الصبر .. عنـــوان النجـاح فــي الامتحـان الإلهــي

في غَيمة عابرة تحملُ في صفحاتها قسوة الظلم المستشري في زماننا ، وتحملُ معاني الشرّ في سطورها ، وهذا الاستبداد الذي يُحيط المعمورة ، لا بُد وأنْ نتحلى بالصبر ومعانيه .. فهذه الغَيْمة ليست هي الأصل في حياة الناس ، وإنّما هي الاستثناء الذي سيزول بإذن الله .. وما نُشاهده اليوم مِنْ مآسٍ تمر بها الشعوب المستضعفة ، ويُمارَسُ عليها ظلماً غريباً لم نسمع عنه مِن قَبْل ، لا بُد وأنْ يدفعنا هذا كلّه إلى الصبر والذي هو مفتاح فرجنا المنتظر .. فالابتلاءات التي يمر بها أصحاب النفوس المؤمنة لكي يُمتحنوا في حياتهم وآلامهم ومصائبهم ، إمّا أنْ يكونوا من الذين فازوا بالخير في الدّنْيا والآخرة بصبرهم ، وإمّا من الذين خسروا بهذا العظيم بِلجّهِم .. فَصَبْرُنَا على أذى النّاس وكيدهم يجعلنا من الأئمّة الذين يَهْدُون بأمرِ الله ومِنَ الذين يوقنون بآياته ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ صَبْرُنا هو صَخْرتنا التي سَتُفْشِل مؤامرات المتآمرين .. وتُحطّم آمال المتغطرسين .. وتضُج مضاجع المتجبّرين .. هو إقامة صلاتنا وإنفاقنا وهو عُقبى دارنا ﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ ويجب أن تتجسد في حياتنا كلها أيوبيّة الصبْر في ضُرِّنا ومعاناتنا وآهاتنا لكي تتنزل رحمات ربنا .. ويجب أن ندخل المدرسة المحمدية في صبْرنا فهي عنواننا وقبلتنا باتجاه خالقنا ، وأن تتجسد في دنيانا الحركة البِلاَلِيّة والخُبَيْبِيّة وتسكننا معانيها الحقيقية .. صبْرنا هو مددنا الربانيّ بالملائكة المُسَوِّمِين ﴿ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ هو رباطنا ومصابرتنا وفلاحنا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ فعاقبة المتقين وميراث أرض الله لهم ، عنوانه صبر الصابرين واستعانة المؤمنين برب العالمين ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ هو مغفرتنا وأجرنا الكبير وصالحات أعمالنا ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ هو هجرتنا في فتننا وجهادنا ومغفرة ربنا ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ هو فوزنا وجزاء الله لنا ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ هو غرفتنا وفيها تحيتنا وسلامنا ﴿ أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً ﴾ هو استعانتنا بالله وتوكلنا عليه ووقوفه معنا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ الصبر هو عنوان صِدْقنا وقنوتنا وإنفاقنا واستغفارنا في أسحارنا ﴿ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ ﴾ فالصبر هو طعام الجَوْعَى وشراب العَطْشَى .. هو كَسْوة المساكين والفقراء والمذبوحين .. هو دواء آلامهم وآهاتهم وَسَقَمِهِم وهو مِلْح المجروحين المعذّبين .. الصبر مفتاح القلوب العاشقة والتواقة للقاء ربها ، وزَعفران الأرواح وحافظها في الألواح مع النبيّين والصدّيقين .. هو عَنْبَر الأمعاء التي تتضرع جوعاً وَعَطَشاً وهو حُبُّ الله في العلّيّين .. هو غَيْمة شتاءٍ يَصْحَبها دفُ السّماء ، فَتُغرقنا بحنان الله ، وَتُسقينا شراب المتقين نبعه نبع سيد المرسلين .. صبْرنا هو رعدٌ وبرقٌ يَحْرِق كلّ المُجْرمين المتَجبِّرين .. صبْرنا هو زخّات مطرٍ تُنبت حُبّ الله في قلوبنا وأرواحنا وجوارحنا .. صبْرنا هو أكوابنا وأباريقنا وكأسنا المَعِين ، وهو فاكهتنا ولحم طيرنا وحور الْعِين .. هو لؤلؤنا المكنون ، وسِدْرنا المخضود ، وطلْحنا المنْضود ، وظلّنا الممدود ، وماؤنا المسكوب .. وهو رَيْحَاننا وجنّة النّعيم .. به نَنْعَم في أيامنا وليالينا .. وَنَخْطُو خُطَى حبيب الله وسيد العالمين .. فهو عشق الفقراء والمساكين .. وغِطاء مَنْ ملأ قلبه اليقين .. وهو حُبوب المتوجِّعين وسكون المتألِّمين .. فيا ربّ اكتبنا من الصابرين المتيقِّنين بفرجك المبين .. وامنُنْ عليْنا بصبْر سيّدنا مُحمّد وبِلاَل وخُبَيْب وكلّ الصّادقين ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اللهم اكتبنا مع الصابرين
ومن الصابرين

وأدخلنا اللهم يوم القيامة في عليين

اللهم آمين

أثابك المولى خير الجزاء

على الموضوع المبارك

واسكنك فسيح جناته

» الشطارة في الصبر
» قصة الصبر والزوجة المطيعة