بقلم: د. منصورالخريجي
إنّ الإنسان لا يستطيع أن يكون فارساً متمكّناً دون أن يركب جواداً, ولو قرأ مئات المجلدات عن الفروسية, فأبْعِدْ حركات القلق والمزاج السيئ عن حياتك, ولا تُظهر العيوب، ولا تخف المرض أو يوم الغد, واطرد الشك من نفسك فإنّك تحرز التقدّم.
إنّنا حين نُعجب بحديقة لا يمنعنا هذا الإعجاب من أن نعلم أن الأعشاب الضارّة نابتة في كل مكان منها, ولكننا نقتلعها بدلاً من أن نتركها تنمو.
والحياة مكوّنة من تجارب متتابعة، يجب أن يخرج منها المرء منتصراً، وإن ثباتك وإيمانك وحبك تكون كلها عرضة للاختبار في كل لحظة, فإذا استسلمت لليأس فإنك لم تتعلم شيئاً, لتكن كل تجربة يومية مجالاً للاعتبار والخبرة, واعتبرها درساً تستفيد منه, وبهذا تصبح قوياً متسلّحاً بسلاح النور في سبيل اكتساب السعادة.
فكّر بالسرور والحب والصحة والغنى والسلام, فإنه يولّد فيك موجات واهتزازات حسنة, ويجذب إليك كل ما يوافق هذا المنهج الساطع، فإذا سيطرتْ عليك أفكار المرض وخمود الهمة فإنك لا تبني جداراً بينك وبين السعادة والنجاح، بل تجذب إليك المصائب فكن إيجابياً في تفكيرك.
تخيَّلْ عالمك الداخلي كحقل تنبت فيه كل فكرة من أفكارك مهما كانت، راقب العواطف والأفكار التي تعتلج في نفسك, وتساءل ماهي الثمرة التي تعطيها هذه الفكرة؟ فإذا كانت الثمار من النوع الذي لا تريد اقتطافه فما عليك إلا أن تنتزع البذرة الصغيرة دون خوف وأن تضع مكانها بذرة صالحة، إنّ إصراراً منك سيحوّل ذلك القفر المليء بالعوسج إلى حديقة بديعة زاهرة.
فكر إيجابياً وقل لن أخاف شيئاً، فالروح في داخلي متيقضة, ولي ملْء الأمل, واحذف من نفسك كل فكرة تمتُّ إلى الخوف بصلة.
لا تعتقد أن مرضك مزمن، وأن آلامك لا تنقطع أبداً، ولْتعلم أن كل شيء في هذا العالم يتجدّد, إنّك تستطيع بعد توفيق الله ثم بقدرة تفكيرك المبدع أن تتجدد وأن تحيا حياة جديدة ملؤها السعادة والغبطة، ردّد دائمًا وبإصرار وتأكيد: أنا حُرٌّ لا أخاف من شيء ولا يعيقني شيء.
فكّر ثم فكّر ثم فكّر
كن صديق نفسك رقم واحد منذ اللحظة، وحين تتهيَّأ للمديح والإطراء أو حين تجتاحك عاطفةُ غضبٍ فتضع الشتيمة على شفتيك, عليك أن تفكّر وتفكّر وتفكّر.. هل أريد أن تعود نتيجة هذه الفكرة لي وتظهر في حياتي؟, ناقش أفكارك باستمرار.. وكن إيجابيّاً واستبدل السيِّئ بأحسن منه. وسامح من أساء إليك، ولا تعتقد أنك تبدو بذلك ضعيفاً فالصفح يحتاج إلى قوة أكبر من الانتقام.
لاتملأ قلبك بأحقاد تفسد معدتك وتقفل الباب بوجه حظك السعيد، بسبب حالة التفكير السلبية التي تعتريك.
التفكير الإيجابي يطلب إليك أن تؤكد أنّك ناجحٌ وسعيد، وأنّ حياتك خالية من المزعجات والبؤس والاضطراب، وأن السلام يسود وجودك. وكل فكرة من أفكارك هي لبنة تضيفها إلى قصر أحلامك أو إلى قبر مشاريعك.
إننا لا نستطيع أن نفكر بشيء واحد في وقت واحد، ومن المستحيل أن نفكّر بالسعادة والشقاء معاً وبالنجاح والإخفاق، وبالحب والبغض، وهذا يضطرنا إلى أن نفكر بشيء سامٍ كريمٍ سارٍّ.
قال أحد حكماء الهند لتلاميذه: "إننا لا نستطيع منع العصافير من التحليق فوق رؤوسنا، لكننا نستطيع منعها من بناء أعشاشها في شعورنا"، وهكذا ينبغي أن نحارب الأفكار السيئة ولا ندع لها فرصة التعشيش في رؤوسنا البتّة.
أعطِ لتأخذ.. وهذا أحد قوانين التفكير الإيجابي المبدع في الحياة, وأنّ المستنقع يأخذ ولا يعطي, ولهذا تنمو الحشرات الضارة في مائه الآسن, وتنتشر الحُمِّيَّاتُ على شواطئه، وأمّا إذا ألقيت أقذاراً في ماء جارٍ, فإنّه يجرفها ويذهب بها, ويظل نقيّاً بحكم تجدّده وتدفق الحياة فيه.
الحياة مدرسة التفاؤل
علّمتني الحياة أنه لا يفترض في المرء أن يكون غنيّاً ليعطي, فأفضل كرم وأنقاه يكون من أولئك الذين لا يملكون شيئاً, لكنهم يعرفون قيمة الكلمة والابتسامة, وكم من أناس يعطون وكأنهم يصفعون. علّمتني الحياة ألّا أقبل وجودَ مناطق مظلمة في حياتي, فالنور موجود وليس على الإنسان إلا أن يدير الزر ليتألق النور ويشع.
علمتني الحياة أن المزارع الذي يترك الأعشاب الضارة والحصى تجتاح حقله, ثم يلقي البذور الجيدة بين العوسج والحجارة، لا يمكن له أن يحصد الكثير من القمح.
أصلح مزاجك الرديء وتذكّر أنك لا تستطيع أن تفكر في شيئين متناقضين في وقت واحد, بمعنى أنّك لا تستطيع أن تكون غاضباً ومسروراً معاً، فإذا شعرت بالمرارةِ تمتزج تفكيرك فما عليك إلّا أن تقذف بها خارجاً, وَضَع المرح مكانها.
ضع تقديراً جديداً للأشياءِ التي حباك الله بها بالفعل, وانظر إلى حياتك من منظورٍ جديدٍ كما لو أنك كنت تنظر إليها للمرة الأولى, ومع وضعك لهذا الإدراك الجديد لنفسك، ستجد أنّه عندما تمتلك شيئاً أو تحقّق إنجازاً جديداً في حياتك فإن مستوى تقديرك لذاتك سيزداد. والحياة عبارة عن سلسلة من الأشياء التي يقع أحدها تلو الآخر لحظة حاضرة تتبعها لحظة أخرى حاضرة، فعندما يحدث شيء يسعدنا, فلتعلم أنه حين يكون من الجميل الاستمتاع بالسعادة التي يضفيها علينا فإنّه سيستبدل في نهاية المطاف بشيء غيره من نوع مختلف, إن كان ذلك مقبولاً لك فستشعر بالسكينة حتى عندما تتغير اللحظة، وإن كنت تتعرض لنوع ما من الألم أو الحزن، فلتعلم أن ذلك أيضاً سيزول –بإذن الله تعالى– إن وضع هذا الوعي نصب عينيك باستمرار يعدُّ وسيلة رائعة للحفاظ على منظورك السليم إلى الحياة وإلى الأمور حتى في وجهة العداوة. أرغم نفسك على التركيز على الإيجابيات عندما تتسلل إليك الأفكار السلبية, عليك أن تتوقف وتعيد النظر وتعود على البحث عن الأسباب التي تفسّر لماذا يمكنك أن تقوم بشيءٍ؟ بدلاً من لماذا لا يمكنك القيام به؟.
اجعل يومك رائعاً
ابدأ يومك بالإيجابية, فكّر بالأشياء التي تحبها والأشياء التي أسعدتك, ولا تفكّر في المشكلات أو كل الأشياء التي تتمنى أن تصل إليها والتي من الممكن ألا تصل إليها أبداً.
انظر إلى النكسات بشكل بنّاء وإيجابي فإن المقاومة تجعلك قوياً، إنّ الفشل تجربة يجب أن نتعلم منها. يمكنك أن تحقق السعادة بأن تركز أفكارك عليها، إذ أننا نعمل وفق أفكارنا ومن خلالها تتكون تجربتنا. امتلك الشجاعة لتكون مختلفاً ولكن لا تكن متناقضاً أو متباهياً باستقلالك، إنّ الصفة التي تجذب الأنظار إلينا وتجعل منا شخصيات مميزة هي شجاعتنا في أن نكون صادقين مع أنفسنا.
على الإنسان أن يعطي من أجل العطاء فقط, لا أن يحصل على شيء مقابله. إن جزاءك هي المشاعر الدافئة التي تحصل عليها عند العطاء.
إنّك كلما تخيلت الحالة التي تريد أن تصل إليها وتكلّمت عنها أكثر أسرعت في الوصول إلى ما تريده بإذن الله، واضبط عقلك ليبقى مفكّراً في الهدف مركّزاً عليه متذكراً له أطول مدة ممكنة.
الحياة والنجاح
إنّ الناجحين في الحياة لا يفكرون عندما ينهضون من أسرّتهم في الصباح, إنّهم سيكونون إيجابيين, فقد أصبح التفكير الإيجابي عندهم عادةً, لقد تعودوا على التفاؤل وعلى توقّع الأفضل في كل موقف حياتيٍّ يمر بهم. ومستقبلنا يعتمد بعد الله على العادات العقلية الصحيحة التي كوّنَّاها عن عمد ووعي. ولقد صَدَقَ مَنْ قال, كون لنفسك عادات صحيحة ثم أسلم إليها قيادك.
إعلم أن رأس مال الآدمي عمره، وسفره إلى الآخرة، وربحه الجنة. والسعيد كل السعادة من اغتنم عمره ولم يضيّعه في تُرَّهات الدسائس، والعاقل من حفظ لسانه وعرف زمانه ولزم شأنه.
لاتخف من ترك البيت العقلي الذي تعيش فيه, وانهض لتبْنِيَ في عقلك بيتاً آخر جديداً وكبيراً وسعيداً ثم اذهب لتعيش فيه. وإذا أردت أن تخطّط لحياتك حقاً, فليس هناك شخص تحدّثه أفضل من نفسك، وليس هناك شخص يعرف مشكلاتك ومواهبك وقدراتك أكثر من نفسك, وليس هناك من يمكن إفادته أكثر من نقسك. وإنّ ماتنظر إليه وتواجهه ينمو في حياتك, وما تتجاهله يسقط وراءك, ولو استدرت ونظرت إلى الظل فقط فسيصبح هو كلَّ حياتك عندما تواجه الشمس دائماً ما يسقط الظل خلفك. واجعل من الدعم الإيجابي والمدح مجرّد توابل لحياتك, وأعد وجبة حياتك بنفسك، ولاتنظر خارج نفسك لتعرف من أنت، بل انظر إلى داخلك لتجد ذاتك.
إذا وجدت نفسك مصغياً إلى أفكار سلبية، وإذا أحسست أنّ كل شيءٍ ينهار أمامك فاصرخ ذهنياً: قفي أيتها الأفكار مكانك، ثم إذا عاودتك تلك الأفكار السوداء بعد حين فاصرخ بها ثانية وثالثة, ذلك أن تكرار الأمر بالتوقف كفيل بطردها من مخيلتك وقطع مسارها. إن كثيراً من الأفكار السلبية التافهة والأحاسيس السلبية الصغرى يكفيك مجرد التفكير بها. وإذا اعترتك لحظة اكتئاب أو قلق فما عليك إلّا أن تمشي مسافة طويلة على القدمين فهذا يساعد على طرد الأفكار السلبية.
مسك الختام
* قال عظيم من عظماء التاريخ: نحن نصنع حياتنا، وليست هي التي تصنعنا، "فالفكر المزعج يرهقنا، والفكر المريض يمرضنا، كما أنّ الفكر المفرح يسرنا ويدخل إلى قلوبنا التفاؤل.
* مكونات شخصيتك الإيجابية: حيويتك وصحتك الجيدة وذكاؤك وشجاعتك وقوة تركيزك وحصافتك وحماسك وإبداعك وروح المخاطرة التي تتسم بها بلا تهوّر.
* مكونات الشخصية السلبية: الخمول والمرض وتبلد الذهن والجبن وعدم الانتباه والخرق وفتور الهمة والتقليد والقعود والتواني.