Admin Admin
عدد الرسائل : 1849 عدد نقاط العضو : 4089 تاريخ التسجيل : 08/01/2009
| موضوع: سعيد العتبة أقدم أسير فلسطيني السبت أبريل 21, 2012 6:52 am | |
| سعيد العتبة أقدم أسير فلسطيني إن من عاش تجربة السجن يدرك كم هي طويلة وقاسية لكنه يدرك أنه لا مكان للإستسلام.
وأنا عندما أقف اليوم وأعطي شهادتي هذه وأنظر إلى سبعة وعشرون عاماً من الأسر فإنني أرى صورة كاملة ذات وجهين :
حالة وحشية وسادية وقمع يجسدهما السجان وحالة صمود وبطولة يجسدها الأسير الفلسطيني الذي إستطاع أن يحفظ بقاؤه كإنسان ويصون هويته كمناضل ويواجه هذه الظروف ويحولها إلى مدرسة ثورية حقيقية.
لم تتعبني هذه الرحلة الطويلة مع أن التعب صفة إنسانية وقد أكون مكابراً لو أنكرت ذلك لكن التعب مسألة نسبية فإذا كنت تعبت من السجن فهذا لا يعني أني تعبت من حمل قضيتي وقناعاتي التي قادتني إلى السجن، لا زلت أملك الطاقة لأكمل ، نحن كشعب لا نملك الكثير من الخيارات، المسألة هي أن نكون أو لا نكون، فإما أن تكمل بنفس الروح وإما أن تسقط وتنتهي كإنسان وكقضية.
بهذه الكلمات بدأ (سعيد وجيه سعيد العتبة ) اقدم أسير فلسطيني حديثه بعد 29 عاماً مرت عليه فى الأسر ولا زال يعانى قيد السجان ومرارة الاعتقال .
يرجع سعيد إلى الذكريات ويحاول بعد جهد كبير تذكر تلك الأحداث التى مرت به من بداية اعتقاله قبل 29 عاماً إلى يومنا هذا فيقول ( كنت واحداً من الشبان الذين تفتحت عيونهم على الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 حيث كان عمري ستة عشر عاماً.
كنا طلبة في مدارس نابلس الشرقية حيث كانت بداية تنظيم أعمال المقاومة الشعبية ضد الاحتلال عبر التراشق مع الجيش الإسرائيلي وعبر حركة الفدائيين الناشئة في حينه والتي ارتبط جزء منها بالفصائل الفلسطينية التي بدأ تكوينها بشكل سريع وعلني في الأردن، وسري في الوطن كإنعكاس ورد فعل طبيعي لعدوان 67.
بداية النضال
كان عدوان إسرائيل على قرية السموع جنوب الضفة الفلسطينية في شهر 10 عام 1966 إحدى مؤشرات ومقدمات التحضير لعدوانها الأكبر في 5/6/1967 لإستكمال إحتلال فلسطين وكانت إنعكاسات عدوان السموع، الانتفاضة الشعبية العارمة التي حصلت عام 1966 في شهر 11 في الضفة الغربية التي كانت جزءاً من الأردن في حينها.
وكان سقوط الشهداء والجرحى في أوج الصدام مع الشرطة تتويجاً لأسابيع من الإنتفاضة الشعبية وهم من أبناء جيلي الشهداء: "يوسف الشحروري"، "محمود جرادنة" وـ "الحنبلي" وغيرهم. كل هذا عكس نفسه على أجيال من الشباب الفلسطيني وأنا واحد منهم في هذا المناخ كان إنضمامي للجبهة الديمقراطية.
أخذت في الخارج دورات عسكرية سرية وقمت في هذا الإطار بتنفيذ عمليات تفجيرية وفق ظروف الحرب والصراع وتم تنفيذ عمليات أوقعت خسائر مادية وبشرية وإستمر الأمر إلى حين الإعتقال.
الاعتقال والتحقيق
اعتقلت في 29/7/1977 وأول سجن دخلته للتحقيق كان سجن رام الله بعد الانتهاء من فترت التحقيق نقلت إلى سجن نابلس القديم ومكثت هناك عدة أيام في الزنازين وبعدها دخلت الغرف لأقضي في هذا السجن كل فترة توقيفي إلى حين صدر بحقي حكم المؤبد في شهر حزيران عام 1978.
فترة التحقيق استمرت ثلاثة أسابيع وكانت أساليب التحقيق إجرامية ومتنوعة فهناك أسلوب الشبح وقوفاً وربط اليدين بالكلبشات الحديدية ورفعها للأعلى بمستوى رأس الإنسان تقريباً موصولة بشبك الزنزانة الحديدي وإبقاؤه عدة أيام واقفاً على هذه الحالة و هناك أيضاً الضرب المباشر والشبح على الأرض بطريقة تؤدي في كل مرة إلى الإغماء فيقومون برش الماء على المعتقل ليصحو بالإضافة لأسلوب الضغط على الأعضاء التناسلية أثناء الشبح، هناك أيضاً أسلوب إجبار المعتقل على شرب الماء عنوة وعلى جلوس القرفصاء أو الوقوف بهدف إرهاق الجسد والتأثير على الدماغ والجهاز العصبي والعضلي، كما أن هناك أسلوب ربط الأرجل والضرب عليها بعصي خشبية غليظة بشكل منتظم ومتوال تؤدي بعد عدة ضربات إلى الوخز في الدماغ والرأس مباشرة، هناك أيضاً الضرب باليد عن طريق الكف بشكل محدب أو تركها مستوية والضرب على الرأس بضربات قتالية منتظمة من الجهة الخلفية وبشكل مدروس ووفق معيار طبي معروف، بالإضافة إلى الحرمان من النوم والحرمان من الأكل والشرب وبرغم استصدار المحكمة لقرارات حديثة تحد من إستعمال أساليب التعذيب هذه إلا أن المخابرات الإسرائيلية لا تزال، تحت غطاء الأمن المزعوم، ترتكب تلك الجرائم بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب.
بين السجون
بعد الحكم عليّ إنتقلت إلى سجن بئر السبع وكان السجن آنذاك يعيش حالة إضراب شامل وإمتناع عن الزيارات‘ كنت لا أزال معتقلاً جديداً ومندهشاً من كل ما أشاهده لكن مستعداً لمشاركة رفاقي في أية خطوة يقومون بها‘ بقيت في سجن بئر السبع مدة عام ونصف العام إنتقلت بعده، أي في عام 1980، إلى سجن عسقلان وأذكر أنني قابلت هناك الشهيد عمر القاسم الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة بين الأسرى وكان يعتبر قائداً‘ لقائي به أثر في كثيراً وشعرت بالإعتزاز والزهو لرؤية الشهيد القاسم.
كان سجن عسقلان قد مر بعدة مراحل شكلت محطات هامة في تاريخه منها:
الإضراب عن الطعام عام 70 والذي إستشهد خلاله عبد القادر أبو الفحم، أيضاً إضراب 76 الذي إستمر 45 يوماً وتبعه بعد ذلك إضراب إستمر 20 يوماً.
لقد شكلت هذه الإضرابات محطات نوعية في حياة الأسرى مكنتهم من الحصول على فرشة بدل النوم على الأرض ومكنتهم من تثبيت أمر عدم العمل بالسخرة في مؤسسات الدولة.
في العام 1980 جاء إفتتاح سجن نفحة الصحراوي الذي صمم ليتسع لـ 800 أسير والذي إستهدف عزل قيادات الأسرى وإبعادهم وحصر تأثيرهم ففاجأ الأسرى الإدارة بإضراب بعد شهرين وإستمر الإضراب 34 يوماً مما أدى إلى خلق إنجازات معنوية وإستشهد خلاله علي الجعفري وراسم حلاوة في نفحة وإسحاق مراغة في بئر السبع وأنيس دولة في عسقلان.
مكثت في سجن عسقلان أربع سنوات ونصف، نقلت بعدها إلى سجن جنيد وتنقلت بعدها في سجون مختلفة إلى أن قرّرت إسرائيل، بعد إتفاق القاهرة المستمد من إتفاق أوسلو، نقل الأسرى الذين تبقوا في السجون، وهم فئة مميزة من ذوي الأحكام العالية، إلى سجون الداخل في عسقلان ونفحة والسبع وغيرها وهذا النقل يؤكد على تواصل تعامل السلطات مع الأسرى خارج دائرة القوانين الدولية وإتفاقية جنيف الرابعة فهذا النقل من الأرض المحتلة إلى داخل دولة إسرائيل يمنعه القانون الدولي‘ وإسرائيل عموماً لا تلتزم بإتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بالأسرى وبكيفية معاملتهم داخل السجون مما يجعل الأسرى متأثرين بشكل سريع ومباشر باللحظة السياسية الراهنة ولا شك أن الأوضاع السياسية الأخيرة أثرت بشكل سلبي ومباشر على حياة الأسرى وأدت إلى تراجع وإلى قضم هائل بالمنجزات التي حققوها على مدى سنوات من النضال والتضحيات . حيث قامت إدارة السجون مؤخراً بإجراءات عديدة منها:
- وضع الزجاج العازل في غرفة الزيارة بحيث يمنع الحد الأدنى من التواصل الإنساني المسموح به.
- الغرامات المالية الباهظة التي تفرض على الأسرى والتي يبدو من خلالها أن مديرية السجون قررت تمويل ميزانيتها من جيب الأسرى وعلى حسابهم الشخصي.
- مصادرة مواد التنظيف من الأسرى وإرغامهم على شرائها من الكانتين بمبالغ باهظة.
- الاعتداءات الجسدية على الأسرى وتكرارها في الفترة الأخيرة.
- منع الزيارات بين الأقسام وغرف السجن.
- إغلاق المكتبات التي يعتمدها الأسرى في السجون.
- تقليص النزهة اليومية.
-التفتيشات المكثفة والاستفزازية والإذلالية.
- وقف إدخال الأغراض من الأهل بإستثناء الملابس وبشروط صعبة للغاية.
- مصادرة الحقائب الخاصة بالأسرى وتخريبها.
- التفتيشات الإذلالية للأهل أثناء زيارتهم لأبنائهم
- وضع الصاج المباشر على حدود الأقسام في السجون.
الإضراب .. السلاح الأخير
وبما أن السياق العام للحركة الأسيرة كان دائماً التقدم للأمام ومراكمة الإنجازات لتحقيق شروط إنسانية أفضل تعزز نضال الاسرى كحركة وكأفراد فإننا واثقون من أنه، وبرغم الظرف السياسي السائد، سوف يتصدى الأسرى لهذه الهجمة الإجرامية عليهم وسوف يعملون على تحقيق الشروط الوطنية والملائمة في قلب العمل الإعتقالي.
فكان الإضراب التاريخي الأخير عن الطعام الذى كان بمثابة معركة حقيقية بين الأسير الأعزل من كل شئ إلا كرامته ، وبين السجان المدمج بالحقد وعقليه المحتل الذى يتوهم انه يستطيع أن يستمر فى محاصرة إنجازات الأسرى المعمدة بالدماء ومعاناة السنين ، وتوهم انه قادر على الانتقاص منها ، فالأسير قد يتحمل أن يفقد بعض الإنجازات لبعض الوقت ولكن ان يفقد كرامته وهى أعز ما يملك الإنسان الفلسطيني فذلك لا يمكن السكوت عليه ، فقد وصل الاسرى الى قناعة راسخة ورأى موحد بضرورة الإضراب حتى تتحقق مطالبهم الإنسانية العادلة رغم صعوبة هذا الخيار وجعله أخر الأسلحة التى يلجأ اليها الأسير فى مواجهته اليومية مع السجان .
وما كان من شعبنا المعطاء المجاهد إلا أن اتحد كعادته خلفهم اما لخيم الإعتصام والإضراب المفتوح عن الطعام فى كل أرجاء الوطن ، ولم يقف الأمر هناك بل امتد إلى فلسطين الداخل والى خيم اعتصام داعمة ومساندة للأسرى فى الدول العربية و الأوربية .
فما كانت من سلطات الاحتلال إلا أن دفعت بكل طاقم السجون وقياداته للجلوس مع الاسرى والبحث فى مطالبهم الإنسانية العادلة ، على أمل أن تتحقق تلك المطالب فى القريب العاجل .
وعلى الرغم من انه لا زالت هناك حالة من التعامل السلبى من قبل السلطات الإسرائيلية ممثلة بإدارة السجون مع الاسرى بعد انتهاء الإضراب الأخير عن الطعام ، حيث يأتي هذا السلوك العدائي فى الإطار العام للسياسة الإسرائيلية القائمة على حرمان الاسرى من اى شعور بالنصر وتحقيق الهدف ، فان الاسرى استطاعوا بفضل إضرابهم أن يوقفوا الهجمة المتصاعدة ضدهم ووضعوا حد لاندفاع هذه السياسة العدوانية ، بإعادة العديد من القضايا التى تم سحبها قبل ذلك ولكن يأتي هذا فى سياق السياسة المبرمجة الإسرائيلية القائمة على حرمان الاسرى من الشعور بالانتصار على السجان .
وبين الأمل فى الحرية ، وبين الصبر على قسوة الجلادين ، يبقى الاسيراسيراً ينظر من بين قضبان السجن بشوق إلى غد مشرق وحياة لا يعرف كنهها. | |
|