بقلم: د. فايز أبو شمالة
لا يكتفي الشعب الفلسطيني بالتطلع إلى نجاح المتحاورين في القاهرة للخروج من حالة الانقسام التي اكتوى بنارها، وإنما يخزن في وجدانه مرارة تجربة ستفرض العقاب والثواب اللاحق، وإعلان الحب والكراهية، والتأييد والنبذ، والالتحام والانفصام، وهذا ما يحتم على أهل الرأي والعقد، وكل المهتمين بالسياسة، والأكاديميين، والمثقفين تدارس تداعيات الانقسام، وتأثيرها المستقبلي على مجمل العمل السياسي الفلسطيني، ولاسيما أن مرارة التجربة الراهنة لها ارتباطاتها مع الماضي، والتي يتفاعل معها العقل بالتساؤل: ماذا قدم الساسة الفلسطينيون لهذا الشعب على مدار التجربة الممتدة لأكثر من أربعين عاماً؟ هل يتكافأ عطاء الشعب وتضحياته مع إنجازه السياسي؟ وإذا كانت نظرية المؤامرة سبباً في كل ما حاق بالشعب من ويلات.
فكيف عاين الساسة الخطر، وكيف عالجوه؟ وإذا كان الساسة الفلسطينيون يسيرون عشرات السنين على النهج السليم، كما يحلو للبعض أن يقول، فأين لذيذ الثمر الذي استقطب الشعب، ولم يجبره على تغيير لونه التنظيمي أكثر من مرة؟ لقد انزاح الشعب بين التنظيمات في رحلة البحث عن الأجدى، وعلى سبيل المثال؛ لقد كانت "جباليا" حضناً للأحزاب، والتنظيمات اليسارية الفلسطينية، وشكل مخيمها رافعة العمل العسكري مطلع سنوات السبعينيات من القرن الماضي، لقد خلعت "جباليا" ومعها كل التجمعات الفلسطينية ثوب اليسار، ولبست الثوب الوطني العام، وأطلقت شرارة الانتفاضة الأولى، وهي تتطلع إلى حرية الأرض والإنسان، وسارت بقدها، وقديدها خلف الطريق التفاوضي، فماذا كانت النتائج؟ وماذا قالت انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة؟ وماذا تقول استطلاعات الرأي بعد الحرب على غزة؟ لماذا يغيّر الشعب الفلسطيني ثوبه، ويكسّر أصنامه، وتموت أمام عينيه تنظيمات صالت وجالت في رحاب قلبه يوماً؟
لا تختلف التحولات التنظيمية داخل المجتمع الفلسطيني عما يدور في الساحة الحزبية الإسرائيلية، ولكن ما يميز المجتمع الإسرائيلي أن حرية التنقل والتموّج بين الأحزاب جزء من حياة المجتمع الذي لا يقدس الأفراد، وإنما يعطي الحصانة للموقف السياسي الذي يمثله الحزب، وعلى سبيل المثال، لم يخن "ديفيد بن جوريون" أول رئيس وزراء إسرائيلي قناعاته وهو يتخلى عن حزبه الذي أقام معه الدولة العبرية، وراح يؤسس حزب "رافي" ليخوض فيه الانتخابات البرلمانية، وعندما اختلف "شارون" مع حزب الليكود، تركه وأسس حزب "كاديما" وقد ترك "حاييم رامون" حزب العمل وقد كان فيه الشخصية الرابعة، لينضم إلى حزب "كاديما" هذا الحراك يطال عشرات الشخصيات السياسية، وهو نتاج الديمقراطية، ومنطلق البحث عن النظام السياسي الأمثل لمن يمثل مصالحهم هذا الحزب أو ذاك.
لا استبعد أن تكون مرارة تجربة الشعب الفلسطيني مع تنظيماته محرك بحث للقاءات، ونقاشات، وهمسات تفتش عن بدائل، وخيارات تجنب الشعب تكرار تجربة الانشطار، والافتراق بين خطين سياسيين، ولاسيما أن استطلاعات الرأي، وقراءة المتغيرات الميدانية، والتحولات الوجدانية بدأت تعطي مؤشرات على نفض الشعب الفلسطيني يده من نظامه السياسي الذي ضاق على طموحه، وعجز عن تحقيق أحلامه، ولم يعد مقدساً. وحتى لا يكون الفشل حليف كل حزب سياسي في طريقه إلى التشكل، لا بد من تضمين برنامجه حق الشعب في المقاومة، وحقه في العودة إلى وطنه كقاسم مشترك يجتمع عليه فلسطينيو الداخل والشتات.