[img]
[/img]
في عام 1992 بدت الانتفاضة الأولى التي تفجرت في الضفة الغربية وقطاع غزة وكأنها تلفظ أنفاسها بعد خمسة أعوام من انطلاقها، وساد الشارع يومها تباين شديد في آراء القوى الفلسطينية التي انخرط بعضها في مسيرة سلام انطلقت في مدريد وأصر بعضها الآخر على مواصلة المقاومة بمن حضر وبما حضر.
عشية الذكرى الخامسة للانتفاضة أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لـحركة حماس خطف جندي إسرائيلي.
لم تكن كتائب القسام آنذاك أكثر من مجموعات صغيرة تعمل منفصلة في مناطق متفرقة من الضفة والقطاع، ولم تكن حماس سوى حركة وليدة متهمة بالتواطؤ مع الاحتلال لضرب الحركة الوطنية الفلسطينية بقيادة حركة فتح.
صمتت إسرائيل قليلا قبل أن توزع حماس على الإعلام بطاقة هوية شرطي في قوات حرس الحدود يدعى نسيم توليدانو، وطالبت بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاقه.
يومها بدت تل أبيب كمن أصابه مس من الجنون، فقد وقف رئيس الوزراء آنذاك إسحق رابين ليعيد طرح السؤال الوجودي من على منصة الكنيست أن "لا أحمد ياسين ولا أحمد جبريل ولا جورج حبش يستطيعون إخراجنا من هذه الأرض.. لقد جئنا لنبقى".
رفض رابين التفاوض مع من اعتبرهم على الدوام "إرهابيين" أيا كانت مسميات فصائلهم، وفي اليوم التالي كان أربعمائة من قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي قد أبعدوا إلى منطقة مرج الزهور الخالية جنوب لبنان.
بدت الضربة قاصمة للحركة الإسلامية غير أن مبعدي مرج الزهور انغرسوا في المنطقة وأعلنوا إصرارهم على العودة. وبعد عام تقريبا اضطر رابين لإعادتهم بعد أن قدمهم للعالم قادة جددا، يومها سمع الناس عن الناطق باسم المبعدين الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وعن نائبه المكلف بالتعامل مع الإعلام الغربي الدكتور عزيز دويك، وعن محمود الزهار وغيرهم كان الإبعاد بمثابة رافعة لحماس، إذ قدم الحركة بوصفها أكثر من مجرد فصيل جديد.
وعلى مدى أعوام تالية واصلت حماس صعودها رغم سلسلة من الضربات الأمنية كان أشدها عام 1996 عندما ردت الحركة على اغتيال القائد العسكري في كتائب القسام يحيى عياش بسلسلة عمليات فدائية أودت بحياة نحو مائة إسرائيلي، يومها تداعى العالم لمواجهة "الإرهاب" ولم يكن هذا الإرهاب سوى حماس.
ميلاد جديد
خفت صوت حماس العسكري ومعه صوتها السياسي لأعوام بعد حملات قمع واعتقالات واسعة في صفوفها، ولم تخرج الحركة من جديد إلا بعد تفجر الانتفاضة الثانية عام 2001، إذ بدت تلك الانتفاضة ميلادا جديدا لحماس.
وسائل الحركة وأساليبها التي أدانها منافسوها في الشارع الفلسطيني بدت هي الأساس وقاعدة العمل الوطني، وصارت العمليات الفدائية نشاطا يوميا تشارك فيه جميع الفصائل.
في عام 2006 اختطف مقاتلو حماس جنديا آخر عرف العالم أنه يدعى جلعاد شاليط. وقد اختطف من موقعه القريب من قطاع غزة ونقل إلى داخل القطاع، وعرضت الحركة مبادلته بأسرى في سجون الاحتلال.
ظلت قضية شاليط وصواريخ الفصائل الفلسطينية عنوانين بارزين للمواجهة بين حماس وتل أبيب، غير أن رئيس الوزراء الحالي إيهود أولمرت لم يستطع أن يفعل فعل سلفه رابين.
فقد بات دخول مناطق الفلسطينيين مكلفا ولم يعد الوصول لقادة حماس المتحصنين بالقطاع ممكنا دون اللجوء لحرب كاملة تشارك فيها أسلحة الجو والبحر والبر والمدرعات، ولم يعد اعتقال نشطاء حماس وقادتها سهلا كما كان من قبل.
فحماس بين عمليتي الاختطاف صعدت بقوة، وكان مسار الصعود وعرا. غير أن بين مرج الزهور وخطاب المظلومية وحده وبين غزة وخطابي المظلومية والمقاومة حتى آخر طلقة مسافة فاصلة، مسافة تحكي كيف تحول التنظيم الصغير إلى حركة جماهيرية تسيطر على مساحة من الأرض وتدير شؤون مليون ونصف مليون، وتملك جيشا صغيرا مدربا على حروب العصابات.
جيش حماس وما يخفي لا يقارن بجيش إسرائيل وما تظهر، لكن الأخيرة قلقة من اضمحلال الفجوة الفاصلة بين الجانبين، ولهذا كانت حرب غزة خيار شمشمون كما يعتقد البعض، لكن دروس المواجهة بين الجانبين لا تظهر أن تلك الحرب هي آخر الحروب بينهما.
الجزيرة