ادعى الصهاينة أن جيشهم تعلم من أخطاء حرب لبنان الثانية، وأنه أنجز عملية "الرصاص المسكوب" بنجاح تام، كما أكد رئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي لفني ووزير الحرب أيهود باراك، وهو كلام متوقع من أشخاص يريدون التباهي بما "أنجزوه" قبيل الانتخابات العامة.
لكن هل نجح العدوان حقاً؟ وما الذي أنجزه الصهاينة حقيقةً؟ وما الذي أخفقوا فيه؟ خاصة وأن نتيجة الحرب لم تكن حاسمة، وكثرت الادعاءات والادعاءات المضادة، كما نتساءل عن نوايا الصهاينة في مرحلة ما بعد الحرب.
كيف أدار الصهاينة الحرب:
بدأ التخطيط للعدوان منذ تولي حماس زمام الأمور في القطاع، حيث تخوف قادة الكيان من أن الوضع الجديد سيسمح للحركة ببناء قوة عسكرية تهدد على المدى البعيد وجود الكيان الصهيوني، حاولوا إفشال التجربة من خلال الحصار وتأليب حركة فتح، إلا أن الحكومة في غزة بقيت متماسكة، ولم يتأثر تسليح المقاومة بالحصار، وبدأ المجتمع الدولي يشكك بجدوى وشرعية الحصار، مما أجبر الصهاينة على إخراج مخططات العدوان من الأدراج وتنفيذها على أرض الواقع.
يمتلك المجلس الوزاري المصغر في الكيان صلاحية اتخاذ القرارات الحاسمة في القضايا الأمنية، وقبيل الحرب فوض صلاحياته بما يخص غزة إلى الثلاثي (أولمرت ولفني وباراك)، وفي الجانب العسكري هنالك هيئة أركان حرب الاحتلال وأبرز أعضائها: رئيس الأركان جابي أشكنازي، وقائد المنطقة الجنوبية يوآف جالانت – المسؤول المباشر عن العمليات في القطاع، ورئيس الاستخبارات العسكرية عاموس يدلين، بالإضافة إلى رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) يوفال ديسكين.
اعتمد المخطط الصهيوني على مبدأ العمل المتدحرج، عبر ثلاث مراحل، بحيث تقيم الأمور بعد كل مرحلة وفي حال كان الظرف الميداني مواتياً يتم الانتقال إلى المرحلة التالية، بحيث تعتمد المرحلة الأولى (مرحلة الضربات الجوية) على عنصر المفاجأة، وعند الانتقال إلى المرحلة الثانية يتم استفزاز المقاومين للخروج إلى الأماكن المفتوحة وتصفية عدد كبير منهم، وبعد أن يتم تقطيع أوصال القطاع واحتلال المناطق المكشوفة، تنتقل الحرب إلى المرحلة الثالثة.
ويبدو أن الخلاف حول المرحلة الثالثة بدأ منذ ما قبل العدوان، حيث عارضها أشكنازي وباراك بسبب كلفتها البشرية والمدة الزمنية اللازمة لإتمامها حتى النهاية، وهي ثلاثة شهور على الأقل حسب تقدير جهازي الاستخبارات العسكرية والشاباك، ويبدو أنه تم تقليص نطاقها بحيث تقتصر على مدينة غزة وشمال القطاع حيث توجد القيادة السياسية والعسكرية لحماس حسب اعتقاد الصهاينة.
وبالرغم من تباهي الصهاينة خلال الحرب بتوجيه ضربات قاصمة للمقاومة إلا أن الصواريخ استمرت بالسقوط على الكيان الصهيوني، ولجأت المقاومة إلى أسلوب الهجمات الخاطفة والكمائن، وعمل الصهاينة على جس نبض المقاومة في محيط غزة لمعرفة إمكانية اختراق المدينة إلا أن تواصل صمود المقاومة وتصاعد الضغوط الدولية غير موقف قادة الاحتلال، حيث توصلوا إلى أنه من الأفضل وقف العدوان قبل البدء بالمرحلة الثالثة.
استفادة الصهاينة من حرب لبنان الثانية:
حرص الصهاينة على التعلم من حرب لبنان الثانية، مدركين أنهم أمام حركات مقاومة ذكية تدرك نقاط ضعف جيش الاحتلال، وأهم الدروس التي تعلموها:
1. اعتمد الصهاينة في حرب لبنان الثانية على ردود الأفعال وعلى خطط مرتجلة، بينما حرصوا في حرب غزة على التخطيط والتدريب الجيد لفترة استمرت حوالي العام والنصف قبل العدوان.
2. أدركوا أن الثرثرة أمام وسائل الإعلام، ونقل خلافات قادة الألوية وأعضاء الحكومة للعالم الخارجي كان أحد أسباب إخفاقهم في لبنان، فحرصوا على التكتم الشديد طوال فترة الحرب على غزة.
3. عمل الصهاينة على تعبئة جبهتهم الداخلية (الخاصرة الرخوة للكيان) مسبقاً وتهيئتها لإمكانية وقوع خسائر ناجمة عن ردود المقاومة، وذلك لتفادي ما حصل في حرب لبنان عندما شكلت هذه الجبهة عبئاً ثقيلاً على حكومة الاحتلال.
4. تذرع الصهاينة بأن ضعف التنسيق بين الجيش والاستخبارات العسكرية كان وراء فشلهم بوقف صواريخ حزب الله، لذلك تم تطوير هذا التنسيق، وتمت معالجة المعلومات الاستخبارية خلال العدوان داخل المقر الميداني لقيادة الجبهة الجنوبية، وكان هنالك حرص شديد على التدفق الحر للمعلومات الاستخبارية إلى الجيش.
5. تعلم قادة الكيان أن رفع سقف الأهداف ثم الفشل على تحقيقها سيصيب الصهاينة بالإحباط والشعور بالفشل، لذا حرصوا منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، على وضع أهداف مطاطية غير واضحة وحمالة أوجه؛ مثل "التخفيف من القدرات القتالية لحماس" و"تغيير قواعد اللعبة".
أين أخفق الصهاينة:
بالرغم من التزامهم بتطبيق دروس حرب لبنان الثانية، وبالرغم من تواضع تسليح المقاومة في غزة مقارنة بحزب الله، وبالرغم من مساعدة مصر بحصار المقاومة، وهو ما لم يكن متوفراً في لبنان، إلا أن أداء الصهاينة لم يشهد أي تغير جوهري، وأخفقوا في عدة نواحٍ:
1. راهن الصهاينة على ضعف التأييد الشعبي لحماس، وتفضيل غالبية الفصائل الفلسطينية الابتعاد عن الحركة، وقدروا أن هذا سيعزل حماس بحيث يتخلى عنها الجميع، وتترك لوحدها في الميدان، وما شهدناه هو عكس ذلك، سواء على مستوى الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية، أو على مستوى الفصائل الفلسطينية والأنظمة. واعتبر هذا إخفاقا كبيرا لجهاز الشاباك الذي يبدو أنه ركن إلى التقارير المطمئنة القادمة من عند سلطة دايتون.
2. بالرغم من تكلم تقارير أجهزة الاستخبارات الصهيونية عن تدريبات القسام والدورات التي تلقوها في الخارج، إلا أنهم فشلوا بإدراك حجم التغير في أداء المقاومة، وأنه لم يعد ممكناً استدراج المقاومين إلى أماكن مفتوحة، أو إرباكهم من خلال المناورات العسكرية، وغير ذلك من الحيل.
3. أضاع الصهاينة فرصة المباغتة مرتين، الأولى عندما استهدفوا مقرات الشرطة، بالرغم من أنها ليست جزءاً من الجهاز العسكري للمقاومة، مما أتاح الفرصة للمقاومين أخذ احتياطاتهم، والمرة الثانية عندما تريثوا قبل التحرك برياً مما أعطى فرصة ثانية للمقاومة كي تستعد.
4. كان وقف صواريخ المقاومة هو الهدف المعلن للعدوان، وعندما لم يستطيعوا وقفها، قالوا سنضع معادلة ردع جديدة إلا أن استمرار سقوط الصواريخ حتى اليوم، يدل على فشلهم الذريع من هذه الناحية.
5. أهم أهداف العدوان كان وقف "تهريب السلاح"، حيث استهدفت منطقة الأنفاق برفح والتي تمتد لثلاث كيلومتر فقط، بعشرات الغارات والصواريخ الخارقة للتحصينات، مع ذلك بقيت نسبة كبيرة منها سالمة، وبعضها استمر بالعمل أثناء العدوان، وقدرت الإذاعة الصهيونية بعد يومين من انتهاء الحرب أن80% من الأنفاق دمرت، إلا أنّ اللواء احتياط تسفي فوغل (أحد القادة المشاركين في العدوان) قدر بأنه تم تدمير ما بين 25% و50% من الأنفاق، كما أن العمل في إعادة حفر الأنفاق تم استئنافه فور انتهاء الحرب.
6. الخسائر المحدودة في الجهاز العسكري للمقاومة، وخصوصاً القوة الصاروخية، تدفع للتساؤل عن جدوى إجراءات الصهاينة لتحسين التنسيق الاستخباراتي، خاصة وأنها تسببت بكشف العديد من عملاء الاحتلال وحرقهم، دون أن نرى نتيجة على الإطلاق.
7. بدلاً من تقوية حلفائهم العرب أحرجهم الصهاينة وتسببوا بعزلهم شعبياً ورسمياً، ويمكن اعتبار أن أنظمة الاعتدال العربي هم الخاسر الأكبر من العدوان، ويتوقع أن تكون هنالك تداعيات أكبر وأخطر في المستقبل المنظور على هذه الأنظمة.
8. خسر الصهاينة على صعيد الرأي العام العالمي الشيء الكثير، بما فيه أغلب دول أوروبا الغربية التي تعتبر متعاطفة تقليدياً مع الكيان، والضرر الحاصل لصورة الكيان يصعب إصلاحه إن لم يكن مستحيلاً.