محمود الفطافطة
ما هو واقع ميدان المعركة في قطاع غزة؟،وهل حققت إسرائيل أهداف تذكر لغاية الآن؟،وهل تسير الأمور كيفما يشاء "مثلث القتل "(ليفني وباراك واولمرت)؟،ولماذا تتراجع إسرائيل شيئاً فشيئاً في تصريحات قادتها حول مضامين ومحددات أهداف هذا العدوان؟.وهل فعلاً إسرائيل تتخبط في تعريف محدد للنصر أو تحديد رؤية واضحة للأهداف المراد تحقيقها؟. وهل لا تزال لإسرائيل متسع من الوقت في استمرارها في هذه الحرب الملعونة؟. وكذلك لماذا لا تستطيع هذه الدولة المارقة لغاية الآن حسم المعركة جوياً وبرياً؟. ما الذي يعيقها ،هل قلة في العتاد والعدد؟ أم تخبط في الأهداف،أم جدل وصراع حاد بين أشخاص هذا المثلث الدموي؟.. وأيضاً إلى أي مدى تستطيع إسرائيل أن تستمر في هذه المقامرة الفظيعة؟. وأخيراً ما هي التوقعات التي قد تنجم عن هذه الحرب على سكان قطاع غزة...
ربما تكون هذه الأسئلة غيض من فيض مما يجول من أسئلة وطروحات في ذهن الكثيرين من أبناء هذا العالم،خاصة لدى الأطراف المباشرة في هذا الصراع، الذي يبدو أنه سيطول طالما إسرائيل تريد الاستعاضة بتحقيق أهدافها بقتل مزيداً من الأطفال والشيوخ والنساء. فإسرائيل ومنذ بداية الصراع المباشر مع حركة حماس،خاصة خلال الانتفاضة الأولى من عام 1987 وهي تريد لهذه الحركة أن تضعف أو تُدجن،إن لم يكن الأمر متاحاً لها لإزالتها عن خريطة المشهد الفلسطيني المقاوم .
وبعيداً عن حيثيات ومسارات المواجهة والاصطدام بين إسرائيل وحماس،فإن الحركة تعمقت جذورها في المشهد الاجتماعي والثوري في البنية الفلسطينية،وأصبح لها الكثير من المؤيدين والمناصرين، بينما عجزت إسرائيل عن تحقيق هدفها وهو محاصرة هذه الحركة أو إضعافها سواء بقدراتها الذاتية أو من خلال أطراف أخرى. ويوماً بعد آخر أصبحت هذه الحركة بالنسبة لإسرائيل بمثابة الطوفان الذي لا تقدر على منعه،كما أن إتباعها أساليب وخطط للالتفاف على إجهاض هذا الطوفان لم تعد ناجعة أو مثمرة،وبالتالي أصبحت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في حالة تخبط وضعف إزاء التغلب على هذا المولود الجديد الذي أخذ يثير من الزوابع والقلاقل ما لا تحتمله إسرائيل ولا أمنها أو طروحاتها المستقبلية.
وقطعاً للإسهاب،فإن الكثير من التراكمات منذ نشوء حركة حماس،مروراً بالتحول الكبير في خريطتها السياسية والتنظيمية،المتمثلة في اقتحامها الحقل الانتخابي والفوز بنسبة عالية،أهلها لتشكيل الحكومة،وما جرى بعد ذلك من خلافات حادة وصراع دموي بينها وحركة فتح،سيما بعد ما أقدمت عليه من حسم عسكري في القطاع ،علاوة على ما تعرضت له وقطاع غزة من حصار إسرائيلي مشدد،صاحبه تهدئة هشة لا تقوى على ردع صواريخ الاباتشي وقذائف الدبابات التي كانت تحيط بالقطاع كما يحيط المعصم حول اليد. كل ذلك،إلى جانب الانحياز الأميركي لإسرائيل والتواطؤ الأوروبي،والصمت العالمي والعجز العربي ساهم،وبصورة كبيرة في اقتراب لحظة الانفجار التي صُب على فتيل وقودها كثير من الظلم لأبناء قطاع غزة،خاصة الحصار الشامل الذي سبب هلاكاً شبه مطلق لكل مكونات وتفاصيل الحياة الإنسانية.
وإزاء تأكد إسرائيل أن التهدئة لم تكن سوى"استراحة محارب" لحماس،ولقوى المقاومة الأخرى،فقد خططت منذ زمن أن مثل هذه التهدئة لن تتواصل،وأن عليها الاستعداد التام للمواجهة المباشرة،بغية الإطاحة بحركة حماس وتغيير الواقع كما صرحت ليفني. ومن هنا انتهت التهدئة ولفظت أنفاسها لتبدأ الدماء تجري بحوراً في القطاع. إنها دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ. هذا هو الميدان التي أرادت له إسرائيل أن يكون أحمراً بالدم، وأسوداً بالظلم. وبدأت الحرب الملعونة على قطاع غزة لتجعل منه وكأن زلزال مريع ضرب كل مناحي الحياة البشرية والمادية في هذه البقعة الجغرافية الضيقة من أرض فلسطين،والتي لا تتجاوز مساحتها 1% من مساحة فلسطين التاريخية.
ورغم أن عدوان الدولة المارقة على القطاع دخل الأسبوع الرابع إلا أن إسرائيل لم تحقق شيئاً من أهدافها المعلنة والمستترة.ولم تحقق لغاية الآن سوى قتل المزيد من الأبرياء وتدمير مساحات شاسعة من مناطق القطاع المختلفة. هذا الأمر يوصلنا إلى ماهية الأهداف التي تريد إسرائيل تحقيقها من هذا العدوان. بداية،يمكن القول أن إسرائيل تخبطت منذ البدء في تحديد مفهوم أو إطار واضح ومحدد لطبيعة أهدافها تلك. فبعد أن سمعنا أنها تريد الإطاحة بحكومة حماس وتغيير الواقع في القطاع،أصبحنا نسمع أنها تريد إضعاف الحركة،ومن ثم بدأت تصريحات إسرائيلية تُطلق كنهها أن الهدف منع إطلاق الصواريخ،لنسمع خطاباً جديداً متمثلاً في تدمير الأنفاق ومنع تهريب الأسلحة إلى القطاع. هذه هي البانوراما التي سمعناها بخصوص الأهداف . ولكن هنالك أهداف أخرى لهذه الحرب اللعينة، أهمها محاولة تصفية القضية الفلسطينية من خلال إجبار مصر على تسلمها القطاع إداريا في مقابل تسلم الأردن الضفة،وبالتالي تصفية القضية سياسياً.
هدف آخر، تسعى إسرائيل لتحقيقه من هذا العدوان. هذا الهدف يتمثل في محاولة الدولة العبرية استرداد ما منيت به من هزيمة ساحقة على يد حزب الله في حرب تموز من عام 2006.فاولمرت التي كادت هذه الحرب أن تطيح به،بعد أن أطاحت بوزير الجيش عمير بيرتس ورئيس هيئة الأركان دان حالوتس يريد تعويض تلك الهزيمة الشخصية،وبالتالي لا يريد أن ينصرف من رئاسة الحكومة وهو يجر هزيمتين في رقبته.أما الشخصين الباقين ،وهما ليفني وزيرة الخارجية ووزير الجيش باراك فإنهما يتسابقان مع نيتانياهو نحو بورصة الدم التي غُذيت بدم الفلسطينيين والمجازر المهولة التي لم يشهدها شعب قط في الوجود إذا ما حسبنا طبيعة الجغرافيا والعدد الديمغرافي للقطاع ،إلى جانب ما يهوي على أبناء غزة من أسلحة لا حصر لأشكالها وفي معظمها محرمة دولياً. وقد أصبحت نتيجة الحرب هي المحدد الرئيس لمستقبل هاذين الشخصين المجرمين،وبالتالي شنوا الحرب كصفقة ملعونة ستكون خاسرة إن شاء الله،ولن يمنوا سوى لعنة التاريخ واللحاق بشارون الذي يذيقه المولى لعنة تقشعر الأبدان عند وصفها.
وكذلك،أرى أن من أهم الأهداف التي تسعى دولة إسرائيل إلى تحقيقها من وراء هذا العدوان البغيض استرداد ما فقدته من عقيدتها الصهيونية. هذه العقيدة الاحتلالية،الاحلالية تقوم على مرتكزات ثلاثة،هي: العنصر البشري،والمالي،والعسكري. فالعنصر الأول أصبحت إسرائيل تعاني منه عبر تفشي الهجرة المعاكسة،ونضوب القادمين إليها لاستيطان أرض ليست لهم.أما العنصر المالي فإسرائيل تواجه أزمات مالية واقتصادية خانقة،سيما بعد الأزمة المالية العالمية التي تعصف بالعالم،وغطيت أخبارها نتيجة للحرب على غزة. ويبقى العنصر الثالث وهو الذي أثبت فشله في تحقيق الحلم الصهيوني في إقامة " إسرائيل الكبرى" الممتدة من أرض النيل إلى أرض النخيل(أي من مصر إلى العراق). هذا الحلم تكسر على صخرة مقاومة حزب الله في عام 2000 عبر هروب جيش إسرائيل من الجنوب اللبناني ومن ثم هزيمته في 2006. وكذلك عبر هروب إسرائيل من غزة في عام 2005، وهزيمتها التي تلوح بشائرها في عام 2009 على يد المقاومة الفلسطينية الباسلة.
وفي ظل الواقع التي عجزت إسرائيل عن تحقيق أي هدف لغاية الآن،فإنها تتخبط في تحديد أهدافها،بل قل عاجزة عن تحقيق هذه الأهداف،وهذا هو الدليل على تراجعها يوماً بعد آخر في تصريحاتها بشأن تلك الأهداف.فلا هدف محدد لها،ولا رؤية واضحة لحربها. كل ذلك يجبرها،قريباً على إنهاء حربها لأن كل يوم يمر دون تحقيق شيء يقرب هزيمتها ويحقق كسرها. أما بخصوص العجز في تحقيق أي شيء،فإن المقاومة وما استعدت له لمثل هذا اليوم،إلى جانب تماسكها والإرادة التي تحملها ساهم في هذا العجز. يضاف إلى ذلك الجدل الداخلي في إسرائيل سواء في القيادة السياسية أو العسكرية أو الإعلامية أوالمجتمعية .فالسياسيون مختلفون في مسار الحرب،وإن اتفقوا على استمراريتها. أما العسكريون فالأمر يسير على ذلك المنوال. وبخصوص القطاع الإعلامي والمجتمعي فقد أصبحت تخرج أصوات تنادي بإنهاء الحرب مخافة المزيد من الخسائر في صفوف الإسرائيليين،وأن مواصلة هذه الحرب على تلك الشاكلة ما هي إلا إفلاس دون نتائج محققة.
ويبقى أن نتطرق إلى أبعاد هذا العدوان ،والتي سنفرد لها حديثاً آخر،مع التأكيد أن هذه الأبعاد ستكون كبيرة جداً،ليس في واقع الساحة الفلسطينية والإسرائيلية،وإنما على المستوى العربي والإقليمي وكذلك الدولي. ووفق نتائج هذه الحرب ستتبلور تلك الأبعاد والسيناريوهات المنبثقة منها.