناعة المعادن وتركيبها وتنقيتها وصقلها. وتوصلوا إلى تحضير بعض المواد التي مكنتهم من صنع المتفجرات، والمفرقعات، كذلك تطورت لديهم صناعة الأسلحة التقليدية كالسيوف والخناجر. كما توصلوا، عن طريق استغلالهم للقوى الناجمة عن انفجار البارود (نترات البوتاسيوم) إلى صنع ذخيرة المدافع لاستغلالها في الأغراض الحربية. ومع أن الصينيين هم الذين اكتشفوا ملح البارود، وأن اليونانيين كانوا يستخدمون النار الإغريقية. انظر: النار الإغريقية. إلا أن تلك النار لم تكن صالحة إلا لإشعال الحرائق، حيث لم تكن ذات قابلية للانفجار. ويعود الفضل للعرب والمسلمين في اختراع بارود المدافع. وكان مسلمو الأندلس أول من صنع المدافع، ونقلها إلى بقية أوروبا أولئك الجنود الذين كانوا يحاربون في صفوف الجيش الأسباني في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي.

مزج العلماء العرب والمسلمون الذهب بالفضة، واستخدموا القصدير لمنع التأكسد والصدأ في الأواني النحاسية. واستخدموا خبرتهم الكيميائية في صناعة العطور، ومواد التجميل وصباغة الأقمشة والشموع، واستخراج الزيوت النباتية، وتركيب الأدوية، وصناعة الفولاذ والأسمدة والصابون والزجاج والأواني الزجاجية والمرايا والمصابيح الملونة والبلَّور. ومنهم انتقلت صناعتها لتزيين قصور أوروبا وكنائسها بروائع البلور (الكريستال) المزخرف حتى بالكتابات العربية والآيات القرآنية. كما صنعوا مواد كيميائية مضادة للحريق. فقد استخدموا في معركة الزنج سنة 269هـ، 882م مادة إذا طلي بها الخشب لم يحترق. والمسلمون أول من أدخل صناعة الورق في أوروبا، وأنشأوا له مصانع كبيرة في كل من الأندلس وصقلية. وكان مبدأ معرفتهم بصناعة الورق عام 94هـ، 712م عندما فتحوا سمرقند، وتعلموا منها ضرب القنَّب لصنع عجينة تتحول إلى ورق للكتابة حل محل وسائل الكتابة المعروفة آنذاك مثل ألواح الطين، والبردي، والرق، وسعف النخيل. واستعاضوا عن القنب بالقطن. وأنشئ أول مصنع للورق في بغداد عام 178هـ، 794م في عهد هارون الرشيد. وازدهرت صناعة الورق في شرق العالم العربي وتطورت لتسد حاجة العالم الإسلامي المتزايدة منه؛ لتلبية الإقبال الكبير على الترجمة والتأليف. وأقام المسلمون معامل متطورة لدباغة الجلود وصنع الأصباغ المختلفة مثل النيلة (النيل الأزرق)، والكرم، والزعفران وغيرها، وكانت هذه ـ بالإضافة إلى الخزف والجلود والغراء والسجاد والعطور ـ من أهم السلع التي يصدرها العالم الإسلامي للأمم الأخرى.

من المواد الكيميائية التي اكتشفها العرب، ولها دور كبير في الصناعة، الحمض الأزوني الذي كانوا يسمونه الماء المحلل. ويستهلك اليوم بكميات كبيرة في الصناعات المختلفة مثل الماء الملكي والنتروبنزين، والنتروكليسرين، وقطن البارود. والخلاصة أن رواد الكيمياء العرب قد وضعوا هذا العلم في خدمة الصناعة وأخرجوه من حيز الخرافات والطلاسم التي عرف بهما إلى حيز الوضوح والتجريب.



رواد الكيمياء وأهم مؤلفاتهم. المأثور عند العرب أن أول عهدهم بالكيمياء والعلوم الطبيعية كان أيام خالد بن يزيد بن معاوية الملقب بحكيم آل مروان. ويذكر ابن خلكان أنه كان من أعلم قريش بفنون العلم، وله كلام في صنعة الكيمياء والطب. ويقال إن جعفر الصادق (ت148هـ، 765م) كان على علم بهذه الصنعة، وأن جابر بن حيان تعلّمها منه، ومع جابر انتقلت الكيمياء من طور الخرافة والطلاسم إلى طور العلم التجريبي، وارتقى العلم بعده على يد جهابذة آخرين أمثال الكندي، والرازي، وابن سينا وغيرهم. وكان إسهامهم في الكيمياء ذا شأن؛ إذ أضافوا إليه أصالة البحث العلمي بإدخالهم التجربة العلمية والمشاهدات الدقيقة؛ حتى ليكاد ينعقد الرأي، عند كثير من الباحثين الآن، أن المسلمين هم مؤسسو علم الكيمياء التجريبي؛ فقد جعلوه يقوم على الملاحظة الحسية والتجربة العلمية.

إسهام جابر بن حَيّان. يعد جابر بن حيان (ت 200هـ،815م) مؤسس علم الكيمياء التجريبي، فهو أول من استخلص معلوماته الكيميائية من خلال التجارب، والاستقراء، والاستنتاج العلمي. وكان غزير الإنتاج والاكتشافات، حتى أن الكيمياء اقترنت باسمه فقالوا : كيمياء جابر، والكيمياء لجابر، وقالوا : علم جابر أو صنعة جابر. وكانت أعماله القائمة على التجربة المعملية أهم محاولة جادة قامت آنذاك لدراسة الطبيعة دراسة علمية دقيقة. فهو أول من بشَّر بالمنهج التجريبي المخبري، ومن نصائحه لطلابه في هذا الصدد: "أول واجب أن تعمل وتجري تجارب؛ لأن من لا يعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان. فعليك يا بني بالتجربة لتصل إلى المعرفة". وتكاد الإجراءات التي كان يتبعها في أبحاثه تطابق ما يقوم به المشتغلون بالمنهج العلمي اليوم؛ وتتلخص إجراءاته في خطوات ثلاث: 1ـ أن يأتي الكيميائي بفرض يفرضه من خلال مشاهداته، وذلك حتى يفسر الظاهرة التي يريد تفسيرها و 2ـ أن يستنبط مما افترضه نتائج تترتب عليه نظريًا، و 3ـ أن يعود بهذه النتائج إلى الطبيعة ليتثبت ما إذا كانت ستصدق على مشاهداته الجديدة أم لا؛ فإن صدقت تحولت الفرضية إلى قانون علمي يُعوَّل عليه في التنبؤ بما يمكن أن يحدث في الطبيعة إذا توافرت ظروف بعينها.

قام جابر بإجراء كثير من العمليات المخبرية، كان بعضها معروفًا من قبل فطوَّره، وأدخل عمليات جديدة. من الوسائل التي استخدمها: التّبخّر، والتكليس، والتقطير، والتبلر، والتصعيد، والترشيح، والصهر، والتكثيف، والإذابة. ودرس خواص بعض المواد دراسة دقيقة؛ فتعرف على أيون الفضة النشادري المعقد. كما قام بتحضير عدد كبير من المواد الكيميائية؛ فهو أول من حضَّر حمض الكبريتيك التقطير من الشب. وحضّر أكسيد الزئبق، وحمض النتريك؛ أي ماء الفضة، وكان يسميه الماء المحلل أو ماء النار، وحضر حمض الكلوريدريك المسمّى بروح الملح. وهو أول من اكتشف الصودا الكاوية، وأول من استخرج نترات الفضة وقد سمّاها حجر جهنم، وثاني كلوريد الزئبق (السليماني)، وحمض النتروهيدروكلوريك (الماء الملكي)، وسمِّي كذلك لأنه يذيب الذهب ملك المعادن. وهو أول من لاحظ رواسب كلوريد الفضة عند إضافة ملح الطعام إلى نترات الفضة. كما استخدم الشب في تثبيت الأصباغ في الأقمشة، وحضّر بعض المواد التي تمنع الثياب من البلل؛ وهذه المواد هي أملاح الألومنيوم المشتقة من الأحماض العضوية ذات الأجزاء الهيدروكربونية. ومن استنتاجاته أن اللهب يكسب النحاس اللون الأزرق، بينما يكسب النحاس اللهب لونًا أخضر. وهو أول من فصل الذهب عن الفضة بالحل بوساطة الحمض، وشرح بالتفصيل عملية تحضير الزرنيخ، والإثمد (الأنتيمون)، وتنقية المعادن، وصبغ الأقمشة، ويعزى إلى جابر أنه أول من استعمل الميزان الحساس والأوزان المتناهية الدقة في تجاربه المخبرية؛ وقد وزن مقادير يقل وزنها عن1/100 من الرطل. وينسب إليه تحضير مركبات كل من كربونات البوتاسيوم والصوديوم والرصاص القاعدي والإثمد (الأنتيمون)، كما استخدم ثاني أكسيد المنجنيز لإزالة الألوان في صناعة الزجاج. كما بلور جابر النظرية التي مفادها أن الاتحاد الكيميائي يتم باتصال ذرات العناصر المتفاعلة مع بعضها. ومثّل على ذلك بكل من الزئبق والكبريت عندما يتحدان ويكونان مادة جديدة.

تدل العمليات الكيميائية التي أوردها جابر في مؤلفاته على براعته في الكيمياء وإبداعه في تصميم الأفران والبوتقات، ولا شك أنه لم يكن ليصل إلى ما وصل إليه إلا بفضل تجاربه المخبرية. وقد كان يجري معظم هذه التجارب في مختبر خاص اكتشف في أنقاض مدينة الكوفة في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي؛ وهو أشبه بالقبو في مكان منعزل بعيدًا عن أعين الفضوليين، وبه من الأثاث: منضدة وقوارير، وأفران، وموقد، وهاون، وبعض الأدوات مثل الماشق (الماسك)، والمقرض، والملعقة، والمبرد، والقمع، والراووق (المصفاة)، وأحواض، وإسفنجة، وآلة تكليس، وقطّارة، ومعدات للتقطير، وميزان وإنبيق وغيرها.

ولجابر بن حيان مؤلفات ورسائل كثيرة في الكيمياء. وأشهر هذه المؤلفات كتاب السموم ودفع مضارها، وفيه قسَّم السموم إلى حيوانية، ونباتية وحجرية، وذكر الأدوية المضادة لها وتفاعلها في الجسم؛ وكتاب التدابير؛ وتعني التدابير في ذلك الوقت العمل القائم على التجربة، وكتاب الموازين وكتاب الحديد؛ وفيه يصف جابر عملية استخراج الحديد الصلب من خاماته الأولى. كما يصف كيفية صنع الفولاذ بوساطة الصهر بالبواتق، ومن كتبه كذلك نهاية الإتقان، و رسالة في الأفران. وتُشكل مجموعة الكتب التي تحمل اسم جابر بن حيان موسوعة تحتوي على خلاصة ما توصل إليه علم الكيمياء حتى عصره. وقد تَرْجم معظم كتبه إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي روبرت الشستري (ت 539هـ، 1144م) وجيرار الكريموني (ت 583هـ، 1187م) وغيرهما. ومثّلت مصنفاته المترجمة الركيزة التي انطلق منها علم الكيمياء الحديث في العالم.

إسهام الكندي. كان يعقوب بن إسحاق الكندي (ت 260هـ، 873م) أول من وقف معارضًا بشدة مقولة الكيميائيين بإمكان تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة. وألف في ذلك رسالة في بطلان دعوى المدعين صنعة الذهب والفضة وخدعهم، وكذلك رسالة أخرى في التنبيه على خدع الكيميائيين. وقد ألف في الكيمياء، إلى جانب الرسالتين السابقتين، مؤلفات أخرى منها: رسالة في العطر وأنواعه؛ تلويح الزجاج؛ رسالة فيما يطرح على الحديد والسيوف حتى لا تتثلّم ولا تكل؛ رسالة في صنع أطعمة من غير عناصرها؛ رسالة فيما يصبغ فيعطي لونًا؛ قلع الآثار عن الثياب؛ وتشتمل على بعض المواد الكيميائية المستخدمة حاليًا في تنظيف الثياب وإزالة البقع منها. أما كتابه كيمياء العطر والتصعيدات فيورد فيه الكثير من أنواع العطور التي يشتقها من عطر واحد؛ فبعد أن يستخلص العطر من مصدره الطبيعي، يأخذ مقدارًا ضئيلاً ويعالجه بمواد أخرى ليحصل على مقدار أكبر من العطر نفسه. بدأ كتابه بطُرُق صنع المسك ومجموعة أخرى من العطور المشهورة في وقته، تحدّث في طرق الحصول على هذه العطور عن عمليات كيميائية عديدة كالتقطير والترشيح والتصعيد.

حضّر الكندي أنواعًا من الحديد الفولاذ بأسلوب المزج والصهر؛ وهي طريقة لا زالت تستخدم حتى وقتنا الحاضر بنجاح. يتلخص هذا الأسلوب في مزج كميتين معلومتين من الحديد النرماهن (المطاوع) والحديد الشبرقان (الحديد الصلب). ويصهران معًا ثم يسخنان إلى درجة حرارة معلومة وخلال مدة زمنية مناسبة بحيث يكون الحديد الناتج محتويًا على نسبة من الكربون لا تقل عن 0,5% ولا تزيد كثيرًا على 1,5%. واستخدم الكندي أشهر السموم المعدنية المعروفة في وقتنا الراهن؛ وهي التي تتكون من أيون السيانيد الموجود في ورق نبات الدفلي، وكذلك الزرنيخ الأصفر. فقد ذكر الكندي وصفة لتلوين حديد السيوف والسكاكين يدخل في تركيبها بعض المواد العضوية والأعشاب، من بينها نبات الدفلي الذي ثبت أن السم فيه عالي التركيز لاحتوائه على مقدار كبير نسبياً من سيانيد الصوديوم أو البوتاسيوم، ويكسب الحديد لونًا أحمر يضرب إلى الزرقة.

قام كل من أرنالدوس وجيرار الكريموني بترجمة كتب الكندي في مجال الكيمياء والصيدلة إلى اللغة اللاتينية، وقال عنه الأخير إنه كان "خصب القريحة، وإنه فريد عصره في معرفة العلوم بأسرها".

إسهام الرازي. كانت لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي (ت 311هـ، 923م) إسهامات كبيرة في الكيمياء، ويعود له الفضل في تحويل الكيمياء القديمة (كيمياء جابر) إلى علم الكيمياء الحديث، وكانت مصنفاته أول المصنفات الكيميائية في تاريخ هذا العلم. وعلى الرغم من أن أستاذه جابر بن حيان كان أول من بشَّر بالمنهج التجريبي؛ إلا أنه كان يخلط ذلك بأوهام الرمزية والتنجيم. أما الرازي فقد تجرّد عن الغموض والإيهام وعالج المواد الطبيعية من منظور حقيقتها الشكلية الخارجية دون مدلولها الرمزي. ولذا كان الرازي بطبيعة الأمر أوسع علمًا وأكثر تجربة وأدق تصنيفًا للمواد من أستاذه. ونستطيع أن نقول : إنه الرائد الأول في هذا العلم، وذلك في ضوء اتجاهه العلمي، وحرصه على التحليل وترتيب العمل المخبري، وكذلك في ضوء ما وصف من عقاقير وآلات وأدوات.

عكف الرازي ـ إلى جانب عمله التطبيقي في الطب والصيدلة والكيمياء ـ على التأليف؛ وصنَّف ما يربو على 220 مؤلفًا ما بين كتاب ورسالة ومقالة. وأشهر مصنفاته في حقل الكيمياء سر الأسرار نقله جيرار الكريموني إلى اللاتينية، وبقيت أوروبا تعتمده في مدارسها وجامعاتها زمنًا طويلاً. بيًَّن في هذا الكتاب المنهج الذي يتبعه في إجراء تجاربه؛ فكان يبتدئ على الدوام بوصف المواد التي يعالجها ويطلق عليها المعرفة، ثم يصف الأدوات والآلات التي يستعين بها في تجاربه؛ وسماها معرفة الآلات، ثم يشرح بالتفصيل أساليبه في التجربة وسماها معرفة التدابير. ولعل براعة الرازي في حقل الطب جعلته ينبغ في حقل الكيمياء والصيدلة؛ إذ كان لابد للطبيب البارع آنذاك أن يقوم بتحضير الأدوية المركبة، ولا يمكن تحضير هذه المركبات إلا عن طريق التجربة المعملية. ويبين سر الأسرار ميل الرازي الكبير واهتمامه العميق بالكيمياء العملية، وترجيح الجانب التطبيقي على التأمل النظري، ولا يورد فيه سوى النتائج المستفادة من التجربة. وقسَّم المواد الكيميائية إلى أربعة : معدنية، ونباتية، وحيوانية ومشتقة.

كان الرازي من أوائل من طبقوا معارفهم الكيميائية في مجال الطب والعلاج، وكان ينسب الشفاء إلى إثارة تفاعل كيميائي في جسم المريض؛ فهو أول من استعمل الكحول في تطهير الجروح، وابتكر طريقة جديدة لتحضير الكحول الجيد من المواد النشوية والسكرية المتخمرة. كما كان أول من أدخل الزئبق في المراهم. انظر: إسهام رازي في الصيدلة في هذه المقالة.


العلوم عند العرب والمسلمين 0010
العلوم عند العرب والمسلمين 0110
العلوم عند العرب والمسلمين 0210




عدل سابقا من قبل Admin في السبت يوليو 03, 2010 6:20 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: الفيزياء   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 5:59 am


الفيزياء

العلوم عند العرب والمسلمين Ouuuso10

على الرغم من اهتمام العرب والمسلمين بالفيزياء، إلا أن ذلك الاهتمام لم يرق إلى ما نالته الكيمياء من عناية. فقد بدا علم الكيمياء لديهم مستقلاً واضحًا منذ مطلع نهضتهم العلمية، أما الفيزياء فقد كانت تمثل جانبًا من الرياضيات حينًا أو فرعًا من فروع علم ما وراء الطبيعة حينًا آخر. لذا نجد أن كثيرًا من المعلومات التي أدلوا بها حول علم الميكانيكا مبثوثة في كتب الفلسفة، وليس في كتب العلوم كما قد يتبادر إلى الذهن، لأنهم اعتبروا أن فكرة الزمان والمكان والحركة كلها أفكار تنتمي إلى الفلسفة. ولهم في مختلف فروع هذا العلم ملاحظات كثيرة صائبة وملاحظات أخرى غير صائبة مبثوثة في تصانيف كثيرة متنوعة. ولا ينبغي أن يتبادر للذهن أنهم كانوا متأخرين في هذا العلم لأنهم لم يعتنوا به عنايتهم بالكيمياء، فهم في هذا العلم قد بزُّوا الأمم المعاصرة لهم في كثير من فروعه مثل البصريات، والميكانيكا. كما خرجوا بآراء طيبة في الجاذبية والمغنطيس، والصوت الذي طبقوا مبادئه على علم الموسيقى، والثقل النوعي وغير ذلك. وقام علماء أفذاذ بطرح نظريات جديدة وبحوث مبتكرة. وكان من بين هؤلاء العلماء أبناء موسى بن شاكر وابن الهيثم والبيروني وابن سينا والخازن وغيرهم.

أخذ العرب مبادئ علم الفيزياء من اليونان؛ فقد ترجموا كتاب الفيزيكس لأرسطو، وكتاب الحيل الروحانية و رفع الأثقال لأيرن، وكتاب الآلات المصوتة على بعد 60 ميلاً لمورطس. كما اهتموا بمؤلفات أرخميدس وهيرون، وطوَّروا نظرياتهما وأفكارهما في علم الميكانيكا. وبينما كان اليونانيون يعتمدون كليًا على الأفكار الفلسفية المجردة والاستنباط العقلي، نجد أن العلماء العرب والمسلمين اعتمدوا على التجربة والاستقراء، وتبنوا الطريقة العلمية في البحث والاستقصاء، وطوروا ما ورثوه عن اليونانيين معتمدين على التجربة العلمية التطبيقية. وقد أكسبت هذه الطريقة أعمالهم العلمية الوضوح، ثم الانطلاق والإبداع الذي عرفت به منجزاتهم في مجال الطبيعة والكيمياء والطب والصيدلة وخلافها.

ألّّف العلماء المسلمون فصولاً متخصصة وأحيانًا متناثرة في علم السوائل وكيفية حساب الوزن النوعي لها؛ إذ ابتدعوا طرقًا عديدة لاستخراجه. وتوصلوا إلى معرفة كثافة بعض العناصر، وكان حسابهم دقيقًا مطابقًا ـ أحيانًا ـ لما هو عليه الآن أو مختلفاً عنه بفارق يسير. وكانت بحوثهم في الجاذبية مبتكرة، وتوصل بعضهم مثل البوزجاني إلى أن هناك شيئًا من الخلل في حركة القمر يعود إلى الجاذبية وخواص الجذب، وقد كانت هذه الدراسات، على بساطتها، ممهدة لمن أتى بعدهم ليكتشف قانون الجاذبية ويضع أبحاثها في إطار أكثر علمية. كما بحثوا في الضغط الجوي؛ ويبدو ذلك فيما قام به الخازن في ميزان الحكمة. كما أن للمسلمين بحوثًا شيقة في الروافع. وقد تقدموا في هذا الشأن كثيرًا، وكانت لديهم آلات كثيرة للرفع كلها مبنية على قواعد ميكانيكية تيسر عملية جر الأثقال كما استخدموا موازين دقيقة جداً، وكان الخطأ في الوزن لا يعدو أربعة أجزاء من ألف جزء من الجرام. وكتبوا في الأنابيب الشّعريَّة ومبادئها، وتعليل ارتفاع الموائع وانخفاضها مما قادهم إلى البحث في التوتر السطحي وأسبابه، وهم الذين اخترعوا كثيرًا من الأدوات الدقيقة لحساب الزمن والاتجاه والكثافة والثقل النوعي.

أما فيما يخص البصريات فيمكن الجزم بأنه لولا إسهام المسلمين فيه، والنتائج التي ترتبت على ذلك، لما تقدم كثير من العلوم الحديثة مثل الفلك والطبيعة والضوء. على رأس من يذكرهم تاريخ العلم في هذا الصدد الحسن بن الهيثم، الذي كانت أبحاثه وأعماله في هذا المجال المرجع المعتمد لدى أهل أوروبا حتي وقت متأخر، وإليه يُعزى أول بحث عن أقسام العين وكيفية الإبصار واكتشاف ظاهرة الانعكاس الضوئي، والانكسار الضوئي أو الانعطاف.

كما بحث المسلمون في كيفية حدوث قوس قزح وسرعة الضوء والصوت. وعرفوا أيضًا المغنطيس واستفادوا منه في إبحارهم، ومن المحتمل أن بعض العلماء قد أجرى التجارب البدائية في المغنطيسية. وبالجملة كانت المعلومات عن الميكانيكا، والبصريات والضوء والصوت وخلافها من مباحث علم الطبيعة، مبعثرة لا رابط بينها. وكانت تُبحث قبلهم من منظور يستند إلى المنهج العقلي والبحث الفلسفي، وكان المغلوط فيها أكثر من الصواب؛ حتى الفكرة الأولية التي تقول إن للضوء وجودًا في ذاته، لم تكن من الأمور المسلم بها، ولم يصبح علم الضوء علمًا له أهمية إلا بعد أن بحث فيه المسلمون. واستنتج العلماء المسلمون نظريات جديدة وبحوثًا مبتكرة لبعض المسائل الفيزيائية التي طرحها اليونان من جانب نظري بحت، فتوصلوا من خلال بحثهم، إلى بعض القوانين المائية، وكانت لهم آراء في الجاذبية الأرضية، والمرايا المحرقة وخواص المرايا المقعّرة، والثقل النوعي، وانكسار الضوء وانعكاسه وعلم الروافع.



عدل سابقا من قبل Admin في السبت يوليو 03, 2010 6:16 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: البصريات عرف علم البصريات عند العرب باسم علم المناظر   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 6:02 am


البصريات عرف علم البصريات عند العرب باسم علم المناظر

وكان المسلمون قد أخذوا أطراف هذا العلم من اليونانيين إبان حركة الترجمة الأولى التي كان من بينها الكتب المتعلقة بعلم المناظر؛ وقاموا بشرحها والتعليق عليها وتصحيح ما جاء فيها من أخطاء. وقام علماء مسلمون قبل ابن الهيثم بالتأليف في هذا العلم مثل الكندي والرازي وإبراهيم بن سنان، إلا أن هذا العلم لم يأخذ سمَتَه العلمية إلا على يدي الحسن بن الهيثم في مستهل القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي. واتبع العلماء المسلمون في بحوثهم كلها ـ وما يتعلق بالضوء منها خاصة ـ منهجًا علمياً بنوه على الاستقراء كثيرًا، وعلى الاستنباط أحيانًا، وكانوا يلجأون في ذلك كله إلى القياس بعد المشاهدة والملاحظة. ولربما بالغوا أحيانًا في اعتماد التجارب، حتى أن عالمًا مثل ابن الهيثم كان يعيد إجراء التجارب على عدد من الأمور التي كان اليونانيون قد جربوها واستخرجوا لها القواعد.

في بادئ الأمر كان لابد أن يتأثر علم المناظر برؤى المنقول عنهم. وفي موضوع الإبصار كان لدى المسلمين ثلاثة مذاهب هي: المذهب الرياضي، والمذهب الطبيعي، ومذهب الحكماء الفلسفي؛ فالرياضيون يقولون إن الإبصار يحدث بشعاع يخرج من العينين على هيئة مخروط، رأسه عند مركز البصر وقاعدته سطح المبصر. أما الطبيعيون، من أمثال ابن سينا، فيخطّئون الرياضيين ويقولون إن الإبصار إنما يكون بالانطباع؛ وذلك بصورة ترد من المُبْصَر (الجسم) إلى البصر ومنها يدرك البصر صورة الجسم. أما المذهب الفلسفي فيقول إن الإبصار ليس بالانطباع ولا بخروج الشعاع من العينين على هيئة مخروط، بل إن الهواء المشف الذي بين الرائي والمرئي يتكيف بكيفية الشعاع الذي في البصر، ويصير بذلك آلة للإبصار. بعد أن أدلى ابن الهيثم بدلوه في هذا الموضوع تبدلت الصورة واتخذ الأمر منعطفًا جديدًا، على الرغم من أنه قبل بعض المقولات السابقة، وعلى الرغم من مخالفة بعض آرائه لمسلمات العلم الحديث.

ابن الهيثم وآراؤه في الضوء والبصريات. رفض ابن الهيثم (ت 429هـ، 1038م) التسليم بكثير من آراء السابقين له في الضوء والبصريات مثل أقليدس وبطليموس. وعلى الرغم من أن أقليدس قد سبقه في تناول أحد شطري قانون الانعكاس، كما سبقه بطليموس إلى دراسة الانعطاف، إلا أن ابن الهيثم عُني بعلم المناظر عناية بزّ بها من قبله، ومهّد الطريق لمن بعده؛ فلم تتحقق القياسات الموضوعية لزوايا السقوط والانكسار إلا عام 988هـ، 1580م على يد تيخو براهي وكاسيني عام 1072هـ، 1661م وحققا ذلك على النمط الذي خططه ابن الهيثم. ويعد ابن الهيثم من أعظم علماء عصره قاطبة في جميع فروع المعرفة وبخاصة الفيزياء، ويعد العالم الذي أسس علم البصريات وأقام دعامته. وقد نال شهرة كبيرة بكتابه المناظر الذي يحتوي على اكتشافات جديدة في الفيزياء ودراسات عميقة في انكسار الضوء وانعكاسه. وكان السابقون له في علم البصريات يؤمنون أن الإبصار يتم بخروج شعاع من البصر إلى المبصر. لا يعني هذا أن ابن الهيثم رفض كل ما جاء به من سبقه، فهو يقبل منهم تعريف الضوء الذي يقول إنه "حرارة نارية تنبعث من الأجسام المضيئة بذاتها كالشمس والنار". والضوء في رأيه نوعان عرضي يصدر من الأجسام المضيئة بغيرها؛ أي التي تعكس الضوء كالقمر والمرآة، والأجسام الأخرى التي في مقدورها أن تعكس الضوء. والثاني ذاتي يصدر عن الأجسام المضيئة من نفسها؛ كالشمس والنار والجسم المتوهج. وتناول كيفية امتداد الأضواء وانعكاسها وانعطافها، كما استقرأ الأحكام المتعلقة بذلك، وكان يدلل على صدق آرائه بالبرهان الهندسي.

يرى ابن الهيثم أن الضوء شيء ماديّ؛ لذا فهو يرتد (ينعكس) إذا وقع على الأجسام الصَّقيلة "فالضوء إذا لقي جسمًا صقيلاً فهو ينعكس عنه من أجل أنه متحرك، ومن أجل أن الجسم الصقيل يمانعه، ويكون رجوعه في غاية القوة، لأن حركته في غاية القوة، ولأن الجسم الصقيل يمانعه ممانعة فعالة". وكان يقوم بالتجريب لإثبات فرضياته، فقد قام من أجل إثبات قانون الانعكاس بشطريه بأخذ كرات من الحديد وأسقطها من ارتفاعات مختلفة ليقف على مقدار ارتدادها، ويثبت أن زاوية السقوط تساوي زاوية الانعكاس. هذه التجارب التي أطلق عليها ابن الهيثم اسم الاعتبار تكشف عن رؤية من قبيل نظرية الجسيمات في الضوء التي جاء بها نيوتن في القرن السابع عشر الميلادي. فالضوء يتركب من دقائق متناهية الصغر، وعندما تنتشر إما أن تنعكس عن الأجسام الصقيلة أو تنكسر في الأجسام المشفة. وعندما تحدّث ابن الهيثم عن انعطاف الضوء وهو ما نسميه حاليًا انكسار الضوء، رأى أن ذلك لا يتم آنياً؛ أي أن انتقاله في الوسط المشف لا يكون دفعة واحدة وفي غير زمان، بل إنه يستغرق زمنًا معينًا محدودًا بسرعة معينة، وأن سرعته في المشف الألطف أعظم من سرعته في المشف الأغلظ، و "إذا كان الثقب مستترًا، ثم رفع الساتر فوصول الضوء من الثقب المقابل، ليس يكون إلا في زمان، وإن كان خفيًا على العين". وهذا ما نعلمه اليوم. عارض ديكارت (ت. 1062هـ،1650م) هذه النظرية بعد 500 عام من وفاة ابن الهيثم حيث قال "إن مادة الهواء ممتدة من الثقب حتى السطح المقابل له حيث يرى الضوء منعكسًا مثل عصا الأعمى إذا لمس شيء مقدمتها أحس به الأعمى في الطرف الذي في يده فورًا دون زمان". وأخذ كثير من العلماء برأي ديكارت حتى منتصف القرن التاسع عشر عندما أثبتت التجارب أن للضوء سرعة مقدارها 300,000كم في الثانية.كما وجد ابن الهيثم أن هناك خصائص حيلية (ميكانيكية) في انعكاس الضوء وانكساره؛ فقد لاحظ أن بين امتداد الضوء وانطلاق الجسم المادي في الهواء شبهًا، إلا أن في الجسم المنطلق قوة تحركه إلى أسفل. ومن خصائص الضوء، أنه يستمر في امتداده على السّمت (الاتجاه المستقيم) الذي بدأ به حتى يعترضه ممانع (مقاوم)، فيتبدل حينئذ سيره من حيث الاتجاه والمقدار (الزيادة والنقص في سرعته). كما توصل ابن الهيثم إلى النسبة التي يكون بها التبدل في اتجاه الضوء وسرعته.

ومن إنجازاته في علم الضوء توصله من خلال النظرية التي أطلق عليها اسم تكوين الظل عن طريق أجسام نورانية إلى الحصول على صورة لجسم ما، عند ولوج الضوء الوارد منه خلال ثقب ضيق إلى مكان مظلم ليقع على حاجز أبيض، على ألا يكون الثقب صغيرًا جدًا فيضعف ضوء الصورة فتختفي عن الحس، ولا يكون واسعًا فيقل شبهها بالجسم الأصل، ولا يصبح واضحًا. وقام بأول تجربة بجهاز به ثقب يشبه آلة التصوير. وعندما بلغ هذه النتيجة لم يكد يصدق عينيه عندما شاهد العالم وقد أصبح أسفله أعلاه، فقد كان وضع الصورة وضعًا عكسيًا.

وكثير من الأبحاث الخاصة بالبصريات منذ روجر بيكون وفيتليو وليوناردو دافينشي، اعتمد على الأساس البحثي الذي خلّفه ابن الهيثم؛ ففي ألمانيا عندما بحث كبلر في القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي في القوانين التي اعتمد عليها جاليليو في صنع منظاره، أدرك أن خلف عمله هذا كانت تقف أبحاث ابن الهيثم. وهناك مسألة مشهورة معقدة، نشأت في علم البصريات، حلها ابن الهيثم بمعادلة من الدرجة الرابعة تعرف اليوم باسم مسألة الحسن.

ومن أعماله التطبيقية في البصريات أنه حسب الانعكاس الذي يحدث في قطاع المرآة الكروية أو المخروطية؛ أي الإشعاعات المتوازية التي تلتقي في نقطة الاحتراق، وفحص أثر الحرق وتكبير المرئيات ليس بوساطة المرآة المقعَّرة فحسب، بل بوساطة الزجاج الحارق والعدسة وبذلك كان من ثمرة جهده صنع أول نظارة للقراءة.

ومن آثار ابن الهيثم في العصر الحديث ما يطلق عليه الآن البؤرة. فقد درس خواص المرايا المقعَّرة، وكيفية تجميع أشعة الشمس في نقطة واحدة تحدث فيها حرارة شديدة. وهذا هو المبدأ عينه الذي يقوم عليه الفرن الشمسي المستعمل في وقتنا الحاضر. ومن آثاره أيضًا ما يسمى حاليًا الزيغ الكروي الطولي وهو مبحث يفيد كثيرًا في صناعة الآلات البصرية. فقد بيّن بالبراهين الهندسية أن أشعة الشمس المنعكسة من سطح مرآة مقعرة لا تنعكس جميعها إلى نقطة واحدة، وإنما تنعكس على خط مستقيم.

وصف ابن الهيثم أجزاء العين المهمة وطبقاتها لبيان عملها في نقل صور المرئيات إلى الدماغ. كما وصف انطباع صورة الجسم المرئي في العين حتى بعد غياب الشبح عن البصر، وأن أثر الضوء واللون يستمران فترة قد تطول أو تقصر بعد لفت العين عن الشبح المرئي؛ فإذا أدام الإنسان النظر إلي جسم، أو إذا نظر إلى جسم شديد الإشراق، ثم لفت عنه النظر أو أغمض عينيه؛ فإنه يظل يرى صورة ذلك الجسم متمثلة له لبضع ثوان. وتحدَّث عن وضوح الرؤية، وإدراك الظلمة والظلال، وشروط صحة الإبصار وأخطاء البصر التي تنتج عن غياب واحدة أو أكثر من شروط صحة الإبصار. كما تحدث عن الوهم الذي يدرك به البصر الكواكب عظيمة عند الأفق، وصغيرة في كبد السماء، وعزا ذلك إلى خطأ البصر (خداع البصر).

شرح ابن الهيثم بعض الظواهر الجوية التي تنشأ عن الانكسار. من ذلك الانكسار الفلكي؛ فالضوء الذي يأتي من الأجرام السماوية يعاني انكسارًا باختراقه الطبقة الهوائية المحيطة بالأرض. ويفسر هذا كيف أن النجم يظهر في الأفق قبل أن يبلغه بالفعل، وأننا نرى الشمس عند الشروق أو الغروب في وقت لم تصل فيه إلى مستوى الأفق بعد، بل تحته.كما لا يظهر قرصا الشمس و القمر مستديرين تمامًا قرب مستوى الأفق بسبب هذا الانكسار بل يبدوان بيضيين. ومن الظواهر الجوية التي بحث فيها؛ الهالة التي تبدو محيطة بالشمس أو القمر، وعزا وجودها للانكسار، حينما يكون الجو مشبعًا بالبلورات الصغيرة من الثلج أو الجليد، فإن الضوء الذي يمر خلالها ينكسر وينحرف بزاوية معلومة، ومن ثم يصل الضوء إلى العين كأن مبعثه فقط حول الشمس أو القمر. وعلى الرغم من أنه لم يوفق في بعض القضايا التي طرحها؛ مثل قوله في نماذج الألوان وأنها إذا تمازجت غلب الأقوى منها الأضعف، وقوله أيضًا إن الكواكب مضيئة بذاتها، وأن ضوءها ليس مكتسبًا من ضوء الشمس، إلا أننا نجد في أمثلته وحججه منطقًا يدفع إلى الإقناع، ويبرهن على سلامة منهجه ودقته في الاستنتاج حتى وإن لم يوفق في النتائج التي توصل إليها.




عدل سابقا من قبل Admin في السبت يوليو 03, 2010 6:14 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: الأصوات   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 6:09 am

الأصوات

اهتم الفلاسفة العرب بالبحث في الصوت، وألموا بالمعلومات الأساسية فيه، ولهم تصانيف في الموسيقى ضمنوها مباحث في منشأ الأصوات، وكيفية انتقالها واختلاف بعضها عن بعض، وتناولوا كذلك بالبحث موضوعات يتناولها الآن علم الأصوات الحديث، وإن كانت أبحاثهم تفتقر إلى المعالجة الرياضية.

ذكر إخوان الصفا (القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي) في رسائلهم موجزًا شاملاً في علم الأصوات وعلم الموسيقى، وضمنوا هذه الرسائل خلاصة للآراء التي سبقتهم منذ عهد فيثاغورث (ت 503ق.م). عرَّفوا الصوت بأنه "قرع يحدث في الهواء من تصادم الأجرام، وذلك لأن الهواء لشدة لطافته، وسرعة حركة أجزائه، يتخلل الأجسام كلها، فإذا صدم جسم جسمًا آخر، انسل ذلك الهواء من بينهما وتدافع وتموَّج إلى جميع الجهات وحدث من حركته شكل كروي، واتسع كما تتسع القارورة من نفخ الزَّجَّاج (صانع الزجاج) فيها. وكلما اتسع ذلك الشكل ضعفت حركته وتموجه إلى أن يسكن ويضحمل".

وقد قسموا الأصوات إلى أنواع منها الجهير، والخفيف و الحاد والغليظ، وعزوا ذلك إلى طبيعة الأجسام التي تصدر عنها هذه الأصوات، وإلى قوة تموج الأصوات بسببها. وفي اهتزاز الأوتار الصوتية وقفوا علي العلاقة الكائنة بين طول الوتر وغلظه وقوة شدّه أو توتره، وهذه التقسيمات التي صنفوا إليها الأصوات، تتفق وتقسيم الأصوات في العلم الحديث من حيث الجهر والهمس والشدة والرخاوة.

كما عللوا الصدى بأنه يحدث نتيجة لانعكاس الهواء المتموج من مصادمة جسم عال كحائط أو جبل أو نحوهما. وقد شرح الجلدكي هذه الظاهرة شرحًا كيفياً وليس قياسياً؛ فيقول في أسرار الميزان: "ليس المراد منه حركة انتقالية من ماء أو هواء واحد بعينه بل هو أمر يحدث بصدم بعد صدم وسكون بعد سكون… والصدى يحدث عن انعكاس الهواء المتموج من مصادمة جسم عالٍ كجبل أو حائط، ويجوز ألا يقع الشعور بالانعكاس لقرب المسافة فلا يحس بتفاوت زماني الصوت وعكسه…".

قسّم إخوان الصفا الأصوات الحيوانية إلى ثلاثة أقسام؛
1 ـ أصوات حيوانية تصدر عن ذوات الرئة؛ وتختلف أنواعها ونغماتها باختلاف أطوال أعناقها، وسعة حلاقيمها، وتركيب حناجرها، وقوة دفع الهواء من أفواهها ومناخرها،

2 ـ أصوات حيوانية تصدر عن ذوات الأجنحة عديمة الرئة؛ كالزنابير والجراد والصراصير، وتنتج الأصوات التي تصدرها بسبب تحرك الهواء بأجنحتها، كما هو الحال عند تحريـك أوتـار العيــدان، ويعـزى اختـلاف أصواتهـا إلى لـطافـة أجنحـتها وغلظـها وطولهـا وسرعـة حركتـهـا،

3- أصوات حيوانية تصدر عن حيوانات عديمة الرئة والأجنحة؛ كالأسماك والسلاحف والسرطانات، وتسمى الحيوانات الخرساء، وتختلف الأصوات التي تصدر عنها باختلاف يبسها وصلابتها، وباختلاف أحجامها من حيث الكبر والصغر، والطول والقصر والسعة والضيق.

لعل أفضل عمل وصل من الفلاسفة العرب في الأصوات، رسالة لابن سينا بعنوان أسباب حدوث الحروف. وقد قسّمها إلى ستة فصول؛ الأول في سبب حدوث الصوت، والثاني في سبب حدوث الحروف، والثالث في تشريح الحنجرة واللسان، والرابع في الأسباب الجزئية لحرف من حروف العرب، والخامس في الحروف الشبيهة بهذه الحروف وليست في لغة العرب، والسادس في أن هذه الحروف من أي الحركات غير المنطقية قد تُسمع. والصوت عند ابن سينا ينتج عن تموج الهواء دفعة وبقوة وسرعة، وسبب التموج عنده ما يسميه بالقرع والقلع؛ أي ما نسميه الآن بالتضاغط والتخلخل.


العلوم عند العرب والمسلمين Uuousu10

علم الصوت والموسيقى

طبّق العرب مبادئ علم الفيزياء في الأصوات وغيرها على الموسيقى، وكانت عندهم علمًا قائمًا بذاته. والموسيقى عند ابن سينا "علم يعرف منه حال النغم وكيفية تأليف اللحون"، وعند ابن خلدون هي "تلحين الأشعار الموزونة الأصوات على نسب منتظمة معروفة يوقع عند كل صوت منها توقيعًا عند قَطْعِه فيكون نغمة، ثم تؤلّف تلك النغمات بعضها إلى بعض على نسب متعارفة فَيَلَذُّ سماعها. والأصوات تتناسب فيكون منها صوت ونصف صوت وربع صوت وخمس صوت وجزء من أحد عشر من صوت آخر. واختلاف هذه النسب عند تأديتها يخرجها من البساطة إلى التركيب".

نقل العرب إبان حركة الترجمة عددًا من كتب اليونان في الموسيقى، وبذلك انتقل إليهم كثير من النظريات اليونانية في الموسيقى. وكدأبهم في العلوم الأخرى كانوا عمليين، فلم يقبلوا نظرية إلا بعد التثبت منها عملياً. ومن المسلم به في الغرب أن ابن سينا والفارابي وغيرهما، زادوا على الموسيقى اليونانية وأدخلوا عليها تحسينات جمّة. وكتاب الفارابي (ت 339هـ،950م) المسمى كتاب الموسيقى الكبير لا يقل في قيمته عن الكتب اليونانية في الموسيقى، وفي الأندلس زاد زرياب (ت 238هـ، 852م) أوتار العود وترًا خامسًا وسطًا (في المكان والقوة) سمّاه الأوسط، وجعله في وسط الأوتار الأربعة تحت المثْلث وفوق المثْنى. ويقال إن الفارابي هو الذي اخترع الآلة المعروفة بالقانون، وقد أُطلِق على الفارابي لقب المعلِّم الثاني لأنه أول من وضع أسس التعاليم الصوتية كما سُمي أرسطو من قبل المعلم الأول لأنه أول من وضع المنطق. ولم يكن الفارابي إلا مطوِّرًا لمدرسة الكندي الذي يرجَّح أن يكون أول من كتب في نظرية الموسيقى. ومن تصنيفاته في هذا المجال المصوتات الوترية؛ ترتيب الأنغام؛ المدخل إلى الموسيقى؛ رسالة في الإيقاع؛ كتاب الموسيقى. والسلم الموسيقي الذي وضعه الكندي هو سلم الموسيقى العربية المستعمل الآن، ويشتمل على 12 نغمة. ونجد في رسائل إخوان الصفا بحثًا في الموسيقى أدرجوه في القسم الرياضي من الرسالة الخامسة يتناولون فيه صناعة الموسيقى، وكيفية إدراك القوة السامعة للأصوات، وأصول الألحان وقوانينها وكيفية صناعة الآلات وإصلاحها، ونوادر الفلاسفة في الموسيقى وتأثير الأنغام.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: الميكانيكا   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 6:29 am


الميكانيكا

عرفت عند المسلمين باسم علم الحيل، وأطلقوا عليها أحيانًا علم الآلات الروحانية و الحيل الروحانية. وهي فرع من العلوم الفيزيائية التي لقيت قدرًا ليس بالقليل من اعتناء العلماء العرب والمسلمين. ومع أنهم لم يبدعوا فيه إبداعهم في علم المناظر (البصريات)، إلا أنهم توصلوا إلى استنباط بعض مبادئه وقوانينه الأساسية. عرف العرب هذا العلم من خلال حركة النقل الأولى التي أخذوها من اليونانيين، إلا أن مادرسوه كان محدودًا جدًا، لكنهم طوروه، وأضافوا إليه أشياء كثيرة. قسّم العلماء المسلمين علم الحيل إلى قسمين: الأول يبحث في جر الأثقال بالقوة اليسيرة والآلات المستخدمة فيه، والثاني يبحث في آلات الحركة وصنعة الأواني العجيبة. فقد كانت لديهم آلات رفع متعددة الأشكال صمموها على أسس ميكانيكية تسهِّل جر الأثقال. ذكر منها الخوارزمي البرطيس، والمخل، والبيرم، والآلة الكثيرة الرفع، والإسفين، واللولب، والخنزيرة، والسهم، والأسطام، والمحيط، والإسقاطولي. وصنعوا طواحين وعجلات ومضخات تسحب الماء؛ من أشهرها مضخة ابن الرزاز الجزري التي يعدها البعض الجد الأقرب للآلة البخارية. وألّف المسلمون في علم مراكز الأثقال؛ وهو علم يبحث في كيفية استخراج مركز ثقل الجسم المحمول. ومن العلماء الذين صنفوا في هذا المجال أبو سهل الكوهي الذي قدّم في أبحاثه معالجة رياضية للموضوع. كما صنف في ذلك أيضًا الخازن، فنجد في كتابه ميزان الحكمة مباحث غنية في مراكز الأثقال. ويعد هذا الكتاب من أكثر الكتب استيفاء لبحوث الميكانيكا. ويبدو من عرضه أنه كان يملك آلات لحساب الأوزان النوعية ولقياس حرارة السوائل. ويفوق كتاب بديع الزمان بن الرزاز الجزري وعنوانه كتاب في معرفة الحيل الهندسية ما سبقه من مؤلفات في مجال الميكانيكا؛ ذلك لأنه يزودنا بكثير من المعلومات عن الفن الصناعي لدى العرب آنذاك؛ فهو أشمل منها وأكثر تنوعًا في الحيل الهندسية، جمع فيه كل وسائل الصنع التي استخدمها من سبقوه، وما أضافه بنفسه بوصفه معلمًا حِرَفيّاً. ويتناول في هذا الكتاب الساعات، والأواني العجيبة، والإبريق والطست وإخراج الماء من الأعماق، والآلات الزامرة والصور والأشكال التي صمم عليها آلاته.

العلوم عند العرب والمسلمين Oouu10

ومن الذين برعوا في علم الحيل أبو الصلت بن أبي الصلت (ت 529هـ، 1134م) الذي تسبب علمه في حبسه في مصر؛ إذ عرض أبو الصلت خدماته لانتشال سفينة غارقة محملة بالنحاس قبالة ساحل الإسكندرية، وكانت حاجة الدولة الإسلامية له ملحة؛ لأن الزمن زمن الحروب الصليبية. وبنى الحاكم بناء على طلب أبي الصلت مركبًا آخر ثم ربط المركب الغارق بحبال من الإبريسم (الحرير) المبروم وشُدّت إلى دواليب (بكرات). وارتفع المركب الغارق حتى إذا ما حاذى سطح الماء انقطعت الحبال وغاص المركب مرة أخرى. وعلى الرغم من إخفاق هذا المهندس، إلا أن استعماله الحبال والبكرات المتعددة، يدلان على ما كان قد وصل إليه علم الحيل في ذلك الوقت، وفي ذلك دلالة على براعته النظرية والتطبيقية. وربما غاب عنه مبدأ أرخميدس الذي يقول إن كل جسم مغمور في سائل يفقد من وزنه بقدر وزن حجمه من ذلك السائل. فلما ارتفع المركب على السطح صار وزنه أثقل من وزنه تحت الماء فكان عليه إما أن يزيد عدد الحبال أو يفرغ بعضًا من حمولة المركب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: الموازين والثقل النوعي   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 6:36 am



الموازين والثقل النوعي

العلوم عند العرب والمسلمين Uusoou10

أولى الفيزيائيون المسلمون الميزان عناية خاصة باعتباره أداة تتعدى وظيفتها الوزن؛ فقد أرادوه أداة عملية لتقدير الوزن النوعي للمعادن والسبائك. وكانوا يعدون الميزان من عجائب النسبة، واخترعوا موازين غاية في الدقة كانت نسبة الخطأ فيها أقل من أربعة أجزاء من ألف جزء من الجرام. بل كانت لديهم موازين أدق من ذلك، إذ نجد أنه عندما وزن فلندرز بتري ثلاث قطع نقدية إسلامية قديمة، وجد أن الفرق بين أوزانها جزء من ثلاثة آلاف جزء من الجرام. ولا يمكن الوصول إلى هذه الدقة في الوزن إلا باستعمال أدق الموازين من النوع الذي ينبغي أن يوضع في صناديق زجاجية حتى لا تؤثر فيها تموجات الهواء، مع إعادة الوزن مرارًا. كما استخدموا ميزان القبان والميزان الحساس في وزن جميع السلع ابتداءً من المجوهرات وانتهاءً بالمحاصيل الزراعية. وصنَّفوا في الموازين مؤلفات قيمة؛ فلثابت بن قرّة كتابان أحدهما في استواء الوزن واختلافه وشرائط ذلك، والثاني في القرسطون (ميزان الذهب). ولأبي جعفر بن الحسن الخازن ميزان الحكمة الذي وصف فيه أشكالاً متعددة للموازين وصفًا دقيقًا مفصلاً. ومن الذين صنفوا مؤلفات في الميزان أيضًا، الكوهي، والفارابي وابن سينا، وقسطا بن لوقا، وابن الهيثم والجلدكي، واستخدموا لموازينهم أوزانًا منوعة. وأفضل كتاب في هذا المجال هو الذي وضعه عبدالرحمن بن نصر المصري للمراقب؛ أي المحتسب العام لأحوال السوق التجارية في عهد صلاح الدين الأيوبي. وكانت صناعة الموازين حرفة في حد ذاتها؛ ذلك لأن التجارة كانت أحد المصادر الرئيسية للاقتصاد الإسلامي. وأوكل إلى والي الحسبة مراقبة الموازين والمكاييل، وفحص وسائل الغش في صناعتها. وأهم السلع التي كانوا يتعاملون بالتجارة فيها الذهب، والفضة، والزبرجد، والياقوت، والماس. لذا تحروا الدقة في صنع موازينها، بل حددوا الثقل النوعي لكثير منها باستخدام أجهزة اخترعوها لهذا الغرض. ومن الطريف أن العرب عند بحثهم في خواص النسبة أشاروا إلى أن عمل القرسطون (القبان) هو من عجائب النسبة. فقد جاء في رسائل إخوان الصفا "… ومن عجائب خاصية النسبة ما يظهر في الأبعاد والأثقال من المنافع، ومن ذلك، يظهر في القرسطون؛ أعني القبان؛ وذلك أن أحد رأسي عمود القرسطون طويل بعيد من المعلاق والآخر قصير قريب منه. فإذا علق على رأسه الطويل ثقل قليل وعلى رأسه القصير ثقل كثير تساويا وتوازنا حتى كانت نسبة الثقل القليل إلى الكثير كنسبة بعد رأس القصير إلى بعد رأس الطويل من المعلاق…" والمعلاق هنا هو نقطة الارتكاز.

يتضح من الجدول التالي وبمقارنة القيم التي توصل إليها العالمان المسلمان ـ البيروني والخازن ـ بقيم الوزن النوعي التي حددت بالوسائل المعاصرة، أن قيمها قريبة جدًا من القيم الصحيحة:


العلوم عند العرب والمسلمين Oouu110

وقد بنى الخازن كتابه ميزان الحكمة وكذلك ثابت بن قرة القرسطون على البراهين الهندسية، وكانت مسلماتهما نقطة الانطلاق في مؤلفات علماء النهضة في أوروبا. وهي مرحلة سابقة لكل من جاليليو في مؤلفه محاورات حول علمين جديدين، وإسحق نيوتن في عمله الكبير المبادئ الرياضية. ومن هذه المسلمات: 1ـ الأجسام الثقال قد تتساوى أثقالها وإن كانت مختلفة في القوة مختلفة في الشكل 2ـ الأجسام الثقال مختلفة القوى؛ فمنها ما قوته أعظم، ومنها ما قوته أصغر، 3ـ كل مسافتين يقطعهما متحركان في زمانين متساويين، فإن نسبة إحدى المسافتين إلى الأخرى كنسبة قوة المتحرك في المسافة المستوية إلى قوة المتحرك الآخر، 4ـ كل خط ينقسم بقسمين متساويين ويعلق في طرفيه ثقلان متساويان، فإن ذلك الخط إذا علق بالنقطة القاسمة له بنصفين، وازى الأفق. 5 ـ إن معرفة أوزان الأثقال المختلفة المقادير، تكون بتفاوت أجرام رطوبات يغاص فيها الموزون رقة وخثورًا.

بحث العلماء المسلمون أيضًا في الثقل النوعي، وعرَّفوا الثقل والخفة فقالوا إن الجسم إذا ما أخرج عن موضعه الطبيعي فاتجه نحو مركز الأرض؛ أي إلى أسفل يُسمّى ثقيلاً، أما إن هو اتجه نحو محيط العالم؛ أي إلى العلو سُمّى خفيفًا. واستنبطوا طرقًا لحساب الوزن النوعي واخترعوا له الآلات، وقاموا بحساب ثقل عدد من الأجسام حسابًا يقارب التقدير الذي وصل إليه المعاصرون وأحيانًا يطابقه، وهم أول من وصل إلى نسب حقيقية بين وزن الأجسام المختلفة وبين وزن الماء. وأول من بحث في الثقل النوعي سند بن علي في عهد المأمون (199ـ 218هـ، 814ـ 833م)، ومن الذين بحثوا هذا الأمر ابن سينا أيضًا. أما العالمان اللذان بزّا غيرهما في هذا المجال فهما البيروني والخازن. فقد قام البيروني بتحديد الثقل النوعي لبعض الفلزات والجواهر باستخدام جهاز مخروطي الشكل ذي مصب بالقرب من فوهته، بحيث يتجه هذا المصب إلى أسفل. وكان يزن الجسم المطلوب قياس وزنه النوعي وزنًا دقيقًا، ثم يدخله في جهازه المخروطي المملوء بالماء، وهنا يحل الجسم الذي أدخله في الجهاز محل حجم مساوٍ له من الماء الذي يفيض من المصب، بعد ذلك يقوم بوزن الماء المزاح، ومن ثم يحدد الوزن النوعي للجسم بحساب النسبة بين وزن الجسم ووزن الماء الذي أزاحه. ويعد الجهاز الذي اخترعه البيروني أقدم مقياس لتعيين كثافة المواد.

اكتشف البيروني أن هناك تباينًا في الثقل النوعي للماء، فقد وجد أن الثقل النوعي للماء البارد يزيد على الثقل النوعي للماء الساخن بمقدار 0,041677؛ أي أن الماء يزيد حجمه بالتبريد بحوالي، 4,1667 %.

إلى جانب أبحاثه في الثقل النوعي للسوائل وغيرها، بحث البيروني في ميكانيكا الموائع؛ فشرح الظواهر التي تقوم على ضغط السوائل وتوازنها، وشرح كيفية تجمع مياه الآبار والمياه الجوفية بالرشح من الجوانب، كما تحدث عن كيفية فوران المياه وانبثاق النافورات وصعود مائها إلى أعلى.

أما الخازن فقد وصف ميزانًا غريب التركيب لوزن الأجسام في الهواء والماء، وقام باستخراج الوزن النوعي لكثير من المعادن والسوائل والأجسام الصلبة التي تذوب في الماء، ووضعها في جداول في غاية الدقة وصلت صحتها في بعض الأحيان إلى درجة التطابق مع الوزن الحديث. وقد أتقن قياس الثقل النوعي للسوائل حتى لم يتعد خطؤه فيه ستة من مائة من الجرام في كل ألفين ومائتي جرام. انظر بعض هذا القياس في الجدول المبيّن هنا.

يجب أن ننظر إلى النسبة التي توصل إليها الخازن على أنها دقيقة جدًا إذا ما أخذنا في الحسبان دقة الأجهزة العلمية الحديثة. كما أن الاختلاف الطفيف بين ما وصل إليه الخازن وما وصل إليه المعاصرون يمكن تعليله؛ فمياه البحر تختلف في مقدار ملوحتها. فالبحار الداخلية ـ كالبحر الميت وبحر قزوين ـ تكون نسبة ملوحتها أكثر، وبالتالي أثقل من مياه البحار المفتوحة كالمحيطات. كما أن الثقل النوعي للحليب يختلف باختلاف الأبقار والمراعي، ولم يذكر الخازن مياه البحر التي وزنها ولا نوع وعدد البقر الذي أجرى عليه التجارب.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: علم الحيل والساعات   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 6:40 am



علم الحيل والساعات.

برع المسلمون في صنع الساعات التي تعمل بالماء والرمل والزئبق والشمع أو الأثقال المختلفة، كما اخترعوا الساعات الشمسية وأعطوها شكلاً دائريًا يتوسطه محور دائري آخر. واستطاعوا عن طريقها تحديد موقع الشمس والزمن ووضع التقاويم السنوية. وكانت الساعة الشمسية النقالة أو ساعة الرحلة كما كانوا يسمونها، أكثر اختراعاتهم أصالة في هذا المجال. كما اخترعوا نوعًا من الساعات الشمسية المنبِّهة التي كانت تعلن عن الوقت بصوت رنَّان وسُمِّيت الرخامة. كما صنعوا نوعًا من الساعات المائية كانت تقذف على رأس كل ساعة منها كرة معدنية في قدح، وتدور حول محور تظهر فيه النجوم أو رسوم أخرى، وما تلبث أن تبرق كلما جاوزت الساعة الثانية عشرة منتصف الليل وعندها يمر فوقها هلال مضيء.

ويوضح الجدول التالي نتائج قياسات البيروني للثقل النوعي لتسعة أنواع من المعادن منسوبة أولاً إلى الذهب وثانيًا إلى الماء، ومقارنتها بالقيم المعاصرة.


العلوم عند العرب والمسلمين 111

أهدى هارون الرشيد عام 192هـ، 807م إلى الملك شارلمان ساعة نحاسية أدهشته، وكانت تُسقط بعد مضي كل اثنتي عشرة ساعة كرة صغيرة تحدث لدى اصطدامها برقاص معدني إيقاعًا جميلاً، وكان بها 12 حصانًا تقفز من 12 بوابة كلما دارت الساعة دورة كاملة. وأشهر الساعات إلى جانب هذه الساعة كانت ساعة الجامع الأموي، وكانت هذه الساعة تُسقط عند كل ساعة من ساعات النهار صنجتين من فمي بازين على طاستين مثقوبتين. أما بالليل فتجهز بمصباح يدور به الماء خلف زجاجة داخل الجدار، وكلما انقضت ساعة من ساعات الليل عم الزجاجة ضوء المصباح، ولاحت للأبصار دائرة متوهجة حمراء. ومن الساعات الشهيرة أيضًا ساعة مرصد سُرَّ مَنْ رأى، وكانت بها دُمى تظهر في أوقات ومواعيد ثابتة لتؤدي بعض الحركات. وقد اخترع أبو سعيد عبدالرحمن بن يونس المصري (ت 399هـ، 1009م) رقّاص الساعة (البندول) ثم تبعه كمال الدين الموصلي (ت 639هـ، 1242م) وأضاف أشياء كثيرة تتعلق بتذبذب الرقاص.

متفرقات ِحيَلِية أخرى. للعرب اختراعات أخرى صمموا بعضها بغرض التسلية، وبعضها الآخر للأغراض العملية، وكانت كلها، تعمل وفق نظام تلقائي أو شبه تلقائي. وكانت صناعة اللعب والدُّمى المتحركة منتشرة بكثرة لديهم، وقد أفرد لها ابن الرزاز الجزري مؤلفًا سماه الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل. وكذلك ألّف أبوعامر أحمد الأندلسي كتابًا باسم الباهر في عجائب الحيل. وقد وصفا فيهما أنواعًا كثيرة من الدُمى التي كانت تصنع من الشمع وخامات أخرى وكانت تتحرك بنفسها، وضمَّنا كتابيهما عددًا كبيرًا من الرسوم الإيضاحية التي تبيِّن تركيب هذه الدُمى والآلات وطبيعتها.

من أشهر من كتب وعمل في علم الحيل أبناء موسى ابن شاكر الثلاثة، وهم محمد والحسن وأحمد، وكان ذلك في أواسط القرن الثالث الهجري. وقد برعوا في الرياضيات والهندسة وعلم النجوم والموسيقى والحيل. بلغ أحمد في صناعة الحيل ما لم يبلغه أخواه، فقد كانت لديه مخيلة مبدعة قدّمت كثيرًا من المخترعات العملية للتدبير المنزلي، والألعاب الميكانيكية المدهشة للأطفال والأثقال وغيرها. من الآلات التي صنعها، دِنان تنزل منها كمية معلومة من السوائل، تعقب كل كمية منها فترة استراحة قصيرة، وآلات تمتلئ بالسوائل ثم تفرغها تلقائيًا، وقناديل ترتفع فيها الفتائل تلقائيًا ويصب فيها الزيت ذاتيًا أيضًا، ولا تنطفئ بفعل الهواء. كما اخترع آلة تحدث صوتًا بصورة ذاتية عند ارتفاع المياه إلى حد معين في الحقول عند سقيها، كما ابتكر عددًا من النافورات التي كانت تظهر صورًا متعددة بالمياه الصاعدة منها. ومن أعماله أيضًا خزانات للحمامات، والمعالف التي لا تستطيع الأكل أو الشرب منها سوى حيوانات صغيرة الحجم، ونافورات تندفع مياهها الفوارة على أشكال مختلفة. ومن إنجازاته بالمشاركة مع أخيه محمد في مرصد سُرَّ مَنْ رأى، آلة دائرية الشكل تحوي صور النجوم ورموز الحيوانات في وسطها وتدار بالقوة المائية، وكلما غاب نجم عن القبة السماوية ظهرت صورته في الخط الأفقي من الآلة. ومن الواضح أن هذا العمل يتطلب دراية واسعة بعلم الفلك إلى جانب علم الحيل. وكان من الطبيعي أن يستفيد علم الفلك من الآلات التي يخترعها أو يطورها العلماء المشتغلون بعلم الحيل. فقد طوّر العلماء المسلمون على سبيل المثال؛ البوصلة التي اخترعها الصينيون. وكان الصينيون يستخدمونها في أمور غير ذات صلة بالعلم كالسحر والخرافات، فأخذها المسلمون وجعلوا لها بيتًا استفادوا منه في الملاحة وأطلقوا عليه بيت الإبرة. كما كانت لديهم آلات للتطويع وتقطيع الحلقات، فقد استعمل نصير الدين الطوسي (ت 672هـ، 1273م) في مرصده في مراغة المحلّقة ذات الحلقات الخمس والدوائر من النحاس. كما اكتشفوا طريقة خاصة صنعوا بها الحلقة ذات القطر البالغ خمسة أمتار، وزادوا بذلك ثلاث حلقات على المحلقات الفلكية الموجودة؛ مما مكنهم من إجراء قياسات فلكية أخرى، ثم أضافوا مسطرة قياس الزوايا المعروفة باسم الأداد، وهي مسطرة تدور حول نقطة في طرفها وينتقل طرفها الآخر على دائرة ذات أقسام متساوية. وتوصل عباس بن فرناس (ت 260هـ، 873م) إلى صنع الزجاج من الرمال والحجارة، واخترع عددًا من الآلات الفلكية الدقيقة مثل الأداة المسماة ذات الحلق؛ وهي آلة تتكون من عدة حلقات متداخلة تعلق في وسطها كرة تمثل حركة الكواكب السيارة. كما اخترع آلة لقياس الزمن أطلق عليها اسم الميقاتة، إلا أن أشهر محاولاته في علم الحيل هي تلك المحاولة التي لقي فيها حتفه؛ فقد احتال لتطيير جسمه فمد لنفسه جناحين، ثم صعد إلى مكان عال أمام جمع غفير من أهالي قرطبة، واندفع في الهواء طائرًا دون أن يجعل لنفسه ذنبًا يحميه في هبوطه ويعطي لمقدم جسمه ومؤخرته نوعًا من التوازن، وحلّق مسافة ليست بالقصيرة ثم سقط على مؤخرته ومات. ولعله أول إنسان حاول الطيران في العالم.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: الجاذبية والمغنطيس   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 6:45 am


الجاذبية والمغنطيس


العلوم عند العرب والمسلمين 211

بذل الإنسان منذ العصور الأولى جهدًا كبيرًا لكي يقف على ظاهرة الجاذبية الطبيعية، فقد كانت أمرًا يلاحظه ولكن لا يملك له تفسيرًا. وقد كانت لأرسطو طاليس (384 ـ 322 ق.م) أفكار ونظريات في الجاذبية سيطرت على التفكير العلمي السائد آنذاك، وكانت هذ الأفكار والنظريات من بين جملة الأسباب التي دفعت بعض العلماء المسلمين إلى دراسة هذا الموضوع ضمن موضوعات أخرى أكبر.

لعل أول من اهتم بعلم الجاذبية من المسلمين هو ابن الحائك (334هـ، 946م)، وهو يقرر في أحد مصنفاته بأن ¸… النار إلى فوق والهواء متموج يمنة ويسرة على وجه الأرض، والماء يتحرك ويسير سفلاً، والأرض واقفة راكدة لذا كانت أكثر من الثلاثة قبولاً، وكان تأثير الأجرام العلوية والعناصر السماوية فيها أكثر، وكانت على ما فاتها من الأجسام أغلب وأشد جذبًا من الهواء والماء من كل جهاتها. فهي بمنزلة حجر المغنطيس الذي تجذب قواه الحديد إلى كل جانب·.

هناك علماء آخرون أشاروا إلى ظاهرة الجاذبية؛ فثابت ابن قرّة ـ مثلاً ـ اكتشف أن الأجسام ذات الوزن النوعي الأثقل من وزن الهواء النوعي تنجذب من فوق إلى تحت؛ فالمدرة (الطين اليابس) تعود إلى أسفل لأن بينها وبين كلية الأرض مشابهة من حيث البرودة والكثافة والشيء ينجذب إلى ما هو أعظم منه. وشرح ذلك محمد بن عمر الرازي في أواخر القرن السادس الهجري بأننا "إذا رمينا المدرة إلى فوق، فإنها ترجع إلى أسفل، ومن ذلك نعلم أن فيها قوة تقتضي الهبوط إلى أسفل؛ لذا إذا رميناها إلى فوق أعادتها تلك القوة إلى أسفل". كما نجد أن ابن سينا قد ربط بين قوة اندفاع الجسم والسبب الذي أثار حركته.

تناول البيروني قوى الجاذبية في كتابه القانون المسعودي، فعنده "أن السماء تجذب الأرض من كل الأنحاء على السواء، إلا أن جذبها لكتلة الأرض أشد من جذبها للأجزاء الأخرى خاصة إذا لم تكن هذه الأجزاء متصلة بالأرض أو كانت بعيدة عنها، فحينئذ لا تتمكن السماء من جذبها إليها لأنها تكون خاضعة لمجال جذب الأرض لها"؛ وبذلك يشير إلى نوعين من الجاذبية هما: جاذبية السماء للأرض، وجاذبية الأرض لما فوقها وحولها؛ فالشيء ينجذب إلى النطاق الذي يقع في مجاله وإن كان هو ونطاقه منجذبيْن بدورهما إلى جرم السماء. والبشر بحكم وجودهم على سطح الأرض فهم منجذبون إليها، وهي بدورها منجذبة إلى السماء، ويبلغ ذلك الجذب أقصاه في باطن الأرض من حيث تنطلق الجاذبية الأرضية و¸الناس على الأرض منتصبو القامات على استقامة أقطار الكرة، وعليها أيضًا تزول الأثقال إلى السفل…·، ويعترض على القائلين بعدم دوران الأرض لأنها إذا دارت طارت من فوق سطحها الحجارة والأشجار، ويقول في هذا الصدد ¸إن هذا لا يقع لأنه لابد لنا من أن ندخل في الحساب أن الأرض تجذب كل ما عليها نحو مركزها·.

أدلى الخازن بدلوه في ظاهرة الجاذبية وخواص الجذب، تمامًا كما فعل في بحثه عن ظاهرة الضغط الجوي التي تحدث فيها قبل إيفانجليستا توريشلي بخمسة قرون. فقد أكد في كتابه ميزان الحكمة على العلاقة بين سرعة الجسم والمسافة التي يقطعها والزمن الذي يستغرقه. وقال إن الثقل هو القوة التي بها يتحرك الجسم الثقيل إلى مركز الأرض، وأن الجسم الثقيل هو الذي يتحرك بقوة ذاتية أبدًا إلى مركز الأرض فقط. وأنه إذا تحرك جسم ثقيل في أجسام رطبة فإن حركته فيها تكون وفق رطوباتها؛ فتكون حركته في الجسم الأرطب أسرع. وإذا تحرك في الجسم الرطب جسمان متساويان في الحجم متشابهان في الشكل مختلفان في الكثافة، فإن حركة الجسم الأكثر كثافة فيه تكون أسرع. كما أن الأجسام الثقال قد تتساوى أثقالها، وإن كانت مختلفة في القوة والشكل؛ فالأجسام المتساوية الثقل هي التي إذا تحركت في جسم واحد من الأجسام الرطبة من نقطة واحدة، كانت حركتها متساوية؛ أي أنها تقطع في أزمنة متساوية مسافات متساوية. والأجسام المختلفة الثقل هي التي إذا تحركت على هذه الصفة كانت حركاتها مختلفة.

قام الشريف الإدريسي (ت560هـ، 1165م) بالتصنيف والعمل في مختلف فروع المعرفة، وقد تناول ظاهرة الجاذبية في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق. ففي معرض حديثه عن كروية الأرض يقول ¸إن الأرض مدورة كتدوير الكرة، والماء لاصق بها وراكد عليها ركودًا طبيعيّاً لا يفارقها، والأرض والماء مستقران في جوف الفلك كالمح (الصفار) في جوف البيضة. ووضعهما وضع متوسط، والنسيم محيط بهما من جميع جهاتهما، وهو جاذب لهما إلى جهة الفلك، أو دافع لهما. والله أعلم بحقيقة ذلك، والأرض مستقرة في جوف الفلك وذلك لشدة سرعة حركة الفلك، وجميع المخلوقات على ظهرها، والنسيم جاذب لما في أبدانهم من الخفة، والأرض جاذبة لما في أبدانهم من الثقل، بمنزلة حجر المغنطيس الذي يجذب الحديد إليه·.

هناك علماء آخرون غير ابن الحائك والبيروني والخازن تناولوا ظاهرة الجاذبية. من هؤلاء ابن خرداذبة ومحمد بن عمر الرازي، والبوزجاني، وهبة الله بن ملكا البغدادي المعروف باسم أوحد الزمان، الذي يقول في كتابه المعتبر في الحكمة أن الجسم يسقط حرًا تحت تأثير قوة جذب الأرض متخذًا في ذلك أقصر الطرق في سعيه للوصول إلى موضعه الطبيعي، وهو الخط المستقيم، ¸فلو تحركت الأجسام في الخلاء لتساوت حركة الثقيل والخفيف والكبير والصغير والمخروط المتحرك على رأسه الحاد، والمخروط المتحرك على قاعدته الواسعة في السرعة والبطء، لأنها تختلف في الملاء بهذه الأشياء بسهولة خرقها لما تخرقه من المقاوم المخزون كالماء والهواء وغيره·.

كانت هذه الأبحاث المتناثرة للعلماء المسلمين، اللبنة الأولى لعلم الجاذبية التي بنى عليها كل من كوبر نيكوس (878-950هـ، 1473- 1543م) ويوهان كبلر (979-1040هـ، 1571 -1630م) نظرياتهما واستقيا من العلماء العرب والمسلمين علومهما كما اعترفا هما بذلك. كما استفاد من هذه اللبنات أيضًا كل من جاليليو (972 ـ 1052هـ، 1564 ـ 1642م) وإسحق نيوتن (1052 ـ 1140هـ، 1642 ـ 1727م) لوضع القوانين القائمة على أسس رياضية لتحديد قوة الجاذبية.

أما المغنطيس فقد كان الإغريق أول من اكتشف فيه خاصية الجذب، وكان ذلك قبل ما يزيد على 2000 سنة. فقد كانوا يجلبون نوعًا من الحجر من منطقة تسمى مغنسيا له قدرة على الجذب، وكان أهلها يسمون المغنطيِّين؛ ومن ثم أطلقت كلمة مغنطيس على هذا الحجر. وعرف العرب والمسلمون المغنطيس والمغنطيسية. وقد استفادوا من خاصتين أساسيتين هما الجذب وإشارته إلى الاتجاه واستخدموا ذلك في أسفارهم البحرية. ويقول البيروني إن حجر المغنطيس كالكهرمان له خاصية الجذب، لكنه أكثر منه فائدة لأنه يستطيع أن ينتزع شفرة من الجرح، أو طرف المشرط من أحد العروق، أو خاتمًا معدنيًا ابتلعه الإنسان واستقر في بطنه. ويقال إن العرب استخدموا في هياكل سفنهم التي تعبر الخليج العربي ألياف النخل التي يتم إدخالها في ثقوب بالألواح الخشبية، بينما استخدموا المسامير الحديدية للسفن التي كانت تبحر في البحر الأبيض المتوسط. ويعود السبب في ذلك إلى وجود صخور مغنطيسية خفية يمكن أن تُعرِّض السفن التي يستخدم فيها الحديد إلى الخطر.

استخدم المسلمون الإبرة المغنطيسية (البوصلة)، وقد اختلف العلماء في نسبة اختراع بيت الإبرة كما سمّاها العرب. فمن العلماء من ينسب ذلك إلى الصينيين، إلا أن المؤرخ الصيني تشو يو يؤكد أن الصينيين قد عرفوا البوصلة عن طريق ملاحين أجانب قد يكونون من الهنود أو من المسلمين الذين كانوا يبحرون بين سومطرة وكانتون. ويقول آخرون إن البحارة المسلمين، على الأرجح، كانوا أول من استخدم خاصية الاتجاه في المغنطيس في صنع بيت الإبرة في رحلاتهم البحرية وذلك حوالي القرن الرابع الهجري. كما استخدموها في ضبط اتجاه القبلة وإقامة المحاريب في المساجد. أما ادعاء البعض بأن اختراع البوصلة تم على يد الإيطالي فلافيوجويا، فليس هناك من دليل يعضده؛ إذ إن أقدم الإشارات إلى البوصلة واستخدامها في المصادر الأوروبية ترد في كتاب فنسان دي بوفيه المنظار الطبيعي وكان مصدره الوحيد في هذا الكتاب هو جيرار الكريموني الذي ترجم ذخيرة كبيرة من المصنفات العربية مما يؤكد أن المصدر كان عربياً. وتدل بعض المخطوطات والمؤلفات القديمة أن بعض العلماء العرب أجروا بعض التجارب الأولية في المغنطيسية.


العلوم عند العرب والمسلمين 311

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 1849
عدد نقاط العضو : 4089
تاريخ التسجيل : 08/01/2009

العلوم عند العرب والمسلمين Empty
مُساهمةموضوع: رواد الفيزياء وأهم مؤلفاتهم   العلوم عند العرب والمسلمين Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 6:55 am



العلوم عند العرب والمسلمين 411

يعد القرن الرابع الهجري العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية من حيث التقدم العلمي. فقد توج العلماء المسلمون العلوم التطبيقية والبحث خلاله بالاكتشافات الرائعة، خاصة بما اهتدوا إليه في طبيعة الضوء ووظائفه، والأصوات، وقوس قزح والكسوف والخسوف والظلال، بالإضافة إلى مخترعاتهم في علم الحيل. وقد كان على رأس قائمة العلماء الذين اشتغلوا بالفيزياء ابن الهيثم وابناء موسى بن شاكر والخازن والبيروني وغيرهم ممن يصعب حصرهم. وقد ساهم هؤلاء جميعًا في تطور علم الفيزياء بفروعه المختلفة بنسب متفاوتة ولم يكن هناك من يفوقهم في أي أمة عاصرتهم.

إسهام ابن الهيثم.

صنف ابن الهيثم كثيرًا، إلا أن معظم ما صنفه يقع في رسائل أو مقالات علمية قصيرة. وشملت هذ المؤلفات: الحساب، والجبر والمقابلة، والهندسة والمثلثات، وحساب المعاملات. وله كتب في: الفلك والمناظر (البصريات)، والجغرافيا والطب والصيدلة، وكذلك في المنطق والفلسفة وعلم الكلام والسياسة والأخلاق والأدب. وقد اتفقت كلمة القدماء والمحدثين على عظمة ابن الهيثم وكثرة مواهبه، وعلو شأنه في العلوم الطبيعية عمومًا والبصريات على وجه الخصوص. اتبع ابن الهيثم في بحوثه كلها ـ وما كان في الضوء منها خاصة ـ طريقة مثلى؛ فقد بنى منهجه العلمي على الاستقراء والقياس والتمثيل، أو كما يقول ¸… نبتدئ باستقراء الموجودات وتصفح أحوال المبصرات وتمييز خواص الجزئيات، ثم نرتقي في البحث والمقاييس على التدريج والترتيب، مع انتقاد المقدمات والتحفظ من الغلط في النتائج…·. وكان يجعل غرضه في سائر ما يميزه وينتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء واتباع الهوى. ويعترف أنه بعد كل ذلك ليس ¸براء مما هو في طبيعة الإنسان من كدر البشرية·، ولكن يجتهد بقدر ما له من القوة الإنسانية، ومن الله يستمد العون في جميع الأمور. ونخلص من آراء ابن الهيثم ومنهجه الذي أقره وسار عليه، أنه كان مخلصًا في طلب العلم، منصفًا لمن سبقه من العلماء مدركًا للوضع الصحيح للبحث العلمي ووظيفته ومهمته. إن هذا النهج الذي سلكه ابن الهيثم وألزم نفسه به هو الذي سمي فيما بعد الأسلوب العلمي؛ وعلى هذا يكون قد سبق روجر بيكون (ت 1011هـ، 1602م) الذي ينسب إليه هذا الفضل. ولم يسبقه فحسب، بل تفوق عليه بإضافته مبدأ العمل بالقياس والتمثيل واستطاع أن يجمع بين المقدرة الرياضية والكتابة العلمية. وكان بيكون من أعظم علماء الغرب الذين درسوا العلم العربي ثم حملوا نتاجه إلى الأجيال الأوروبية. وكان أشد فخرًا بفصل الضوء في كتاب التأليف الكبير الذي استمده من ابن الهيثم والكندي، وكان يقول: ¸أعجب ممن يريد أن يبحث في الفلسفة وهو لا يعرف اللغة العربية·.

ألّف ابن الهيثم كتاب المناظر الذي يعد أهم كتاب ظهر في عصور الازدهار الإسلامية ـ العصور المظلمة في أوروبا ـ وكان أكثر المصنفات استيفاء لبحوث الضوء. فقد كانت المعلومات في هذا المجال قبله مفككة لا رابط بينها. ولما جاء أنشأ هذا العلم على أسس صحيحة، ساهمت في تطوره، وانعكست نتائج هذا التطور في العلوم الأخرى ذات العلاقة به كالفلك والطبيعة. لذا كان من أعظم مآثره أنه أبطل علم المناظر القديم وأنشأ علم الضوء بالمعنى المعروف حديثًا. ومن أهم البحوث والآراء التي وردت في المناظر: 1ـ طبيعة الضوء، 2ـ الانعكاس، 3ـ الانعطاف والانكسار، 4ـ تشريح العين، 5ـ الإبصار وكيفية حدوث الرؤية، و6ـ أغلاط البصر وأوهامه. أما آراؤه في الضوء والبصريات فيمكن الاطلاع عليها تحت البصريات في هذه المقالة.

أثره في الغرب. كان أثر ابن الهيثم كبيرًا سواءً في الشرق حيث عاش ومات أو في الغرب حيث انتشر ذكره وذاع صيته. ولم يكن هناك من معاصريه من كان يدانيه في ميدان البصريات وفي عبقريته العلمية، ولا في حياته الشخصية التي كانت انعكاسًا لإخلاصه للعلم وحب البحث. ومن الغريب أن تأثيره في الشرق لم يكن بنفس القدر الذي كان في الغرب، وقد ظلت شهرته في الشرق جانبًا من التاريخ المروي؛ لقلة من تأثر بنظرياته العلمية من العرب والمسلمين. ولم يذع صيته إلا بعد أن قام كمال الدين الفارسي (ت720هـ،1320م) بشرح كتاب المناظر وعلق عليه وسمّاه كتاب تنقيح المناظر لذوي الألباب والبصائر.

أما في الغرب، فقد أقبل المترجمون والمنتحلون على كتب ابن الهيثم التي بقيت منهلاً عامًا ينهل منه أكثر علماء القرون الوسطى مثل روجر بيكون وكبلر ودافينشي وويتلو وهوبكنز. ونقلت كتبه في الرياضيات والفلك والفيزياء إلى اللغات العبرية والأسبانية والإيطالية، أما اللغة اللاتينية فيبدو أن جيرار الكريموني (ت 583هـ، 1187م) قد نقل إليها كل كتاب المناظر لابن الهيثم، كما نقله ويتلو إلى اللاتينية عام 1270م. ومن أوائل من تأثروا بابن الهيثم في علم الضوء روبرت جروستست (ت 650هـ، 1253م) الذي يعد من رواد الحركة العلمية في الغرب. وكذلك ويتلو الذي ضمن أبحاثه عن الضوء كثيرًا من آراء ابن الهيثم؛ من ذلك الخزانة السوداء ذات الثقب و تعليل قوس قزح. كما نجد أن كتاب علم المناظر لجون بيكام (ت 691هـ، 1292م) ليس سوى اقتباس ناقص من كتاب المناظر لابن الهيثم. أما أعظم علماء الغرب الذين نهلوا من العلم العربي ثم حملوا نتاجه إلى أوروبا فهو روجر بيكون الذي درس العربية وشجع على تعلمها للأخذ من العلوم الفلسفية العربية. ونجد أن أبحاث ابن الهيثم في علم المناظر قد ألهمت الكثيرين من علماء أوروبا. وأن بعضًا من البحوث التي تنسب إلى المشهورين منهم قد وردت في مؤلفاته خاصة المناظر؛ فإن مستوى هذا الكتاب من منظور علمي، يفوق مستوى كثير من الكتب العلمية التي صنفها الغربيون في العصور الوسطى وبدايات عصر النهضة في أوروبا.

إسهام البيروني.

كان البيروني ثالث ثلاثة ـ بعد ابن سينا وابن الهيثم ـ ازدهت بهم الحضارة العربية الإسلامية في الفترة من منتصف القرن الرابع الهجري إلى منتصف القرن الخامس الهجري. ويذهب بعض مؤرخي العلوم مثل الألماني إدوارد سخاو (ت 1348هـ،1930م) إلى ¸أن البيروني أعظم عقلية عرفها التاريخ·. وقد كان البيروني يرى في وحدة الاتجاه العلمي في العالمين الإسلامي والغربي اتحاد الشرق والغرب. وكأنه كان يدعو إلى إدراك وحدة الأصول الإنسانية والعلمية؛ فنجده يطري اليونانيين، ويطري العرب ولغتهم ـ على الرغم من أصله العجمي ـ ويشيد بالهنود، ويعدد مزايا كل شعب من هذه الشعوب، ودعا إلى أخذ العلم من أي مصدر أو لغة أو شعب. وقد كان يجيد الفارسية، واليونانية، والسريانية، والسنسكريتية إلى جانب العربية. وسعة اطلاعه على تراث هذه اللغات جعلته متمكنًا، على سبيل المثال، من انتقاد المنهج الذي اتبعه الهنود لأنه حسب رأيه مليء بالأوهام وغير علمي. كما مكّنه ذلك من بيان وجود التوافق بين الفلسفة الفيثاغورية والأفلاطونية والحكمة الهندية والكثير من مبادئ الصوفية.

يكاد يكون البيروني قد ألّف في كل فروع المعرفة التي عهدها عصره؛ فقد كتب في الرياضيات والفلك والتنجيم والحكمة والأديان والتاريخ والجغرافيا والجيولوجيا والأحياء والصيدلة. أما في مجال الطبيعيات فقد اهتم بالخواص الفيزيائية لكثير من المواد، وتناولت أبحاثه علم ميكانيكا الموانع والهيدروستاتيكا، ولجأ في بحوثه إلى التجربة وجعلها محورًا لاستنتاجاته. كما انضم مع ابن سينا إلى الذين شاركوا ابن الهيثم في رأيه القائل بأن الضوء يأتي من الجسم المرئي إلى العين. ومن جملة اهتماماته بالخواص الفيزيائية للمواد التي وردت في كتب متفرقة كالقانون المسعودي، و الجماهر في الجواهر وصفه للماس بأنه جوهر مُشِفّ وأنه صلد يكسر جميع الأحجار ولا ينكسر بها. وهذه صفة فيزيائية مميزة للماس حيث يستخدم حتى الآن لقطع الزجاج ويستخدم مسحوقه لصقل المعادن وتنعيمها. أما خشب الأبنوس عنده فإنه يضيء كاللؤلؤ، تفوح منه رائحة طيبة ولا يطفو على الماء لأن ثقله النوعي أكثر من واحد. كما يشير إلى أن كل الأحجار الكريمة ¸تطفو في الزئبق ما خلا الذهب فإنه يرسب فيه بفضل الثقل·. ومن أبرز ما قام به البيروني أنه توصل إلى تحديد الثقل النوعي لـ 18 عنصرًا مركبًا بعضها من الأحجار الكريمة مستخدمًا الجهاز المخروطي الذي سبق توضيحه. وقد استخرج قيم الثقل النوعي لهذه العناصر منسوبة إلى الذهب مرة، وإلى الماء مرة أخرى كما سبق أن ذكرنا. وله جداول حدد فيها قيم الثقل النوعي لبعض الأحجار الكريمة منسوبة إلى الياقوت على أساس الوزن النوعي للياقوت = 100 ثم إلى الماء.

وفي ظاهرة الجاذبية كان البيروني، مع ابن الحائك، من الرواد الذين قالوا بأن للأرض خاصية جذب الأجسام نحو مركزها، وقد تناول ذلك في آراء بثها في كتب مختلفة ولكن أشهر آرائه في ذلك ضمنها كتابه القانون المسعودي. انظر: الجاذبية والمغنطيس في هذه المقالة.

من المسائل الفيزيائية التي تناولها البيروني في كتاباته ظاهرة تأثير الحرارة في المعادن، وضغط السوائل وتوازنها وتفسير بعض الظواهر المتعلقة بسريان الموائع، وظاهرة المد والجزر وسريان الضوء. فقد لاحظ أن المعادن تتمدَّد عند تسخينها، وتنكمش إذا تعرضت للبرودة. وأولى ملاحظاته في هذا الشأن كانت في تأثير تباين درجة الحرارة في دقة أجهزة الرصد، حيث تطرأ عليها تغيرات في الطول والقصر في قيظ النهار وصقيع آخر الليل. وتعرض في كتابه الآثار الباقية عن القرون الخالية لميكانيكا الموائع؛ فشرح الظواهر التي تقوم على ضغط السوائل واتزانها وتوازنها، وأوضح صعود مياه النافورات والعيون إلى أعلى مستندًا إلى خاصية سلوك السوائل في الأواني المستطرقة. كما شرح تجمع مياه الآبار بالرشح من الجوانب حيث يكون مصدرها من المياه القريبة منها، وتكون سطوح ما يجتمع منها موازية لتلك المياه، وبيَّن كيف تفور العيون وكيف يمكن أن تصعد مياهها إلى القلاع ورؤوس المنارات. وتحدث عن ظاهرة المد والجزر في البحار والأنهار وعزاهما إلى التغير الدوري لوجه القمر. أما فيما يختص بسريان الضوء فقد فطن إلى أن سرعة الضوء تفوق سرعة الصوت، واتفق مع ابن الهيثم وابن سينا في قولهما بأن الرؤية تحدث بخروج الشعاع الضوئي من الجسم المرئي إلى العين وليس العكس. كما يقرر أن القمر جسم معتم لا يضيء بذاته وإنما يضيء بانعكاس أشعة الشمس عليه. وكان البيروني يشرح كل ذلك بوضوح تام، ودقة متناهية في تعبيرات سهلة لا تعقيد فيها ولا التواء.

إسهام الخازن.

يعد الخازن أبرز الذين وضعوا مؤلفًا في الموازين وعلم الميكانيكا والهيدروستاتيكا، ويعد كتابه ميزان الحكمة موسوعة تشمل هذين العلمين بما في ذلك الأثقال والأوزان النوعية لكثير من المعادن. واخترع الخازن آلة لمعرفة الوزن النوعي للسوائل ووصل في تجاربه إلى درجة عظيمة من الدقة، واستخدم ميزان الهواء للحصول على الثقل النوعي للسوائل بكل نجاح وتوصل في ذلك أيضًا إلى نتائج باهرة إذا ما قورنت بالتقديرات الحديثة.

كتب الخازن أبحاثًا أصيلة في المرايا وأنواعها وحرارتها، والصور الظاهرة فيها، وفي انحراف الأشياء وتجسيمها ظاهريًا، وأجرى تجارب لإيجاد العلاقة بين وزن الهواء وكثافته. وأوضح أن المادة يختلف وزنها في الهواء الكثيف عنه في الهواء الخفيف لاختلاف الضغط، كما بيَّن أن قاعدة أرخميدس لا تسري فقط على السوائل، بل تسري أيضًا على الغازات. وفي كتابه ميزان الحكمة، الذي عثر عليه في منتصف القرن التاسع عشر، استيفاء لبحوث مبتكرة في الفيزياء عامة والهيدروستاتيكا والميكانيكا خاصة. وقد سبق الخازن في هذا الكتاب، غيره في الإشارة إلى مادة الهواء ووزنه، وقال إن للهواء وزنًا وقوة رافعة كالسوائل تمامًا؛ فالهواء كالماء يحدث ضغطًا من أسفل إلى أعلى على أي جسم مغمور فيه. وعلى ذلك فإن وزن أي جسم مغمور في الهواء ينقص عن وزنه الحقيقي، وأن مقدار ما ينقص من الوزن يتوقف على كثافة الهواء. ولاشك في أن هذه الدراسات هي التي مهّدت لدراسات توريشلي وباسكال وبويل وغيرهم ومهّدت بذلك لاختراع البارومتر. وتناول في الكتاب نفسه ظاهرة الجاذبية. وقال: إن الأجسام تتجه في سقوطها إلى الأرض، وأن ذلك ناتج عن قوة تجذب هذه الأجسام في اتجاه مركز الأرض، كما تكلم عن الأنابيب الشعرية. وفي الميزان الجامع يبحث في المقدمات الهندسية والطبيعية لبناء الميزان، ومراكز الأثقال كما وصفها ابن الهيثم وأبو سهل الكوهي، ومقدار غوص السفن. كما يبحث في أسباب اختلاف الوزن، ومعرفة النسب بين الفلزات والجواهر في الحجم، وموازين الماء وفحصها، واستخدام الصنجات الخاصة بالموازين، ووزن الدراهم والدنانير دون صنجات، وميزان الساعات وميزان تسوية الأرض. وقد ترجمت كتابات الخازن إلى اللاتينية ثم الإيطالية في وقت مبكر واستعانت بها أوروبا في العصور الوسطى وبدايات العصر الحديث.

إسهامات ابن ملكا.

اشتهر أبو البركات هبة الله بن ملكا البغدادي المعروف بأوحد الزمان (ت560هـ،1165م) بأعماله الطبيّة إلى جانب مساهمته في مجال علم الحركة (الديناميكا). ومن المعروف أن الفضل في جمع قوانين الحركة الثلاثة وصياغتها صياغة علمية يرجع إلى إسحق نيوتن، إلا أن القانون الثالث الذي ينص على ¸أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه· قد تناوله ابن ملكا في كتابه المعتبر في الحكمة؛ إذ يصّرح بأن ¸الحلقة المتجاذبة بين المصارعيْن لكل واحد من المتجاذبيْن في جذبها قوة مقاومة لقوة الآخر، وليس إذا غلب أحدهما فجذبها نحوه تكون قد خلت من قوة الجذب الآخر، بل تلك القوة موجودة مقهورة، ولولاها لما احتاج الآخر إلى كل ذلك الجذب·. ولقد أشار ابن سينا إلى القانون الأول للحركة، عندما ذكر أن للجسم من طبعه ما يحافظ به على استمراره في حالة السكون أو في حالة الحركة. وأن تغيير الوضع لايحدث إلا بتدخل جسم خارجي فيحس هذا الجسم الخارجي بمقاومة لتدخله تحاول إبقاء الحالة التي كان عليها الجسم عند هذا التدخل.

وهناك علماء آخرون ظهروا في الحقبة قيد البحث يضيق المجال هنا عن ذكر إسهاماتهم.للاطلاع على أسماء هؤلاء العلماء، انظر جدول أشهر الفيزيائيين العرب وأهم مؤلفاتهم في هذه المقالة.



العلوم عند العرب والمسلمين 511
العلوم عند العرب والمسلمين 611


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://inof2200.yoo7.com
 
العلوم عند العرب والمسلمين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» إنا لا نعرف لغة العرب ...........
» الدعاء الرسمى لقادة العرب
» حرب العرب الرياضة!! بقلم:محمود الفطافطة
» ماذا لو إستيقظنا يوما ولم نجد العرب في السنا
» داهية الغابة .....واعوان حكام العرب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنز المعرفة :: القسم العام :: موسوعة كنز المعرفة-
انتقل الى: