التظاهر أفيون الناس .. من تداعيات الثورة !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحاول الكتابة عن أحداث الخامس والعشرين من يناير بما في وجداني من أحاسيس وعواطف , وبما في ذهني من فكر ورؤي .
قد اعتبرها ثورة قامت لتزيح ظلمة القهر والفساد والرأسمالية المستبدة والإقطاع الجديد , وتدعو إلى الإصلاح والإستقرار والتطلع إلى مستقبل أفضل في ظل حرية وديمقراطية تواكب ثقافات العالم المتحضر . وقد اعتبرها غضبة شباب تحمس لفكرة ما ومارسها دون وضع أهدافها المسبقة ومباديءآمنوا بها , ثم ما لبثت تيارات أخري رفعت فوق أساسها الفكر والمطالب والطموحات فثبتت , وسطرت الأهداف وأنشأت المباديء فيما بعد , وقد أعتبرها انتفاضة من ثبات على أوضاع سيئة غير مقبولة أطاحت بأحلام وآمال السواد الأعظم من الشعب .
في كل الأحوال .. أن الحدث قام علي فكر بعض شباب المجتمع المصري , كان في اعتقاده أنها تظاهرة ساعة من الزمن وينفض كل شيء , وهذا أبعد ما كان يفكر فيه , وهذا ما سمعناه من بعضهم في محادثاتهم الإعلامية , إلا أن الأمور تطورت ووجد الشباب نفسه ليس بمعزل عن الكثير من شرائح وطوائف المجتمع , فقد انضم إليه المتظاهرون من دعاة الدين والسياسة والأحزاب والمذاهب الأخري يؤججون آتون الإنتفاضة , ويدعمون حماسها بكل ما لديهم من أفكار مشروعة وغير مشروعة , وأصبح هذا الائتلاف يفكر ويطرح أفكاره من ميدان ( التحرير ) , هذه الأفكار التي تطورت إلى مطالب موجهة إلى النظام الحاكم , منها حل مجلسي الشعب والشوري , محاكمة بعض عناصر النظام , ويزداد سقف المطالب بتعديل بعض بنود الدستور , وإسقاط الحكومة عن بكرة أبيها , والقضاء على فكرة التوريث , ثم رحيل رأس النظام الحاكم المتمثل في شخص رئيس الجمهورية .
وفي وقت المشاورات والمداولات تدخلت الأجندات الداخلية والخارجية وأصحاب المصالح وكشرت الخيانة عن أنيابها فكيف للفاسدين الخروج من الجنة دون أن يفسدوها , وتكثر التساؤلات .. من هدم أسوار السجون ليهرب الخارجون على القانون يعيثون في الأرض الفساد ..؟! ومن أمر بعض رجال الشرطة ليتركوا أماكنهم لتنتشر الفوض في الشارع المصري ..
؟! ومن السبب في ترك البلطجية يقتحمون البيوت والمحلات والمؤسسات ينهبون ما فيها ويهددون أمن الناس ويرهبونهم ..؟! بل ويقتلون النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ..؟! ومن أحرق أقسام الشرطة ..؟! ومن أحرق ملفات أمن الدولة .. ؟!
وتداعت على مصر الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها ,وظهر الأعداء يوقدون فتيل الفتنة بين المسلمين والمسيحيين , والتي لا أعتقد أنها ستخمد في غيبة العقل , وغياب روح الوطنية .
وتصل الفوضى لتتعاظم , لإضعاف مكانة ( مصر ) كي ينقض عليها من يتربص بها كالعراق ..... وما حل به .. وتكسرالقوات المسلحة حلم الأعداء على صخرة الرجولة والوطنية التي أبدتها كحامية لحدود الوطن وسلامة أراضيه وأمن الشعب في الداخل , ويقود المجلس العسكري للقوات المسلحة أمور البلاد إلى أن تستقر الأمور وتسلم السلطة إلى النظام الذي يرتضيه الشعب .
ولم يسلم الوطن من الإحتجاجات الفئوية على مستوي مؤسسات الدولة , والتي قلبت موازين الآمور , بزيادة التظاهرات العاقلة والغير عاقلة , وظهرت على مسرح الحياة فئة من الإنتهازيين تعزف على وتر المنافع الشخصية , للحصول على قطعة من التورته , وأصبح التظاهر أفيون الناس , ما دامت حرية التعبيرالفوضوي عن الرأي شعار هذه الأيام . .!!
وبرغم إحداث الفوضى وتعطل مؤسسات الدولة عن القيام بواجبها , إلا أن البعض يعتبر كل هذا ظواهر صحية لتداعيات الثورة .
وبحسابات المكسب والخسارة , فهناك مكاسب لا حصر لها تحققت على أرض الواقع لكل فئات المجتمع , منها تثبيت العمالة المؤقتة , وفتح أبواباً جديدة للتشغيل , وتحسين أحوال الموظفين بزيادة الأجور والمرتبات , ومحاسبة الفاسدين وتقديمهم للعدالة , ومحاولة استعادة أموال الدولة المنهوبة , وتعديل بعض بنود الدستور لضمان انتخابات نزيهة , واختيار الشعب لقياداته , وإزاحة اللصوص من فوق كراسي المصالح الحكومية , وحل الإتحادات الطلابية في الجامعات , وكشف النقاب عن الوجوه القبيحة التي كانت تعمل في الظلام ضد أمن وأمان ( مصر ) .
إلا أنه ما زالت على كل الأصعدة قائمة تلك الفوضى العظيمة من جراء هذه التظاهرات التي تفسد بالفعل مسيرة النهضة والتنمية وتعوق تقدم البلد , فكيف تتحق كل هذه المطالب في ساعة زمن أو في يوم من الأيام , وقد استقر الفساد والظلم من قبل قرابة ربع قرن من الزمن . .!!
أرى أنه يجب أن يكون لكل تظاهرة ( العقل ) الذي يحركها , ولكل متظاهر
( الضمير ) الإنساني الذي يوجهه إلى السلوك السوي .. ولقد أعلنت من قبل هذا الشعار , وأقوله على لسان ( مصر ) لكل إنسان .. ( عبر عن نفسك دون أن تمسني بأذى ) .
البعض يري أن ما يحدث بعيداً عن نظرية المؤامرة , ونرى دون أدني ريب أن المؤامرات ما زالت تحاك الواحدة تلو الأخري ضد ( مصر ) والعرب جميعهم مع اختلاف السيناريوهات المعدة لذلك , وأن الغرب وحلفائه
وإسرائيل والشيطان وراء كل الإضطرابات والفتن التي تحدث في الشرق الأوسط للسيطرة عليه وتمكين إسرائيل منه .
وأرى أن هذه الأحداث وإن كان في ظاهرها الثورة وفي باطنها قبلة العذاب إن استمرت على هذا المنوال , ستذهب بكل ما سيتحقق من مكاسب قد تراها العيون على أرض الواقع .
علينا جميعاً أن نتعاون على البر والتقوى , ولا نتعاون على الإثم والعدوان . فمصلحة الوطن فوق كل اعتبار , فمصر تحتاج إلى فترة استقرار للنهوض من كبوتها .
نبيل مصيلحي
[center]