يعرف الانسحاب رياضياً بأنه ابتعاد الشيء عن مكانه بحيث لا يفقد أياً من خصائصه, بل يخسر مكانه وحسب..
أما في سياق الحياة العامة فالأمر أكثر صعوبة, ذلك أن الطبيعة تعاكس الفراغ وتأباه فلا بد أن يتم ملء أي فراغ بشيء آخر أياً كانت قيمته أو جودته وليس بالضرورة أن يكون مستحقاً لهذا المكان..
والمنسحب في إطار الحياة قد لا يخسر فقط على مستواه الشخصي, بل ربما تسبب في خسارة لمن وما حوله إن لم يتم ملء دوره بمن يقدر على النهوض به بشكل إيجابي..
فهل يحق للمرء أن يؤذي ذاته فضلا عن التسبب بإيذاء الآخرين؟
ولنضرب مثالاً بشخص حاول القيام بدوره في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتذكرة الناس بكل خير, فكان جزاؤه أن تلقى منهم الكثير من الأذى وإثر ذلك انسحب وتوقف عما كان يفعله..
فما النتيجة؟
ربما يستشري الفساد في غيابه ..وربما يحلّ محله رجل آخر يضحّي بنفسه من أجل الدعوة إلى الله فيكسب حسنات يكون صاحبنا الأول قد أضاعها على نفسه..
عندما يرزقك الله موهبة أو يضعك في مجال مؤثر ما فلا تزهد بذلك, بل من واجبك شكر هذه النعمة باستثمارها بخير وجه يرضي الله..
عندما تكون صاحب حق ولك رسالة تقدمها في حياتك فهذا يحتاج منك أن تصمد وتصبر, وإذا ما أصابك الوهن والتعب أعطيت لنفسك فترة من الراحة تكون زاداً لك للجولات القادمة..
الانسحاب يشي بالضعف والسلبية وليس هذا من شيم أصحاب الهمم العالية, فأولئك أهم أسلحتهم الصبر وطول البال والإيجابية البناءة والمرونة في التعامل مع كل ظروف وصعوبات الحياة, فما من هدف كبير إلا وتحوطه معوقات وعقبات كبيرة أيضاً..
الانسحاب هو اختيار للحل الأسهل الذي لا يكلف الكثير من الجهد, والنجاحات في كل مسارات الحياة لا تتحقق ولا تبنى إلا بكثير من الكفاح والبذل..
ربما يكون الانسحاب اتقاء لألم, ولكن ألم مبضع الجراح المؤقت الذي يقود للشفاء لا يقارن بالألم الذي سيهلك البدن إن ترك دون علاج..
لا تنسحبْ..ولكن استرحْ قليلاً لتجدّد نشاطك..
وإذا أصابك ما تكره فأكثر من الدعاء واللجوء إلى الله تعالى, واتخذ كل الأسباب التي تعينك على النهوض بدورك فهذه هي حقيقة التوكل على الله..
وتذكر أن من يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب.
د/ غالية
صيدلانية مسلمة
نبضـــــــــــات قلم
والله لو يمحو الزمان فضائلا
ويبيد من طيب الخصال شمائلا
سأظل وحدي طول عمري ثابتا
لا أرتضي للمكرمات بدائلا