مقدمة:
دخل المدرب قاعة التدريب، ووضع الجرة في وسط القاعة، ثم أخرج المدرب كيساً كبيراً مليئاً بقطع الصخور المتباينة الأحجام والأشكال، وأخذ يلقي بالقطع داخل الجرة، حتى بدأت تتساقط على الأجناب، حاول المدرب زحزحة الصخور في الداخل، فهز الجرة بشدة، لكنه لم يستطع إدخال المزيد، وهنا سأل الحاضرين: (هل امتلأت الجرة؟)، فأجابوا بصوت واحد: (نعم).
هز المدرب رأسه نافياً: (ليس بعد)، ثم أخرج كيساً متوسطاً مليئاً بالحصى، وبدأ يلقي بقطع الحصى الصغيرة داخل الجرة فتستقر في الفراغات بين قطع الصخور الكبيرة، وعندما فاضت الجرة بالحصى، سأل: (هل امتلأت الجرة؟)، فرد الحضور بصوت واحد: (نعم).
فهز المدرب رأسه نافيا: (ليس بعد)، ثم أخرج كيساً صغيراً مليئاً بالرمل الناعم، وبدأ يسكب الرمل في الجرة، فتسللت حبات الرمل الناعمة بين الحصى وقطع الصخور؛ لتملأ كل الفراغات المتبقية، وعندما فاضت الجرة بالرمل، سأل المدرب الحضور: (هل امتلأت الجرة؟)، فرد الجميع حينها: (نعم).
ابتسم المدرب مرة أخرى، وقال
الصخور الكبيرة هي الأولويات، وقطع الحصى المتوسطة هي الأعمال الملحة، وحبات الرمل هي الأعمال الصغيرة التي تهم الآخرين).
جرة الوقت
والآن دعني أسألك أيها القارئ العزيز، هل امتلأت جرة الوقت؟
فإن المشكلة ليست في الوقت نفسه، إنما في كيفية إدارة أوقاتنا، فالطريقة التي ندير بها أوقاتنا هي التي ستحدد هل امتلأت الجرة أم لا؟ فقد رأيت الجرة قد اتسعت للأولويات، وللأعمال الملحة، وللأعمال الصغيرة التي تهم الآخرين، وهنا يكمن سر من أسرار التميز في الحياة، وهو الإدارة الفعالة للوقت، والذي يتلخص في كيفية إدارة الوقت واستغلاله أقصى استغلال من أجل تحقيق الهدف.
أرقام حتمًا ستفاجئك:
كلنا يدرك أن الوقت يمر سريعاً، ولا نشعر به، بل إننا نمضي أوقاتا مديدة في أنشطة اليوم الروتينية، فإن كان متوسط عمر الإنسان ستون عاماً، فلننظر كيف يقضي بعضها؟!
إننا نقضي 8 أيام في ربط الأحذية، و30 يوماً في انتظار إشارات المرور، و30 يوماً أخرى نقضيها عند الحلاق، بالإضافة إلى 90 يوماً في تنظيف الأسنان بالفرشاة، و150 يوماً في انتظار الحافلات، و180يوماً نقضيها في دورة المياه! بل ونقضي 7300 يوماً (أي ما يعادل 20 سنة) في النوم، بينما يشغل كسب الرزق 3285 يوماً فقط (أي ما يعادل 9 سنوات من أصل 60 سنة)!
كم يساوي وقتك؟!
إذن فالمشكلة هي كيف نوزع مهام اليوم على الوقت المتاح لدينا، فالوقت محدود، ولا يمكن إدخاره، أو زيادته، ولكن يمكننا إدارته إدارة صحيحة، فالوقت مادة خام كالحديد مثلا، فلو كان القضيب الخام من الحديد يساوي 5 ريالات، فإنه إذا صنع على شكل نعل حصان كان ثمنه 20 ريالاً، وإذا صنع على شكل إبر كان ثمنه 350 ريالاً، وإذا صنع على شكل سكاكين كان ثمنه 2500 ريالاً، فبقدر ما تبذل على وقتك من جهد في إدارته وتنظيمه واستغلاله، بقدر ما تزداد قيمته.
خطوات إدارة الوقت:
وقبل أن نبدأ في الحديث عن خطوات إدارة الوقت، لابد أيها القارئ العزيز أن تدرك حقيقة هامة:وهي أننا جميع نملك نفس العدد من الساعات والدقائق والثواني، ولكن الفائز الوحيد هو من يركز على الوقت الحاضر، ومن ينصب اهتماه باليوم الذي هو فيه، كما يقول جون سي ماكسويل: (لكل منا القدرة على التأثير على نتاج حياته، والسبيل لذلك يكمن في التركيز على اليوم الحاضر؛ فاليوم هو الوقت الوحيد المتاح لديك).
أولا: تخطيط الوقت:
· ونعني بتخطيط الوقت: محاولة التنبؤ بالوقت المتاح في فترة مقبلة، وتحديد الأعمال المطلوب إنجازها، والاستفادة من الوقت المتاح أمثل استفادة من إجل إنجاز الأعمال المطلوبة.
· استخدم طريقة (أ، ب، ج): وتتلخص تلك الطريقة في تقسيم المهام والأنشطة إلى أقسام ثلاث، وهي:
1. القسم الأول (أ): ويختص بالمهام الحيوية التي لا يمكن تحقيق الأهداف من غير إنجازها، فهي المهام الأكثر أهمية.
2. القسم الثاني (ب): ويختص بالمهام ذات القيمة المتوسطة، فهي تساهم إلى حد ما في تحقيق الأهداف.
3. القسم الثالث (ج): ويختص بالمهام ذا ت القيمة المنخفضة، والتي تبدو مسلية ولكن مساهمتها في تحقيق الأهداف ضئيلة.
· تذكر عند تحديد الأولويات:
1. أنت أفضل من يحكم على ما يجب أن تفعله وما لا يجب أن تفعله، فكما يقول كارل ساندبورج: الوقت هو عملة حياتك، إنه العملة الوحيدة التي تملكها، وأنت فقط الذي يحدد فيما تنفقها).
2. الموعد النهائي للمهام له أهمية كبيرة في تحديد الأولويات؛ فالمهام المفتوحة لن تنتهي أبدا.
ثانيا: إعداد قائمة العمل اليومي:
وإليك بعض النصائح والإرشادات حتى تعد قائمة أعمال يومية ناجحة:
1. ضع قائمتك في نفس الوقت من كل يوم، اقض بعض دقائق بعد نهاية عمل اليوم، أو قبل ابتداء العمل من اليوم التالي في وضع القائمة.
2. لا تضع أكثر من قائمة، واجعل القائمة في جيبك؛ حتى يسهل الوصول إليها.
3. يجب أن تحتوي القائمة على كل مهامك ونشاطاتك التي تريد إنجازها في هذا اليوم وعلى موعد إنجازها، كذلك يجب أن تحوي كل اجتماعاتك، لقاءاتك، اتصالاتك الهاتفية، ....إلخ.
4. خصص لكل مهمة وقتا محددا لإنجازها، فقاعدة باركنسون تقول: (إن العمل يتمدد كي يملأ الوقت المتاح لاستكماله).
5. راجع مهامك اليومية مرة أخرى، وقم بإلغاء كل المهام غير الضرورية، وفوض كل المهام التي يستطيع غيرك القيام بها.
6. اترك وقتا في برنامجك اليومي للراحة والاسترخاء، وخصص وقتا من آن لآخر من أجل ممارسة هواية مفيدة.
7. لابد أن تكون خطتك مرنة، بحيث يمكن الإضافة عليها، أو الإلغاء منها، وأن تترك وقتا للطوارئ.
8. اجعل في برنامجك أوقاتاً خاصة للتطوير الذاتي من خلال القراءة والدراسة، وأخذ الدورات التخصصية المناسبة، وغير ذلك.
ثالثا: احذر التسويف:
إن التسويف هو أن تقوم بمهمة ذات أولوية منخفضة (القسم ج)، بدلا من أن تنجز مهمتك ذات الأولوية العالية (القسم أ) أو (القسم ب)، كأن تقوم بتناول كوباً من الشاي بدلا من أن تعود فوراً إلى عملك أو مذاكرتك، ولذلك يشكل التسويف الخطر الأكبر الذي يساهم في ضياع الأوقات فيما لا يفيد، ولذلك يقول ميجل دي سيرفانتس: (إن التأخير دائما ما يجلب الأخطار، إن إرجاء القيام بمشروع كبير غالباً ما يتسبب في تدميره)، بينما يصفه إدوارد يونج فيقول: (التسويف هو لص الوقت).
ولكي تقضي على التسويف، عليك بما يلي:
1. ضع وقتا للانتهاء من كل مهمة: وتأكد أن هذا الموعد واقعي يمكن تحقيقه، وقم بكتابة موعد الانتهاء أمام كل عمل، ولا تترك ذلك للذاكرة، ومن الأفضل أن تقوم بتعليق هذا الموعد على الحائط، وأن تجعله أمامك دائما.
2. اجعل لنفسك حافزاً: كافئ نفسك على إنجازك للأعمال؛ فإن ذلك سيحفزك أكثر على إنجاز المهام والأعمال الأخرى، واختر المكافأة التي تحبها، كأن تكون إجازة، أو طعام مفضل لك، أو الخروج في نزهة مع أصدقائك، ولكن انتبه إن لم تكن تستحق المكافأة، فلا تعطها لنفسك، وإذا لم تستحقها فيجب أن لا تأخذها.
3. أنجز الأعمال غير المحببة إلى نفسك أولاً: فعند إنجازها ستشعر بالحافز لإتمام الأمور الأخرى الأكثر سهولة أو المحببة إلى نفسك.
4. قسم المهام الصعبة إلى أجزاء صغيرة، بحيث يسهل عليك القيام بها.