هناك على مفترق الطرقات انتشرت الشرطة الفلسطينية بزيها الرسمي وغالبية عناصرها ملتحون، ويضبطون الأمن بشكل جعل المواطن بغزة يتساءل: كيف يمكن لهؤلاء ضبط الأمن وقد دمرت مقراتهم وقتل من عناصر الأمن في يوم واحد 230 شرطيًا وضابطًا، وأسقطت الطائرات الصهيونية – بحسب ما اعترف الصهاينة - على مقرات الشرطة بغزة ما يزيد على 100 طن من المتفجرات في خمس دقائق في الساعة الحادية عشرة وخمس وعشرون دقيقة من يوم السبت السابع والعشرين من ديسمبر، والتي بدأت فيها أشرس هجمة على قطاع غزة عبر التاريخ المعاصر.
لكن الغريب في الأمر هو أن هذه الشرطة رغم هذه العقبات تمكنت من ممارسة أعمالها وفي ظروف تعد أسطورية وربما في مثل هذه الظروف لن تعمل أية أجهزة أمنية في العالم، ناهيك عن الضربة القاصمة التي تعرضت لها وزارة الداخلية باغتيال أعلى مسئول فيهاوهو وزير الداخلية سعيد صيام، الذي وضع الخطوط العريضة للأجهزة الأمنية وعلى أسس تساهم في الدفاع عن المقدسات وحماية ظهر المقاومة الفلسطينية وملاحقة جميع المتربصين بكل برنامج المقاومة.
صعوبة الاتصال
حاولنا خلال الحرب الاتصال بقادة الأمن الداخلي أو الناطق الإعلامي باسم وزارة الداخلية لمعرفة الإجابة على هذه الأسئلة المحيرة حول كيفية تمكنهم من ضبط الجبهة الداخلية في مثل هذه الظروف، كان الأمر صعبًا للغاية والحس الأمني يختلف تمامًا، ولكن بعد أن وضعت الحرب أوزارها تحدث الناطق الإعلامي باسم وزارة الداخلية المهندس إيهاب الغصين لــ " مفكرة الإسلام " عن جهود وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية التي عملت طيلة فترة الحرب وبشكل تعجيزي بلا مقرات أمنية وتحت نيران الطائرات الصهيونية.
لعل أبرز الكلمات التي استهل بها الغصين حديثه هي: الشرطة الفلسطينية بغزة تتحرك من قلب عزيمة وإرادة صلبة لا من أبنية وحجارة، في إشارة إلى المقرات التي دمرتها الطائرات الصهيونية.
وقال الغصين: لقد كانت وزارة الداخلية ضمن دائرة الاستهداف وسقط من أبناء الشرطة الفلسطينية 250 شرطيًا سقط منهم 230 في اليوم الأول للحرب وبالرغم من ذلك اجتمع الشهيد بإذن الله الأستاذ سعيد صيام وزير الداخلية مع قادة الأمن وتم وضع خطة للطوارئ ووضع هيكلية للتعامل مع الأزمة، وعملت الوزارة وفق هذه الخطة بالكامل.
وعن الإنجازات التي حققتها وزارة الداخلية خلال الحرب أوضح الغصين أن الشرطة كانت بين الشعب ولكن بلباس مدني، وذلك تحسبًا من الاستهداف المتواصل، وتشكلت وحدة مكافحة الاحتكار لمواجهة التجار المحتكرين والذين كان من الممكن أن يقوموا باستغلال حالة الحرب ويقوموا باحتكار البضائع نظرًا لحاجة الشعب الماسة لها وعدم توافرها بسبب الحرب.
وأضاف: كان هناك متابعات أمنية للشرطة وملاحقة لتجار المخدرات، كما كان هناك حماية للمقرات الأمنية والحكومية التي تم قصفها من عمليات السلب أو النهب المتوقعة جراء غياب قوات الأمن الفلسطيني من شوارع غزة كما يظن البعض.
عمل هندسة المتفجرات
ولا شك أن الطائرات الصهيونية كانت تطلق صواريخ في بعض الأحيان كان بعضها لا ينفجر، كما كانت القوات الصهيونية تلقي العديد من الأجسام المشبوهة، وفي هذا السياق أكد الناطق الإعلامي باسم وزارة الداخلية أن وحدة هندسة المتفجرات تابعت العديد من هذه القضايا من أجل حماية المواطن الذي تعرض لحملة شرسة من الصعب وصفها.
الأمن الداخلي حمى ظهر المقاومة
ولكن برز عمل وزارة الداخلية بشكل منقطع النظير عندما تحرك جهاز الأمن الداخلي ضد الطابور الخامس وتحرك بشكل صارم وحاد تجاه الجواسيس والعملاء وكل من كان ينتظر هزيمة أبناء شعبنا الفلسطيني المجاهد؛ حيث أكد الغصين أن جهاز الأمن الداخلي خلال فترة الحرب الضروس اعتقل العديد من العملاء وقام باحتجاز العديد منهم في أماكن آمنة، مشددًا على أن هؤلاء سيحاكمون فور توفر الظروف الملائمة.
الشهيد صيام وضع خطة محكمة
ولكن ثمة سؤال يطرح نفسه: مقرات أمنية ضربت ثم تم اغتيال أعلى مسئول فيها والمتمثل في وزير الداخلية سعيد صيام... فهل تمكنت وزارة الداخلية من امتصاص هذه الضربات جميعها؟.
عن الوزير سعيد صيام رحمه الله تحدث الغصين بشكل يؤكد أن صيام فعلاً وضع الخطوط العريضة لعمل وزارة الداخلية على أسس تخدم المقاومة وتنقي الصف الفلسطيني من الشوائب والدسائس؛ حيث إن صيام – رحمه الله – وضع أسس البنيان الذي قامت عليه وزارة الداخلية، واستطاعت وزارة الداخلية بفضل جهود صيام الإدارية وتصويباته الفذة من القيام بمهامها على أتم وجه، بل كان الوزير الشهيد بإذن الله سعيد صيام يتحرك ويجري لقاءات أمنية في خضم الحرب ويلتقي مع قادة الأجهزة الأمنية ويضع النقاط على الحروف حتى آخر دقيقة بقيها على قيد الحياة في غزة، على حد قوله .
الشرطة مستمرة في عملها
وأكد الغصين أن الوزارة والشرطة مستمرة في عملها حتى بعد استشهاد سعيد صيام، فهو قد وضع الأسس للعمل ولابد من الاستمرار على هذا النهج، معربًا عن ثقته بالله سبحانه وتعالى في تحقيق الأمن والاستقرار للمواطن الفلسطيني بإذن الله سبحانه وتعالى.
وأنهى الغصين حديثه بأن الشرطة الفلسطينية ستمارس عملها في أحلك الظروف وضربات الاحتلال لن تزيدنا إلا صلابة وقوة ولن تفت من عزيمتنا، على حد قوله.