هل جربت أن تحيا تحت الأضواء وتكون محل اهتمام وملاحظة مستمرة من الآخرين؟
لا أعني حياة النجومية المغرية للكثيرين, وبريقها الذي يبهرهم ويبعدهم عن تقدير التبعات السلبية التي يسببها مثل هذا النمط من الحياة لمن يحيونه, بل ربما يحرمهم من التمتع بخصوصيتهم ويلقي على كاهلهم مزيداً من الأعباء تقود كثيراً منهم إلى الوقوع في دائرة الاضطرابات والمشاكل النفسية المختلفة..
ما أعنيه شيء آخر, أن يكون الإنسان في أسرته أو محيطه تحت أضواء الاهتمام والمراقبة المكثفة ممن حوله, مع تفهم أن سبب ذلك قد يكون محبتهم له وحرصهم المبالغ فيه عليه ولكن وفق طريقتهم الخاصة..
يريدونه شخصاً مميزاً, ولذا رسموا له صورة ذات ملامح معينة وعليه أن يتمثلها ويطبقها بإتقان حتى يحوز كامل رضاهم, تلك الصورة ترسم له خطاً معيناً, تضبط طريقة تفكيره, ردود أفعاله, تصرفاته, اهتماماته, سلوكه وتطبيقاته في كل مناحي الحياة ..
شيء طيب أن يجد المرء من يهتم به ويحرص عليه وتلك نعمة لا يقدرها إلا من يحرم منها, لكن بشرط ألا ننسى أن لكل إنسان شخصية مستقلة حباها الله صفات وطبيعة خاصة ومن حقه أن يعيش وفق سماته النفسية والفكرية تلك وما تمليه عليه من تصرفات وأسلوب حياة طالما يتسق مع الدين والعرف, وليس لأحد أن يفرض عليه أي إطار مهما تصوره مثاليا, فمن قال أن السعادة هي تحقيق تلك الصورة المثالية وفق معايير الآخرين؟
السعادة أن يكون الإنسان ذاته.. أن يملك الحرية التي تتيح له التصرف وفق أفكاره وقناعاته وبصمته الشخصية الخاصة به, لا أن يكون كمن يؤدي دوراً مفروضاً عليه.. رغم أن الظروف قد تضطره فعلاً إلى القبول ولو مؤقتاً بأداء الدور المرسوم له والتصرف وفق معايير الصورة المطلوبة ولكنه حتماً لن يستطيع القيام بذلك إلى الأبد وإلا خسر نفسه واكتشف بعد فوات الأوان أنه أضاع سنوات حياته ولم يحقق أحلامه.. ولات حين مندم..فالحياة ليست تجربة قابلة للإعادة..
وقد يقع المرء في هذا الفخ ظناً منه أنه البر المطلوب تجاه أهله وأسرته أو أنه لون من مجاراة السياق العام لا بد من الرضوخ له..والحل يكون حسن الفهم وحسن التقدير لكيفية الموازنة بين تحقيق ذاته وبين مراعاة من لهم حق عليه, فمن الخطأ أن يكون برهان محبتنا للآخرين أن نسير وفق رغباتهم, بل عليهم أن يعوا أن لنا شخصياتنا المستقلة وحريتنا الكاملة في الحياة وفق أفكارنا ولا يناقض هذا أبدا احترامنا وحبنا لهم..
إنها حياتك.. إنها قراراتك.. وأنت من سيتحمل تبعاتها.. والخيار بيدك.. فهلا أحسنت استثمارها؟
بقلم
د.غالية (صيدلانية مسلمة)