كيف رضيت أن تساهم أنت وأعوانك في تقديم غطاء سياسي للعدو والعدوان من خلال التحريض المستمر على حماس بوصفها عصابات خارجة عن القانون, أو بالربط بينها وبين القاعدة, أو بوصفها بالإمارة الإسلامية الظلامية, أو بوصف المقاومة بأنها عبثية وانتحار ووصفة لإفناء الشعب, أو بتصوير المقاومة بأنها أداة إيرانية لأجندةٍ إيرانية تستهدفك وتستهدف محور الاعتدال العربي من خلال استهدافها لإسرائيل, أو بالإيهام بأن حماس وصواريخها هي التي افتعلت الحرب واستفزت إسرائيل لردَة الفعل؟!
كيف رضيت -قبل ذلك- أن يشاهدك العالم عبر شاشات التلفاز مع أولمرت وهو يؤنبك لأنه لا يليق برجل السلام -الذي هو أنت- أن يلتقي سمير قنطار في لبنان, ثم لم يكن منك إلا هز الرأس مطأطئا نحو الأرض مع ابتسامة باهتة خجول؟! هل يليق هذا بكرامة شعبك وبكرامة الرئيس الذي يفترض أنه يمثّل شعبه؟!
وفي المحصلة: كيف رضيت أن تجهز إسرائيل على صورتك ومصداقية منهجك, حين كانت تهدم مباني غزة على رؤوس أهلها الأبرياء, وقبل ذلك حين أنكرت عليك استحقاقات العملية السلمية التي كان يمكن أن تدعم موقفك وموقعك؟!
نعم.. إسرائيل هي العدو الأوحد.. أيها الرئيس.. وإذْ أرادت أن تدمر المقاومة, فإنها لم تفعل أحسن من تدمير موقفك وموقعك.
ملاحظة: هذه الرسالة موجهة أيضا إلى قواعد فتح التي أطلقت شرارة النضال والكفاح المسلح, وقَدمت من التضحيات والشهداء ما ينبغي أن يكون إرثا هاديا مستمرا حتى تحرير فلسطين.
كلمة إلى حكومات الاعتدال
إن كنتم تخشون التمدد الإيراني في المنطقة حقا, فلماذا تحجمون عن التصريح الواضح بأن صديقتكم الولايات المتحدة هي التي مهدّت لإيران في العراق بغزوها واحتلالها له؟ ولماذا تقاعستم وتتقاعسون عن ملء الفراغات التي تبادر إيران إلى ملئها؟
إن كان التاريخ يعلمنا شيئا, فهو أن التصدي لعدو خارجي معتدٍ تجمعُ الأمة على عداوته, هو الذي يحسم موازين القوى في الجبهة الداخلية. فالطرف الذي يتخاذل أمام عدو الأمة يخسر معركته الداخلية أمام الفريق الذي يأخذ على عاتقه مهمة التصدي للعدو الخارجي ويحقق قدرا من الصمود والنجاح, حتى لو اختلطت عنده غايات المواجهة مع غايات السلطان والنفوذ.
فما كان بوسع عماد الدين زنكي وولده نور الدين أن يوحدا إمارات الشام تدريجا تحت سلطانهما, وأن يزيحا بذلك حكام الإمارات المحليين المتنازعين, لولا النجاح الذي حققاه في مواجهة الفرنج, بعد عصر طويل من الهزائم والتخاذل والتواطؤ والصراعات الداخلية المدمرة على الجانب الإسلامي, وذاك النجاح في المواجهة مع العدو الخارجي الغازي والمحتلّ هو الذي أدى إلى تحشّد الأمة حولهما شرطا لفوزهما في المعركة الداخلية.
وكذلك كان الحال مع صلاح الدين بعدهما. فما كان له أن يفلح في توحيد الشام ومصر إلاْ بالتعبئة المستمرة ضد العدو الخارجي. فكانت العلاقة بين التمكن في الجهة الداخليّة, والتمكن في الجبهة الخارجية علاقة شرطية متبادلة, بحيث يصبّ أحدهما في الآخر.
وفي المقابل كان سقوط الدولة الفاطمية وتفككها الداخلي نتيجة حتمية لعجزها عن صد الغزو الفرنجي إلى جانب عوامل داخلية أُخرى.
والآن ترون أن إيران تتوسّل دعم المقاومة والتصدي للمشروع الصهيوني الأميركي لتمكن لنفسها في الساحة الإقليمية على حسابكم.
لا بأس إذن. فلم لا تبادرون أنتم أولاّ إلى التصدي لعدو الأمة بما تملكون من أسباب القوة المتاحة, وهي موجودة وقائمة, لتقطعوا الطريق على إيران, وتملؤوا الفراغات التي تَرون أنها تتمدد فيها؟
وإن لم يكن في وسعكم أن تتصدّوا بالقوة العسكرية فلا أقل من الإرادة السياسية القوية الموحدة وأسباب القوة الاقتصادية والسياسية ودعم المقاومة, وفي أضعف الإيمان أن ترفضوا الانتظام في البرنامج الأميركي, وأن تقفوا على مسافات متساوية من الأطراف العربية الفلسطينية المحلية المتنازعة, لتتمكنوا من القيام بدوركم في رأب الصدع, وأن تحافظوا على خطاب سياسيّ يعتبر الكيان الصهيوني العدو الأول والنقيض الرئيس لمجمل أمتكم.
إذا كانت إيران تتمددّ في المنطقة, فإن مواقفكم السياسية هذه هي التي تمهد لها الطريق. ما زال الإعلام الموالي لكم يصيح في كل حين: إن حماس تتوجه بالأجندة السورية نظرا لوجود قيادتها في دمشق. وأي بأس في أن تكون في دمشق وهل رضيتم أن تحتضنوها في روحكم أولا إن كان وجودها في دمشق يزعجكم؟! ثم لا يفتأ الإعلام الموالي لكم أن يطعن في مصداقية حماس لأنها تتلقى المعونة من إيران, فهلا بادرتم الى المعونة, وأنتم أحق بها وأولى؟ أم أن الحال هو كما يقول المثل الشعبي: "لا أريد أن أرحمك, ولا أريد أن تأتيك الرحمة من غيري"! ولا يكون البديل المريح عن هذين الخيارين, إلا أن تزول حماس والمقاومة من المعادلة نهائيا!! ولكنها لا تزول. فأين تذهبون؟
وهنا نأتي إلى النصيحة الأخرى. فما زال الخطاب السياسي الإعلامي المعبّر عنكم, يتذرع بالواقعية السياسية. فليكن.. أليس من الواقعية أن تقروا بأن سوريا بلد عربي قائم وهام ولاعب رئيسي في المنطقة, وأنكم لن تستيقظوا في الصباح التالي لتجدوه مختفيا من الخريطة الجغراسياسية العربية وإلاقليمية.
وعليه, فبغض النظر عن خلافكم السياسي معه, أليس من الواقعية والمصلحة العربية المشتركة أن تفتحوا معه الخطوط وتنهوا هذه القطيعة ألتي أخرّت وما زالت تضر مصالح الأمة, وفيها مصالحكم؟
ألا يكمن جوهر السياسة الواقعية في تقدير المنافع والمفاسد وتقديم الأهم على المهّم ودفع الضرر الأكبر بالأصغر؟! كيف يدعونا الخطاب الإعلامي السياسي المحسوب عليكم إلى قبول إسرائيل باعتبارها أمرا واقعا, ثم يحض على القطيعة مع دولة عربية هامة كسوريا مهما تكن المعاذير والتعلات؟! وأين تقديم المصالح في المعيار الشرعي وفي معيار الواقعية السياسية معا؟!
ما لكم.. كيف تحكمون!
كلمة إلى حماس
إذا كان العدوان الصهيوني الوحشي قد أصاب من خصوم المقاومة أكثر مما أصابكم, وأثار ردود فعل شعبية عربية وعالمية تصبُّ في صالح القضية الفلسطينية وتيار المقاومة، وحشد لكم المزيد من التعاون والتأييد, فإننا نتوجه إليكم بنصيحة خالصة صريحة, وملخصها ألا تفضي بكم هذه النتائج إلى حالة من الشعور بالرضا الذاتي والاغترار الفئوي والاستغناء بالذات عن الآخرين, والانفراد بالموقف والرأي, ومن ثم التشدد في التعامل مع الأطراف الأخرى الفلسطينية والعربية, حتى تلك التي خذلتكم ووقفت على الطرف النقيض!!
نعم, أعني السلطة الفلسطينية أيضا, على الرغم من كل ما قلناه في موقفها. ومن جديد نذكر بمبدأ تقديم المنافع على المفاسد, ودفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر, وتقدير المصلحة العليا للشعب الفلسطيني والأمة العربية. وهو مبدأ شرعي, فضلا عن كونه مبدأ هاما في العمل السياسي.
فكما أننا نطالب أطراف "الاعتدال" بالتعالي على خلافاتها الأيديولوجية والسياسية معكم, والتعامل معكم باعتباركم واقعا لا سبيل إلى تجاهله وتهميشه, فإننا نطالبكم بتجاوز جراحاتكم والتعالي على مراراتكم, والتعامل مع معطيات الواقع بما يخدم الغايات العظمى.
فمهما يكن من مواقف السلطة وسلوكها, فإن المصالحة الفلسطينية غاية لا يمكن التضحية بها بغض النظر عن توزيع المسؤوليات في أصل الخصومة والتدابر والقطيعة التي حاول العدو الإسرائيلي ومن وراءه أن ينفذوا من خلالها.
ولا يعقل إطلاقا أن تتأبّد القطيعة لتصل بنا إلى كيانين مستقلين: واحد في غزة وآخر في الضفة, فتلك غاية العدو الإسرائيلي, وهي بمثابة اغتيال للقضية, بل أذهب إلى القول إن الوصول إلى هذا الوضع يعني أن تحقق إسرائيل سياسيا ما عجزت عن تحقيقه بالعدوان الهمجي على غزة. فنكون بذلك قد أودينا بأي نتائج سياسية إيجابية خرجتم بها من هذا الاختبار الكبير.
وكما لا يمكن واقعا تجاهلكم, لا يمكنكم واقعا تجاهل السلطة. اتركوا للشعب والأمة أن تحاكم سلوكها. وإذا كانت قد قدمت خصومتها معكم على خصومتها مع الاحتلال, فلا تنجروا إلى موقف شبيه. إذ تبقى مواجهة العدو الإسرائيلي هي الفيصل الذي تتكيف وفقه أيّ مواقف أخرى, ويبقى الاحتلال هو الضرر الأعظم الذي تدفع به الأضرار الأخرى.
واذكروا أن السلطة تنتمي بصورة رئيسية إلى ما هو أوسع وأهم وأعظم منها, "حركة فتح". ومع ذلك فإن من الخطأ الفادح المطابقة بين السلطة وفتح, وتجاهل أهمية فتح وتاريخها ودورها الرئيسي ماضيا وحاضرا نكاية في السلطة التي تنتمي إليها. إذ نعلم أن الفئة المحدودة في السلطة لم تعمل فقط على تهميش دوركم وإنما عملت أيضا على تهميش شطر هام من قواعد فتح الوطنية المخلصة التي نعتقد أنها ما زالت تفور بروح المقاومة.
فلا تغربوا هذه القواعد بقطع الخطوط والتفرد وتكريس القطيعة والتدابر وتجاهل الضرورات القصوى للمصالحة الوطنية, التي تقتضي منكم المرونة والسعة وتجاوز الروح الفئوية.
وإذا كان هذا يصحّ مع الخصوم السياسيين بحكم الضرورة, فإنه أجدر بالفصائل والقوى السياسية الأخرى ألتي وقفت معكم في خندق واحد أو التي لم تتورط -على الأقل- في الانحياز ضد