التنبؤ بما سيكون عليه المستقبل، مع الاستعداد لهذا المستقبل) هكذا يعرف العالم الإداري هنري فايول كلمة التخطيط، فليس المعنى من التخطيط أن ترسم الطريق إلى الهدف فحسب، بل أن تستشرف العقبات والمعوقات، وتسعى في إيجاد الحل الملائم لها مسبقًا، أو بعبارة أخرى هو عملية تجميع المعلومات، وافتراض توقعات في المستقبل؛ من أجل صياغة النشاطات اللازمة لتحقيق الهدف.
ثمار على شجرة التخطيط.
ولربما يسأل سائل فيقول: لماذا أحتاج إلى التخطيط؟! وما الذي سيضيفه إلي من النجاح والتميز أن أضيع بعضًا من الوقت في التخطيط؟! ألم يكن من الأفضل استثمار هذا الوقت في العمل؟! والإجابة على صاحبنا سهلة يسيرة، يصوغها لنا الدكتور عبد الكريم بكار حين يقول: (مسألة الإدارة والاهتمام بها لم تعد مقصورة على المؤسسات والشركات فحسب، وإنما صارت مسألة شخصية أيضًا، ولهذا فإن تحسين معرفة الأفراد بالمسائل الإدارية بات مسألة لا تحتمل التأخير)، وليس ذلك فحسب، بل دعونا ندعوه إلى أن يأخذ معنا جولة سريعة في رياض التخطيط؛ ليدرك بعد ذلك ـ بإذن الله ـ أهمية هذه الأداة في إدارة دفة الحياة نحو النجاح والتميز، فهيا بنا إلى رياض التخطيط:
1. نقطة الانطلاق.
فلن يتمكن أحد منا من تحقيق النجاح باستمرارية إلا بخطة دقيقة واضحة المعالم، فكما يقول بيسل إس ولش: (الخطة الذكية هي الخطوة الأولى للنجاح)، وهناك حكمة تقول: (إذا فشلت في التخطيط، فقد خططت للفشل).
2. معيار التطور.
فالتخطيط يُقسِّم حياتك إلى مراحل ومحطات، تقف عند كل محطة منها؛ لتراجع نفسك وتُقيِّمها، كما أنه يعينك على ترتيب الأولويات، ويجعلك تُقسِّم وقتك على وفق هذه الأولويات, فكما يقول بيسل إس والش: (الشخص الذي يخطط يعرف إلى أين يتجه، ويعرف قدر ما يحرزه من تقدم).
3. مفتاح التوازن.
فقمة النجاح في الحياة هو التوازن، فكما يقول براين ترايسي: (قدرتك على أن تدير مشروعات ووظائف متعددة المهام هي عامل رئيس لنجاحك)، ولا يمكن القيام بهذه الأدوار جملة واحدة بدون وجود خطة محكمة تنسق بين هذه الأنشطة، وتجعلها تتكامل معًا في نسيج واحد متداخل متكامل متسق مع بعضه البعض.
اقفز فوق الحواجز.
يقول براين ترايسي: (لا توجد حدود لما يمكنك إنجازه بحياتك، سوى العوائق التي تفرضها على عقلك)، ولذا لابد من أن تقفز ـ عزيزي القارئ ـ فوق حواجز تعوق طريقك نحو التخطيط الفعال، ومنها ما يلي:
1. وداعًا للضباب.
فكما يقول سينيكا: (إن خططنا تفشل؛ لأنها تفتقر إلى الهدف، فعندما لا يعرف الإنسان إلى أي ميناء يذهب؛ فلا رياح مواتية بالنسبة له)، ولذا فأول عقبات التخطيط الفعال هو إزالة الضباب عن الهدف.
2. وقت ضائع.
فبعض الناس لديهم الاعتقاد الخاطئ بأن قضاء وقت في التخطيط هو من قبيل تضييع الأوقات، ويستندون في ذلك إلى وجود أمثلة واقعية لأناس لم يعتنوا بوضع خططهم، ومع ذلك فقد حققوا نجاحات في حياتهم، ولا يدرك هؤلاء أن هذه النجاحات جزئية ليست ذات بال؛ فالأصل إذًا أنه لا نجاح، ولا إنجاز في الحياة إلا بتحديد الخطة، وأما إذا نجح من لم يخطط، فيكون نجاحه جزئيًا غير ذي قيمة حقيقية.
3. مجرد حدث.
فقد يحجم البعض عن التخطيط؛ نظرًا لتجارب فاشلة حاول فيها التخطيط لحياته، ولكنه لم يفلح، ولكن الفشل ليس إلا حدث عابر، نأخذ من الدروس المستفادة ثم ننساه، وانظر إلى رجل الأعمال الذي سأله صحفي عن سر نجاحه، فقال: فرد رجل الأعمال وقال: (كلمتين، قرارات سليمة)، فسأله الصحفي: (ولكن كيف يمكننا أن نأخذ قرارات سليمة؟)، فرد عليه رجل الأعمال وقال: (كلمة واحدة، الخبرة)، فسأله الصحفي: (وكيف يمكننا أن نكتسب الخبرة؟)، فرد عليه رجل الأعمال وقال: (كلمتين، قرارات سيئة).
4. شتان ما بينهما.
وهنا قد يبدو للبعض ثمة تعارض بين التخطيط للمستقبل وبين التوكل على الله، فيأتي ابن عطاء السكندري ـ رحمه الله ـ ليضع النقاط على الحروف، ويرد الأمور إلى نصابها الصحيح، فيقول: (إن التسبب لا ينافي التوكل)، أي أن الأخذ بأسباب النجاح في الحياة لا ينافي أبدًا كونك متوكلًا على الله.
الأسئلة الخمسة.
ولكي تتمكن من ترجمة مفهوم التخطيط إلى واقع عملي، فإن ذلك يكون بالإجابة على خمسة أسئلة رئيسة:
· ما: ونعني به الهدف الذي ستضع له خطة لتنفيذه.
· متى: الزمن الذي تنفذ به الخطة.
· من: الأفراد الذين سيقومون بتنفيذها.
· كيف: عملية التنفيذ، بما فيها من خطوات عملية، وبرامج تنفيذية.
· كم: عملية الرقابة والمتابعة والتقييم.
النبي صلى الله عليه وسلم والتخطيط.
وها هو القبس الأول من مشكاة التخطيط، نتحدث فيه عن عبقرية النبي صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة والأسوة الحسنة، فما كان يعزم على أمر إلا وقد خطط له تخطيطًا بارعًا، بعد أن طلب المدد الرباني والعون الإلهي، ودعونا نتعلم من مدرسة الهجرة النبوية كيف يكون أصول التخطيط الفعال.
أولاً: إجابة على سؤال ما، أو الهدف من اتخاذ النبي لقرار الهجرة، فبعد نجاحه صلى الله عليه و سلم في تأسيس المجتمع المسلم، انطلق النبي صلى الله عليه وسلمإلى هدف أعظم ألا وهو نشر هذه الدعوة، وإنشاء دولة إسلامية تقوم بدورها في تعبيد الناس لرب العالمين، ولكن لظروف التضييق الشديد بمكة، كان لابد من إيجاد أرض أخرى وهي يثرب.
ثانيًا: إجابة على سؤال من، أو تحديد الأشخاص الذين سيقدمون العون والمساعدة وتحديد مهامهم، وقد جاءت كما يلي:
- المبيت في فراش النبي وذلك للتمويه: وهي مهمة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
- توصيل الأخبار والمعلومات: وكانت تلك مهمة عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه، حيث يسمع ما يدور في مكة، ثم ينقله للنبي صلى الله عليه وسلم.
- تأمين الزاد: وكانت تلك مهمة أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها.
- إخفاء الأثر: وكانت تلك مهمة عامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنه، حيث يرعى الغنم حول الجبل نهارًا، ثم يعود من الطريق التي يعود منها عبد الله وأسماء ـ رضي الله عنهما ـ فيخفي آثار أقدامهما.
- الدليل الذي يرشد النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه: وأوكل هذه المهمة إلى رجل من المشركين، وهو عبد الله بن أريقط.
ثالثًا: إجابة على سؤال متى، أو وقت تنفيذ الخطة وزمنها، فقرر النبي صلى الله عليه وسلم الخروج في النهار حيث القيلولة، وهي ساعة قلما تجد إنسانًا بمكة فيها.
رابعًا: إجابة على سؤال أين، أو خط السير الذي سينفذ الخطة من خلاله، فكان تخطيط النبي صلى الله عليه وسلم هو الاتجاه إلى غار في طريق غير طريق المدينة، حيث غار ثور جنوب مكة.
خامسًا: المرونة التي اتسمت بها خطة النبي صلى الله عليه وسلم، الاستفادة من خبرة الآخرين حتى من المشركين عند الثقة في أحدهم، فكان دليل النبي صلى الله عليه وسلم هو عبد الله بن أريقط.
سادسًا: التوكل على الله، مع الأخذ بكل هذه الأسباب التخطيطية، ويظهر ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه، وهو معه في الغار: (يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما).
أرأيت ـ عزيزي القارئ ـ كيف تكون الخطط؟ وكيف يكون التنفيذ؟ وهنا لا يسع الواحد منا إلا أن يضع قوله تعالى نبراسًا يهدي له طريق نجاحه، حين يقول المولى عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: ٢١].
أهم المراجع.
1. .المفاتيح العشرة للنجاح، د.إبراهيم الفقي
2. 256 بصيرة في الشخصية، د.عبد الكريم بكار.
3. سلسلة الكتيب الشامل عن الإنجاز الشخصي، بريان تراسي.
4. سلسلة الكتيب الشامل عن تحكم في وقتك، براين ترايسي.
5. أفضل ما قيل عن قوة الأهداف، كاثرين كارفيلاس.
6. إدارة الذات، د.أكرم رضا.