يروى أن أنوشروان حبس بزر جمهر الحكيم – وكان وزيره – ّلما غضب عليه ، حبسه في بيت كالقبر ظلمًة وضيقًا . وجعل الحديد في يديه ورجليه .. وألبسه الخشن من الصوف ..
وأمر أن يكون زاده كل يومٍ قرصين من خبز الشعير اليابس ، وكف ملحٍ ، وشربة ماءٍ لا يزاد عن ذلك ..
وأمر أنوشروان أن تحصى ألفاظه فتنقل إليه.. فأقام بزر جمهر شهورًا لا يسمع له كلمة..
فقال أنوشروان : أدخلوا إليه أصحابه .. ومروهم أن يسألوه ويفاتحوه الكلام ، واسمعوا ما يجري بينهم وعرفونيه ..
فدخل إليه جماعة من المختصين به فقالوا : أيها الحكيم .. نراك في هذا الضيق والحديد والصوف والشدة التي دفعت إليها .. ومع هذا فإنَّ سِحنة وجهك وصحة جسمك على حالهما لم يتغيرا .. فما السبب في ذلك ؟
فقال بزر جمهر : إني عملت طعامًا من ستةِ أخلاط .. آخذ منه كل يومًا شيئًا .. فهو الذي أبقاني على ما ترون ..
قالوا : صِف لنا هذا الطعام .. فعسى أن نبتلى بم ثل بلواك .. أو أحد من إخواننا فنصفه له أو نستعمله ..
قال : الخلط الأول : الثقة بالله تعالى .
الخلط الثاني : علمي بأن كل مقدورٍ كائن .
الخلط الثالث : الصبر خير ما استعمله الممتحن .
الخلط الرابع : إن لم أصبر ، فأي شيءٍ أعمل ؟!
الخلط الخامس : قد يمكن أن أكون في شر مما أنا فيه .
الخلط السادس : من ساعة إلى ساعة فرج ..
فيا أخي !
إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق لما به الصدر الرحيب
وُأوطنت المكاره واطمأنت وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجهًا وقد أعيا بحيلته الأريب
أتاك على ُقنوطٍ منك غوٌث يمن به اللطيف المستجيب
فكلُّ الحادثاتِ وإن تناهت فمقروٌنا بها فرج قريب
وفي الختام أرجو لك أخي وأختي التوفيق والسداد ، وأن يعين الله تعالى آسرنا على ما هم فيه ، وأن يعلي همتهم ويجعلهم مباركين أينما كانوا.