منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة،والمحللين السياسيين والعسكريين،وبمختلف جنسياتهم ومشاربهم يستشرفون ما ستؤول إليه الأوضاع في قطاع غزة جراء حرب إسرائيل المجنونة. ويطرحون جملة تساؤلات مثل:هل إسرائيل ستقوم بحرب برية؟ وفي حال حدوثها ما هي المآلات لذلك؟ وأيضاً ما الذي ينتصر في النهاية،هل الدبلوماسية أم القذيفة؟ وغيرها من التساؤلات المشروعة.
في البداية نود التطرق إلى مجمل السيناريوهات التي ذكرت خلال الأيام الماضية. إحداها أن إسرائيل ستشن حرب برية واسعة النطاق على مجمل القطاع،لأن الحرب الجوية،و مهما كانت مكلفة للفلسطينيين وضحاياها جسيمة إلا أنها لن تحسم المعركة أو تحقق الهدف الأساس من العدوان وهو إنهاء حكم حماس في القطاع.وهنالك من يرى أن إسرائيل ستبقي على ضرباتها الجوية حتى تضعف كل ما يتصل بالأرض،ومن ثم تقوم بشن معركة برية محدودة النطاق،ربما تكون على نطاق جغرافي لا يتجاوز 2 كم،وذلك من أجل "تبييضها" من قوى المقاومة والحد قدر الإمكان من إطلاق الصواريخ.
والى جانب ذلك نجد من يرى أن إسرائيل لن تقوم بحرب برية شاملة،لأن ذلك سيكلفها ثمن كبير في الأرواح والمعدات،ولأن مثل هذا السيناريو قد يكون مغامرة مجنونة ولن تحقق أهدافها،ويدللون على ذلك ما جرى في حرب لبنان من عام 2006.
وأيضاً نجد من يطرح سيناريو آخر يتمثل في احتمال انتهاج إسرائيل لضربات جوية محددة وحاسمة،هدفها الرئيس القضاء على قيادات عسكرية وسياسية من حركة حماس والجهاد الإسلامي وفصائل المقاومة الأخرى.وفي ظل فراغ الساحة قد تجلب إسرائيل،وعن بعد قيادات من فتح أو مجموعات تابعة لها للقيام بمهمة تسيير الأمور، مع الدعم المتواصل والقوي لها.
وهنالك سيناريو رابع في هذا الإطار يتمثل في إبقاء إسرائيل على ضرباتها الجوية،ولكن بشكل مختلف. أي ديمومتها ولكن بصورة منقطعة ومكثفة لتبقي القطاع،وتحديداً قوته السياسية والعسكرية في حالة هروب دائم،دون أن يستطيعوا بالقيام بمسؤولياتهم المختلفة. ومن حلقات هذا السيناريو كذلك إحكام الحصار والعزلة المفروضين أساساً على القطاع،مع انتهاج أسلوب الردع المطلق لكل من يتجرأ على تقديم المساعدات للقطاع. وفي هذه الحالة تسوء حالة القطاع أكثر فأكثر . أصحاب هذا السيناريو يرون أن "وجبة" جديدة من العزل والحصار قد تؤدي إلى تأليب سكان غزة على حماس أو خلق فوضى عامة في ظل شلل حكومة حماس من تصريف أعمالها أو ضبط واقع القطاع وشؤونه.
سيناريو خامس وهو تدخل المجتمع الدولي بشكل أفضل مما هو عليه الآن،وإنهاء الحرب . هذا يتوقف على عدة عوامل،أهمها: الموقف العربي، وطبيعة المعركة،ففي الوقت الذي ترى فيه إسرائيل وضعها يهتز وأصبحت مقاليد الأمور منفلتة منها فإنها ستضطر لوقف العدوان. هذا ما رأيناه في حرب لبنان،فعندما وجدت إسرائيل حالتها العسكرية تتراجع فقد أجبرت على وقف إطلاق النار.
وهنالك سيناريو سادس يتطرق إليه البعض وهو "سيناريو حرب تموز 2006" في لبنان. أي أن يتوقف العدوان الإسرائيلي ويقوم العرب وغيرهم بتعمير غزة،مع جلب قوات دولية على حدود "الطرفين المتصارعين". هذا يتوقف في الأساس على طبيعة المعركة. فإذا صمدت حماس وخرجت إسرائيل بهزيمة فإن هذا إمكانية جلب قوات دولية لن تتحقق.هذه السيناريوهات هي الأساسية والتي يتم التحدث عنها بشكل واسع خلال هذه الأيام. ولكن يبقى القول هو أن تحقيق أحد هذه السيناريوهات يتوقف كلياً حول "طبيعة ومسار" المواجهة. للطرفين سيناريوهات،ونتائج المعركة كما يقال هي دوماً التي تحدد "السيناريو المنتصر".
أعتقد أن إسرائيل لن تقدم على الاجتياح الشامل للقطاع،لأن ذلك سيكلفها كثيراً،ولا تود العودة إليه مرة ثانية. كما أن دخولها الكامل سيفقدها كثيراً من مقومات المنعة والمواجهة والهجوم، وبالتالي سيعرضها إلى مزيد من التراجع والانهيار...وبالتالي فإن مشهد حرب تموز ما زالت حية... ستقف الحرب حتماً وقد يكون الغلبة لحماس ولكن فإن النتائج ستكون باهظة.مزيداً من الفقر وتشديد الحصار والجوع والمرض... أو ربما في الجانب الآخر ستلعب الدبلوماسية دورها ونجد "صفقة عامة" تتراخى فيها الأوضاع دون أن تنتهي جراحها ،انتظاراً لوجبة جديدة من الصراع والمواجهة .
رئيس تحرير جريدة المنتدى
مدير مركز الشرف للصحافة والبحوث