اختلفت أنا وزوجتي أيهما يجلب السعادة والاستقرار في الحياة الزوجية، الحب أم التفاهم؟ وأيهما يسبق الآخر؟ فاختلفت وجهات نظرنا ولكننا اتفقنا على رأي واحد؛ أن الحب يزيد بالتفاهم.
أخي القارئ، أختي القارئة....
ما معنى الحب وما حقيقته؟
هل الحب له أهمية في الحياة الزوجية؟
وما أثر الحب على استقرار الزوجين وتحقيق السعادة بينهما؟
وقبل الإجابة على هذه الأسئلة، ألفت نظر القارئ أن العشرة بين الزوجين أقامها الله على أساسين:
الأول: الأساس الرباني:
وهو الذي سماه القرآن "حدود الله" قال تعالى: {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[البقرة: 230].
الثاني: الأساس الإنساني:
وهو الذي عبر عنه القرآن بكلمة "المعروف"، والمعروف هو ما تعرفه الفطر السليمة والعقول الرشيدة، وقد دعا إليه قول الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: 19] (أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله). [مختصر تفسير ابن كثير، ص 369].
ومثله قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: 228]، (أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤد كل واحد منهما من الآخر ما يجب عليه بالمعروف) [مختصر تفسير ابن كثير، ص 204].
والمعاشرة بالمعروف تتضمن تحبب كل من الزوجين للآخر، (وبالمعروف يزيد رصيد الحب في البيوت، وبالمعروف يعود الدفء إليهما، وعندما يفتقد أي من الزوجين ملامح العشرة بالمعروف؛ فإن الإفلاس يصيب بنك الحب في البيت) [بالمعروف؛ حتى يعود الدفء العاطفي إلى بيوتنا، د.أكرم رضا، ص12].
ما معنى الحب وما حقيقته
يقولون الحب من أول نظرة، والحب يصنع المعجزات، والحب الأعمى، والحب عذاب، ومن الحب ما قتل، والحب يرد الكهل فتى، والزواج مقبرة الحب.
ونحن نقول (الحب إخلاص وصفاء، الحب عهد ورسالة ومبدأ، الحب ماء الحياة بل هو سر الحياة، وبالحب تصفو الحياة وتشرق النفس ويرقص القلب، وبالحب تغفر الزلات وتقال العثرات، وتشهر الحسنات، ولولا الحب ما التف الغصن على الغصن، ولا عطف الظبي على الظبية، ولا بكى الغمام لجدب الأرض، ويوم ينتهى الحب تضيق النفوس، ويكون البغض والمشاحنة والمشاكل، ويوم ينتهي الحب تذبل الأزهار، وتظلم الأنوار، وتقصر الأعمار وتجدب الرياض، وتجلب الأمراض) [مجلة الفرحة، العدد90 ، ص59].
(الحب ببساطة شديدة هو الميل إلى الآخر، وعندما يشعر أحد الزوجين أن الآخر يميل إليه فإنه يسمع منه الرسائل التالية:
أنت مهم بالنسبة لي فأعتني بك وأحميك، أنا مهتم بما تواجه في الحياة وسأكون رهن إشارتك عندما تحتاج إليَّ، وهناك مكونات أساسية لأي علاقة مبهجة ورائعة وهي الحب والحنان، والذي يرمز إلى الأمان والحماية والراحة والاستحسان) [مستفاد من كتاب بالمعروف، د.أكرم رضا، ص48].
الحب مشاعر إنسانية رفيعة، وكلنا يحتاج إلى الحب، وقد ذكره عالم النفس الشهير ماسلو في ترتيب هرم الحاجات الاجتماعية، وهي حاجة الفرد إلى الانتماء إلى أفراد يبادلونه الحب والود.
رابط شهواني ورابط رباني
قد انحرف البعض بمعنى الحب وحقيقته فمارسوه بشكل منحرف بعيدًا عن شرع الله وفي غير مؤسسة الزواج، فهذا ليس حبًا بل فسقًا، وصاحبه ليس له رسالة، كما قال الشاعر:
إنني أكره حبًا يجعل الفسق شعارًا
يجعل اللذة قصدًا ويرى العفة عارًا
أما حب الأزواج كل إلى الآخر فهو رابط رباني، وهو قربة وطاعة وحب نافع به تحصل المقاصد التي من أجلها شرع الزواج، من غض البصر والقلب عن التطلع إلى غير أهله، ولهذا يحمد هذا الحب عند الله وعند الناس، قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء (وأما على محبة الزوجين، فلا لوم على المحب فيها بل هي من كماله)، أي من كمال محبة الله [كتاب الداء والدواء، ابن القيم].
حب الله هو العماد
يالها من كلمات عظيمة تخرج من فم الحبيب ـ سيد المحبين ـ يناجي بها ربه ومولاه فيقول: ((... أسألك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقرب إلى حبك...)) [صححه الألباني].
فالحب في ديننا يشمل كل الوجود، يشمل علاقة الإنسان بربه، وعلاقته بالكون والحياة، وعلاقته بكل البشرية، والحب الذي يجمع بين الزوجين هو من رحمة الله التي امتن بها على عباده، فلولا الرحمة لما وجد الحب ولما وجدت المودة، ولما كان هناك عطف أو حنان يظلل الزوجين والأولاد.
(ولذلك فإن الأساس الذي يقوم عليه الحب بين الزوجين، والغذاء الذي يبقيه على قيد الحياة هو "حب الله" فهو تعالى الذي جعل بين الزوجين مودة ورحمة، وحسن الصلة بالله تعالى هي الأساس لتعميق الحب بين الزوجي) [حتى يبقى الحب، د.محمد محمد البدري، ص295]، قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
قف واستشعر نعمة الحب بين الأزواج
في الآية الجميلة معنى أن الله تعالى يجمع بين زوجين وقلبين فيجعل بينهما "مودة" في العلاقة العاطفية، والمودة أقوى من الحب الفطري بين الرجل والمرأة، "ورحمة" من الناحية السلوكية تضفي على الحياة رقة وسعادة.
(إن الناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر ... ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجًا، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكنًا للنفس والعصب وراحة للجسم والقلب، واستقرارًا للحياة والمعاش، وأُنسًا للأرواح والضمائر، واطمئنانًا للرجل والمرأة على السواء) [في ظلال القرآن، سيد قطب، ص2763].
(إن المشاعر الزوجية هي قمة الإحساس بالحب الإنساني، وإذا كان الحب هو الأساس الذي تبنى عليه الحياة الزوجية فستبقى الحياة قوية متينة حتى أمام العواصف والأزمات، وفي الآية الجميلة قال تعالى: "أزواجًا" ولم يقل "نساء"، أي لا يتحقق السكن إلا من علاقة زواج، لا يتحقق إلا إذا تحولت المرأة إلى زوجة.
فإذا لم تكن زوجة فإنه من المستحيل أن تصبح سكنًا حقيقيًا له، ولذلك لا تصح العلاقة بين الرجل والمرأة إلا بالزواج، ولا يمكن للرجل أن ينعم بالسكن إلا من خلال الزواج.
وجاء السكن سابقًا على المودة والرحمة، إذ لابد للإنسان أن يسكن أولًا ويتقدم إلى زوجة ويتزوجها ليتحقق السكن، فإذا قام السكن جعلت المودة والرحمة.
والكلمة الربانية البليغة "وجعل بينكم" أي أن الله هو الذي جعل، ولم يقل "جعل لكم" وإنما بينكم وهي تعني أنها مسألة تبادلية يتبادلها الزوج والزوجة، ولا تتحقق إلا من الطرفين [مستفاد من كتاب حتى يبقى الحب، د.محمد البدري، ص298-302].
مَن أحب الناس إليك؟
أخي القارئ أختي القارئة هل سُئلت هذا السؤال من قبل؟ وإذا حدث فماذا كان جوابك؟ فقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أحب الناس إليه؟ قال: ((عائشة))، قيل: من الرجال؟ قال: ((أبوها)) [متفق عليه].
ولم يتحرج النبي صلى الله عليه وسلم من البوح بمشاعر الحب تجاه زوجته وحبيبته بنت الصديق ـ حبيبه ـ, وتخيل مشهد وفاة الرسول إنه مشهد محب، قالت عائشة: (قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، وجمع الله بين ريقي وريقه عند الموت) [متفق عليه].
ومن أعجب ما وصفته عائشة عندما قال عبد الله بن عمير لها: (حدثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت وقالت: قام ليلة من الليال، فقال: ((يا عائشة ذريني أتعبد لربي)) قالت: (قلت والله إني لأحب قربك, وأحب ما يسرك)، قالت: (فقام فتطهر، ثم قام يصلي) [صححه الألباني].
وكان صلى الله عليه وسلم في معاملته لأزواجه نموذجًا فريدًا (فهو يقرأ القرآن في حجر عائشة, ويلعق أصابعها بعد الأكل، ويغتسلا سويًّا في إناء واحد، ويتسابقان خلف القافلة حيث لا يراها أحد، ويدللها ويناديها: يا عائش، كيف نصف هذه اللحظات؟
إنها لحظات من الحب النادر، لم تمنعه أعباء الدعوة ولا تبعات الجهاد، ولا مكر الأعداء، ولا الوقوف الدائم بين يدي الله من أن يتفنن صلى الله عليه وسلم في إظهار مشاعره في كل لفتة أو همسة) [حتى يبقى الحب، ص314].
أخي القارئ أختي القارئة:
(إننا عندما نحب أن نتحول إلى الأفضل، يلمع بريق الحب في عيوننا، تغمرنا السعادة، تعلو وجوهنا الابتسامة ونكون لطفاء إلى أبعد الحدود في تعاملنا مع شريك الحياة، ونصبح أكثر رفقًا بل نصير أكثر قدرة على العمل والإنجاز، وأكثر سعيًا نحو أهدافنا) [بلوغ النجاح في الحياة الزوجية، كلاوديا أنكمان، 259، باختصار].
أخي القارئ أختي القارئة:
بالحب تصفو الحياة، فالحب صمام الأمان ودافع العطاء، وإكسير الحياة، وهو سر السعادة والاستقرار في الحياة الزوجية، وواجبك العملي الآن هو:
(أحبب شريك حياتك إذا أحسن إليك، وكافئه بالإحسان، أحببه إذا أساء إليك، وكافئه بالغفران، أحببه إذا أعطى وكافئه شكرًا، أحببه إذا أمسك وكافئه سترًا، إن الذي يحب شريك حياته لا ينمُّ فيه جهرًا، ولا يكشف عنه إلا خيرًا) [كيف تكسب محبوبتك، د.صلاح الراشد، ص42].
المراجع
1. بالمعروف؛ حتى يعود الدفء العاطفي إلى بيوتنا، د.أكرم رضا
2. مجلة الفرحة، العدد90
3. الداء والدواء، ابن القيم
4. حتى يبقى الحب، د.محمد محمد البدري
5. في ظلال القرآن، سيد قطب
6. بلوغ النجاح في الحياة الزوجية، كلاوديا أنكمان
7. كيف تكسب محبوبتك، د.صلاح الراشد