احذروا أبنائي الطلاب والطالبات شهادة الزور
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
لقد أمر الله عباده المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى، ونهاهم أشد النهي وحذرهم أعظم التحذير عن التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الرسول، فقال عز من قائل: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب".[1]
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عن الغش بكل صوره وأنواعه، في كل الأمور، صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها، ونفَّر منه تنفيراً شديداً، فقال: "من غشنا فليس منا".[2]
من صور الغش التي عمت بها البلوى في هذه الأيام الغش في الامتحانات، والتستر على مقترفيه، وسبب ذلك يرجع إلى قلة اليقين، وجهل ونقص في الدين، وانعدام الحياء الذي هو سمة عباد الله الصالحين.
والغش من الصغار طلاباً وتلاميذ حرام وقبيح، ولكن حرمته تكون أشد وقبحه يتأكد إذا كان على مسمع ومرأى من الكبار، من المعلمين المربين، أو نتيجة إهمال وتقصير في المراقبة، أوبسبب غض الطرف عن مقترفيه، أوالتسامح والتساهل في عقوبة من يمسك متلبساً بذلك، وكذلك يتأكد قبحه وتزداد حرمته من طلاب الجامعات، سيما طلاب الدراسات الشرعية والعربية.
واعلموا أبنائي الكرام، وليعلم أولياؤكم من قبل، أن الشهادة التي ينالها الطالب بسبب الغش والتزوير بأي صورة من الصور هي شهادة زور، وعلى حاملها إثم شاهد الزور، ومن ثم فإن أي وظيفة ينالها أوكسب ومال يحصل عليه نتيجة هذه الشهادة المزورة فهو حرام، وكسبه هذا كسب خبيث، وشهادة الزور من الموبقات الكبائر، بل من أعظمها، فعن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تعدون الكبائر فيكم؟ قلنا: الشرك بالله، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر؛ قال: "هن كبائر، وفيهن عقوبات، ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى؛ قال: شهادة الزور"[3]؛ وقد روي عنه كذلك أنه قال: "عدلت شهادة الزور الإشراك بالله"، ثلاث مرات، ثم تلا: "فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور"[4].
الطالب الذي يغش فقد اقتطع حق غيره من المسلمين، وتزيى بثوبي زور، فإثمه إثم من نال مال غيره بيمين غموس، وهي التي تغمس صاحبها في النار، كما أخبر الصادق المصدوق وهو يعدد الكبائر: "ثم اليمين الغموس؛ قال: وما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرئ مسلم بيمين هو فيها كاذب".
فالغاش خائن ظالم لنفسه، ظالم لإخوانه الطلاب ولأهليهم، ظالم لمجتمعه المسلم، ولذلك أخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من سنته السوية ومن طريقته الحنيفية، وإن بقي على إسلامه، إذ لم يرد الرسول صلى الله عليه وسلم نفي الإسلام عنه.
قال المناوي رحمه الله: (من غش أي خان، والغش استرحال الشيء، "فليس منا" أي من متابعينا؛ قال الطيبي: لم يرد به نفيه عن الإسلام، بل نفي خلقه عن أخلاق المسلمين، أي ليس هو على سنتنا أوطريقتنا في مناصحة الإخوان، كما يقول الإنسان لصاحبه: أنا منك؛ يريد الموافقة والمتابعة؛ قال تعالى عن إبراهيم: "فمن تبعني فإنه مني"، وهذا قاله ـ أي الرسول صلى الله عليه وسلم ـ لما مرَّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فابتلت أصابعه، فقال: ما هذا؟ قال: أصابته السماء ـ أي المطرـ قال: أفلا صببته فوق الطعام ليراه الناس؟).[5]
والغش حرام سواء كان في المواد الشرعية أوغيرها، وكذلك سواء كان الطالب ممتحناً مع طلاب كفار أومسلمين.[center]